هجمات داعش على السجون.. تكتيكات متشابهة رغم اختلاف الجغرافيا

  • أعرب الرئيس النيجيري محمد بخارى عن خيبة أمله من النظام الاستخباري النيجيري
  • نحو 100 من المسلحين هاجموا السجن واستعملوا متفجرات شديدة الانفجار
  • هجوم ما يُعرف بولاية غرب إفريقيا على سجن كوجي في أبوجا النيجيرية جاء بعد حملة دعائية
  • دعا أحد قيادات داعش في سوريا، أنصار التنظيم والمقاتلين الأجانب إلى التوجه/ الهجرة إلى غرب إفريقيا
  • يحاول داعش أن يُظهر لأتباعه وأنصاره أنه لم يتأثر بحملة مكافحة الإرهاب

على وقع أصوات إطلاق نار وتفجيرات صاخبة، اقتحم مسلحون سجن كوجي في العاصمة النيجيرية أبوجا، خلال ليل الثلاثاء الماضي، وبعد نحو ساعة من الاشتباكات، هرب المسلحون بعد أن أطلقوا سراح المئات من المحتجزين داخل السجن متوسط الحراسة، والذي ضم مجموعة من أبرز السجناء في نيجيريا من بينهم مسؤولين سابقين، وضباط استخبارات مفصولين، وقيادات إرهابية خطيرة.

بعد فترة قصيرة من الهجوم، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية النيجيرية أن عناصر من جماعة “بوكو حرام” الإرهابية، يقفون وراء الهجوم على السجن الواقع على أطراف العاصمة، خاصةً أن المهاجمين أطلقوا سراح 64 إرهابيًا من المنتمين للجماعة، بيد أن تنظيم داعش، وعبر ذراعه الإعلامية “وكالة أعماق” نشر بيانًا مطولًا وصورًا، قائلًا إن مجموعات من مقاتليه هاجمت السجن ضمن حملة “هدم الأسوار”، التي بدأها التنظيم قبل سنوات، لاستهداف السجون وإطلاق سراح عناصره.

وقدرت مصادر نيجيرية عدد الفارين من سجن كوجي بنحو 879 سجين، وقالت وزارة الداخلية وهيئة المنشآت الإصلاحية النيجيرية (المسؤولة عن السجون) إنه جرى القبض على نحو 443 من الفارين، مضيفةً أن بعض السجناء عاد إلى السجن طواعية بينما ألقت قوات الأمن والقوات الخاصة التي انتشرت في المكان عقب الهجوم القبض على العشرات من نزلاء سجن كوجي، لافتةً إلى أن الهجوم أدى إلى إصابة 16 سجينًا، ومقتل عدد آخر من المهاجمين وقوات تأمين السجن.

هجوم متوقع.. وتقصير أمني

وبدوره، أعرب الرئيس النيجيري محمد بخارى عن خيبة أمله من النظام الاستخباري النيجيري، متسائلًا كيف يمكن للإرهابيين أن ينظموا هجومًا على السجن ويحصلون على السلاح ويهربون السجناء، دون أن يتم التصدي لهم أو مجابهتهم بهجوم مضاد.

ورغم اتهام الرئيس النيجيري لاستخبارات وقوات الأمن في بلاده بالفشل في التعامل مع الهجوم، إلا أن جهاز أمن الدولة (منظمة الأمن النيجيري سابقًا) كان قد حذر، خلال يوم الثلاثاء الماضي، من هجوم مرتقب على سجن كوجي، وذلك قبيل ساعات من الهجوم، لكن لم يتم اتخاذ إجراءات احتياطية من قبل الأمن النيجيري للتصدي للهجوم.

ووفقًا للمعلومات المتوافرة من مصادر مختلفة فإن نحو 100 من المسلحين هاجموا السجن واستعملوا متفجرات شديدة الانفجار لتفجير بوابته وأقسام من الأسوار المحيطة به، قبل أن يقوموا بتهريب السجناء وتوفير وسائل لنقلهم إلى خارج المنطقة، كما منحوا بعض السجناء أموالًا (حوالي 2000 نيرة نيجيرية/ حوالي 5 دولارات) ليستخدموها استئجار وسيلة نقل للهرب من مكان السجن.

