السجائر الإلكترونية.. هل هي بديل آمن عن التبغ التقليدي؟

  • روج صناع السجائر الإلكترونية بأنها البديل الآمن والأمثل الذي يساعد في الإقلاع عن تدخين التبغ التقليدي
  • بلغ استخدام السجائر الإلكترونية 27.5٪ بين طلاب المدارس الثانوية و10.5٪ بين طلاب المدارس المتوسطة
  • الرئة تمتص كميات كبيرة من مادة “الفورمالديهايد” المُسرطنة في أثناء تدخين السجائر الإلكترونية

 

منذ طرح السجائر الإلكترونية (Vaping) في الأسواق العالمية مع بداية الألفية الثالثة، روّج صُنّاعها بأنها البديل الآمن والأمثل الذي يساعد في الإقلاع عن تدخين التبغ التقليدي المُضر بالصحة.

لكن بمرور السنوات، أضحى هذا المُنتج بابًا خلفيًا لإدمان ملايين الشباب والمراهقين على التبغ، ومقدمة لتدخين السجائر، بدلا من الإقلاع عنها، بفضل الشكل الجذّاب والنكهات المتنوعة التي تُغري الشباب لتجربتها. ليس هذا فحسب، بل أثبتت عشرات الأبحاث العلمية، أن السجائر الإلكترونية لا تقل خطورة على الصحة عن مثيلاتها التقليدية.

وخلال العقد الثاني من الألفية الجديدة، تعاظم انتشار السجائر الإلكترونية، وكثرت أنواعها، وتزايد شعبيتها، خاصة بين المراهقين والشباب، ما استرعى اهتمام الهيئات الصحية لضرورة تنظيم تداولها في الأسواق في محاولة للحد من أخطارها المحتملة وغزوها المستمر لصغار السن.

الأرقام وحدها تكشف عن حجم الانتشار الواسع لهذه المنتجات بين المراهقين في الولايات المتحدة، ففي عام 2017، أبلغ 19% من طلاب الصف الثاني عشر، و16% من طلاب الصف العاشر و8% من طلاب الصف الثامن عن استخدام السجائر الإلكتروني، وفق مسح سنوي تم إجراؤه لصالح المعهد الوطني لتعاطي المخدرات.

الأرقام واصلت الارتفاع؛ حيث بلغ استخدام السجائر الإلكترونية 27.5٪ بين طلاب المدارس الثانوية و10.5٪ بين طلاب المدارس المتوسطة، وفق مسح تم إجراؤه عام 2019.

بدون البيانات اللازمة لتحديد المخاطر الصحية ذات الصلة، فإن إدارة الغذاء والدواء تصدر أوامرها برفض تسويق هذه المنتجات”

ميشيل ميتال

نُقطة نظام

وفي ضربة موجعة لواحدة من أكبر الشركات المنتجة للسجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة، منعت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) منذ أيام، بيع وتوزيع سجائر “جول” (Juul) الإلكترونية التي لطالما ارتبطت بارتفاع معدل التدخين الإلكتروني لدى المراهقين في الولايات المتحدة.

“جول”، المملوكة جزئيًا لشركة التبغ العملاقة “ألتريا جروب”، كانت تسعى للحصول على ترخيص لمنتجاتها التي تصنعها بنكهة المنتول، وتحتوي على النيكوتين بنسبة 5% و3%، للاستمرار في بيعها بالسوق الأمريكية، وهو ما قابلته الهيئة بالرفض.

وفي أسباب القرار، أوضحت (FDA) أن الشركة لم تُقدم الأدلة الكافية لإظهار أن بيع منتجاتها سيكون مفيدًا للصحة العامة، بعد مراجعة استمرت عامين تقريبًا للبيانات التي قدّمتها الشركة، مضيفة أن بعض النتائج أثارت المخاوف بسبب البيانات غير الكافية والمتضاربة، بما في ذلك السُميّة والمواد الكيميائية التي يحتمل أن تكون ضارة ويمكن أن تتسرب من كبسولات “جول”.

ميشيل ميتال، القائم بأعمال مدير مركز منتجات التبغ التابع لإدارة الغذاء والدواء، قال في إفادة صحفية: “بدون البيانات اللازمة لتحديد المخاطر الصحية ذات الصلة، فإن إدارة الغذاء والدواء تصدر أوامرها برفض تسويق هذه المنتجات”.

هذا القرار قُوِبل بالترحاب من مجموعات الصحة العامة، التي حذّرت مرارا من أن السجائر الإلكترونية تجعل جيلًا جديدًا من المراهقين يدمنون تعاطي النيكوتين، بعد خطوات كبيرة في الحد من استخدام السجائر بين الشباب.

إيريكا سوارد، مساعدة نائب رئيس جمعية الرئة الأمريكية قالت إن القرار مُرحّب به وقد انتظرناه منذ فترة طويلة. حملة جول لاستهداف الأطفال وجذبهم للتبغ استمرت لفترة طويلة جدًا”.

ضربة مُوجعة لـ السجائر الإلكترونية (Vaping).. المراهقون في خطر

خيط رفيع

طوال ما يزيد على عقد من الزمان، ظلّت شركات السجائر الإلكترونية تبيع منتجاتها في الولايات المتحدة دون الحصول على إذن رسمي من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وهي الهيئة المسؤولة عن حماية وتعزيز الصحة العامة من خلال التنظيم والإشراف على سلامة الأغذية ومنتجات التبغ والأدوية.

جاء ذلك لأن السجائر الإلكترونية بأنواعها لم تندرج تحت الاختصاص التنظيمي للإدارة لعدة سنوات. لكن مؤخرًا، تدخلت الإدارة بقوة لتنظيم بيع وتناول هذه المنتجات، والترخيص لبعضها فقط.

كما اتخذت خطوات أكثر صرامة فيما يتعلق بالترويج لتلك المنتجات وحظرت نشر إعلانات عنها على المنصات الرقمية، والإذاعة، والتلفزيون، في خطوة مهمة نحو ضمان خضوع جميع منتجات التبغ الجديدة لتقييم سليم وعلمي قبل التسويق لها.

فيما يتعلق بضوابط تسويق هذه المنتجات، تشير إدارة الغذاء والدواء إلى أن هناك “خط رفيع” يفصل في هذه المسألة الشائكة.

إنها تحاول “فطم” الجمهور عن السجائر التقليدية مع السماح بمنتجات السجائر الإلكترونية الأقل ضررًا، والتي لا تجتذب جيلًا جديدًا من المستخدمين، لذلك يشترط أن تكون المنتجات الحاصلة على إذن بالتسويق، جذّابة للإقلاع عن التدخين، ولكنها ليست جاذبة لدرجة أنها تستقطب الشباب بشكل جماعي.

المعيار الأساسي الذي وضعته الإدارة، للسماح لأي شركة بتداول منتجات السجائر الإلكترونية، هو أن يكون المنتج فعالًا في الإقلاع عن التدخين، والأمر يكون كذلك؛ إذا كانت الفوائد التي تعود على المدخنين تفوق