وزعمت وكالة أعماق، الناطقة باسم داعش، أن مقاتلي التنظيم في ما يُعرف بولاية غرب إفريقيا هاجموا السجن من 3 محاور، إذ جرى تقسيم المهاجمين على 3 مجموعات قامت إحدها بتفخيخ وتفجير بوابات السجن بالعبوات الناسفة، وقامت الثانية بتفجير أحد الأسوار الجانبية واقتحام السجن، فيما قامت الأخيرة بالانتشار حول السجن لمنع وصول المؤازرات العسكرية والأمنية النيجيرية إلى السجن، لافتةً إلى أن الهجوم يأتي ضمن حملة “هدم الأسوار” الشهيرة، وهي حملة للهجوم على السجون وإطلاق عناصر التنظيم أطلقها داعش في العراق عام 2012، ولا تزال مستمرة، وقامت مفارز داعش، خلال العامين الماضيين، بمهاجمة سجون: جلال آباد بأفغانستان، وكالغباي المركزي بالكونغو الديمقراطية، إضافةً للهجوم على سجن غويران بالحسكة السورية، والذي استمر لعدة أيام وقتل في داخله العشرات من سجناء داعش الذين تحصنوا داخل السجن ورفضوا الاستسلام لقوات سوريا الديمقراطية.

 هدم الأسوار في أبوجا.. داعش يحاول تعويض خسائره بالهجوم على "سجن كوجي"

بيان وكالة أعماق حول الهجوم

وبمقارنة التكتيكات التي اتبعها تنظيم داعش في الهجوم على سجن غويران بسوريا، وسجن كوجي بنيجيريا، يتضح أن التنظيم اعتمد على نفس الأساليب والطرق العملياتية ذاتها، والتي تقوم على تقسيم القوات المهاجمة (المسلحين) إلى 3 أو 4 مجموعات تقوم واحدة منها بمشاغلة حراس السجن، والأخرى بالقيام بأعمال القطع والعزل لمنع وصول قوات الدعم إلى منطقة الاشتباكات بينما تقوم مجموعة محددة باقتحام السجن وإطلاق سراح العناصر المحتجزة داخله.

 

داعش وسجون غرب إفريقيا: خطة تعويض الخسائر البشرية

ومن الملاحظ أن هجوم ما يُعرف بولاية غرب إفريقيا على سجن كوجي في أبوجا النيجيرية جاء بعد حملة دعائية منسقة ومكثفة قام بها ديوان الإعلام المركزي للتنظيم بالتنسيق مع المكتب الإعلامي لداعش في غرب إفريقيا، وشملت تلك الحملة نشر سلسلة من الإصدرات المرئية (3 إصدرات متتالية)، بدءً من منتصف يونيو/ حزيران الماضي، بجانب نشر العشرات من الصور وتقارير وبيانات تبني العمليات الإرهابية في نيجيريا وداخل دول حوض بحيرة تشاد.

ويركز داعش، خلال الفترة الأخيرة، على نقل ثقله العملياتي إلى القارة السمراء، وخاصةً غرب إفريقيا التي يُعول عليها التنظيم لتكون مقرًا مؤقتً لخلافته المكانية، التي قُضي عليها في سوريا والعراق، منذ مارس/ آذار 2019، بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على قرية الباغوز السورية، آخر معاقل داعش في المنطقة.

وفي هذا السياق، بثت مؤسسة الفرقان الداعشية، في شهر أبريل/ نيسان الماضي، كلمة صوتية للمتحدث الحالي باسم التنظيم “أبو عمر المهاجر” بعنوان: “قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم”، دعا فيها مقاتلي وأنصار داعش في إفريقيا وخاصةً في غرب القارة إلى تكثيف الهجمات الإرهابية، قائلًا إن ما يُسمى بولاية غرب إفريقيا تصدت للحملات التي تشنها القوات الحكومية في نيجيريا ودول حوض بحيرة تشاد مرة تلو مرة، كما دعا إلى التركيز على استهداف السجون لإطلاق سراح سجناء وأسرى التنظيم، معتبرًا أن تلك الهجمات تُمثل الأولوية الأولى له في الفترة المقبلة.

 

داعش يدعو مقاتلي التنظيم في إفريقيا للتركيز على مهاجمة السجون

وبعد نحو شهرين من كلمة أبو عمر المهاجر،وتحديدًا في الـ14 من يونيو/ حزيران الماضي، بث المكتب الإعلامي لما يُسمى بولاية غرب إفريقيا إصدارًا مرئيًا مطولًا بلغت مدته نحو 39 دقيقة، بعنوان: “كتاب يهدي وسيف ينصر”، استهله بالاعتراف بمقتل ثلة (نحو 18 قياديا) من أبرز قيادات داعش في المنطقة من بينهم: (أبو مصعب اليوباوي، وأبو نعمان الأمني، وأبو عبد الله البرناوي، وأبو أنس الإعلامي، وأبو بكر الدعوي.. إلخ)

واستعرض الإصدار الداعشي العمليات التي قام بها التنظيم في نيجيريا، بجانب محاولاته لتأسيس خلافة مكانية في المنطقة وذلك بتأسيس عدد من الدوواين الشرعية والخدمية، إضافةً للدواوين العسكرية والأمنية، التي استقى فرع داعش في غرب إفريقيا فكرتها من داعش في العراق وسوريا.

وعلى نفس المنوال، سلطت صحيفة النبأ الأسبوعية (عدد 343) الضوء على نشاط داعش في المنطقة، قائلةً إنه يعمل في اتجاهين متوازيين هما إنشاء دواوين دعوية وخدمية كـ(ديوان الدعوة والمساجد، وديوان الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وديوان الزكاة)، بهدف استقطاب السكان المحليين وتجنيد مقاتلين جدد من أنصار داعش، ومواصلة العمل العسكري لاستنزاف جيوش نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون.. إلخ، وذلك تمهيدًا لتعزيز الوجود الداعشي في المنطقة.

 هدم الأسوار في أبوجا.. داعش يحاول تعويض خسائره بالهجوم على "سجن كوجي"

رسالة أحد قيادات داعش لأفراد التنظيم

غير أن الإصدارات الدعائية الداعشية كشفت، ضمنيًا، أن التنظيم لا يمتلك الموارد البشرية اللازمة للتمدد والتوسع في غرب إفريقيا، فحتى مع امتلاك التنظيم لنحو 5 آلاف مقاتل، وفق التقديرات الأمريكية، إلا أن توسعة رقعة الانتشار الجغرافي والتحول لنمط “مسك الأرض” أو إقامة خلافة مكانية ثابتة يتطلب مزيد من المقاتلين والكوادر البشرية والإدارية والقيادات التنظيمية الفاعلة، بجانب حاجة التنظيم لتعويض الخسائر البشرية التي تقع في صفوفه جراء عمليات مكافحة الإرهاب.

وفضلًا عن حالة مقتل وإصابة وأسر مقاتليه، يبدو أن تنظيم داعش يواجه حالات انشقاق متتالية داخل فرعه في غرب إفريقيا، وهو ما حرص التنظيم على التحذير منه في إصدراته الدعائية الأخيرة، والتي حث فيها عناصره على الصبر والثبات و”لزوم الجماعة” وهو تعبير يستخدمه التنظيم دائمًا للتحذير من الانشقاقات أو الخروج من التنظيم، كما ألمح إصدار كتاب يهدي وسيف ينصر”، المنشور في منتصف يونيو / حزيران الماضي، إلى خطورة ظاهرة الانشقاق حينما ظهر أحد مناصري داعش في أحد التجمعات التي نظمها التنظيم، وهو ينشد مقطعًا من أنشودة “كنت حرًا”، وهي أنشودة أصدرتها مؤسسة أجناد (تابعة لديوان الإعلام المركزي وتُعنى بإصدار الأناشيد والمقاطع الصوتية التحريضية)، سابقًا، لدعوة المنشقين عن التنظيم إلى العودة إليه وتحذير عناصره من الخروج أو ترك داعش.

ودفعت الأسباب السابقة بجانب الحاجات العملياتية، تنظيم داعش للتوجه صوب ترميم صفوفه وإجراء عملية استعاضة عن المقاتلين الذين يقتلون أو يصابون، وركز التنظيم على الدعوة لمهاجمة السجون في نيجيريا والنيجر لإطلاق سراح عناصره، بجانب العمل على تجنيد جيل جديد من الأطفال الذين يُطلق عليهم “أشبال الخلافة”.

 

رسائل داعش لأنصاره في إفريقيا: دعم دعائي في مقابل الضغط العسكري

كما أكدت رسائل داعش الدعائية التي نشرتها أفرع التنظيم في غرب إفريقيا، وسوريا، والعراق، على الترتيب تركيز التنظيم على تعويض خسائره البشرية وتجنيد مقاتلين جدد، ففي إصدار “كتاب يهدي وسيف ينصردعا أبو ثابت البرناوي، أحد قيادات داعش في نيجيريا، إلى مهاجمة السجون وإطلاق سراح عناضر داعش منها، مستشهدًا بمقولة “فكوا العاني” وهي إحدى المقولات الشهيرة لدى الجهاديين والتي تعني العمل على إطلاق سراح الأسرى بأي وسيلة.

 هدم الأسوار في أبوجا.. داعش يحاول تعويض خسائره بالهجوم على "سجن كوجي"

أبو ثابت البرناوي أحد قيادات داعش

 

كما دعا أحد قيادات داعش في سوريا، أنصار التنظيم والمقاتلين الأجانب إلى التوجه/ الهجرة إلى غرب إفريقيا للالتحاق بفرع التنظيم هناك، وذلك في إصدار “من أرض الشام إلى ليوث إفريقية” المنشور عبر المكتب الإعلامي لما يُسمى بـ”ولاية الشام”، في 23 يونيو/ حزيران الماضي.

وعلى نفس النسق، دعا أحد قيادات داعش في العراق، في إصدار “من أرض العراق إلى ليوث إفريقية” المنشور عبر المكتب الإعلامي لما يُعرف بـ”ولاية العراق” في 27 يونيو/ حزيران الماضي، السكان المحليين في نيجيريا والدول المجاورة لها إلى الانضمام لفرع داعش في غرب إفريقيا، قائلًا “إنا نستنفركم لنصرة الخلافة، وما نستنفركم لضعف ولكن رحمة وشفقة بكم”.

ومن اللافت أن حملة الدعم الدعائي المكثفة التي جرى إطلاقها من قبل ديوان الإعلام المركزي، المرتبط مباشرة بقيادة التنظيم العليا في العراق وسوريا، تزامنت مع التحضير للهجوم على سجن كوجي في أبوجا، وفق ما يتبين من تحليل الخطاب الإعلامي، ومراجعة التطورات الميدانية في نيجيريا.

ومع أن الحملة السابقة تأتي في ظل توسع عمليات داعش ووصولها إلى مشارف العاصمة النيجيرية أبوجا إلى أن الخبرة السابقة في التعاطي مع تنظيم داعش، تشير إلى أن التنظيم يلجأ إلى هذا النهج (كما يحصل في غرب إفريقيا) عندما تواجه تلك الأفرع ضغطًا عسكريًا قويًا أو تعاني من تهديد حقيقي لوجودها، (كما حصل سابقًا في شبه جزيرة سيناء المصرية التي تعرض فيها فرع داعش لحملة قوية من الجيش المصري عام 2015، وما تلاها، وكما حصل في أفغانستان عام 2018 وما بعدها) وهو ما يظهر بوضوح في الإصدارات الدعائية المتتالية والتي تدعو داعش في غرب إفريقيا إلى الصمود والثبات وعدم التراجع بعد إعلان التحالف الدولي لدحر داعش (قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب) تركيزه على مواجهة داعش في القارة السمراء، وخاصةً في غربها.

ويحاول داعش أن يُظهر لأتباعه وأنصاره أنه لم يتأثر بحملة مكافحة الإرهاب التي تقوم بها الدول الإفريقية والتحالف الدولي، مركزًا على إبراز دواوينه الصورية التي يؤسسها في غرب إفريقيا، لكن الواقع على الأرض يكشف أن التنظيم لا يتعلم من أخطاءه وأنه يحرق أتباعه ويدفعهم نحو نهايتهم، كي يبحث عن “حلم الخلافة المتبدد” الذي كان سببًا في تدمير أفرع داعش في العراق وسوريا وأفغانستان، وأيضًا في ليبيا الواقعة في شمال القارة السمراء التي لازال يحاول داعش استنتساخ تجاربه الفاشلة داخلها.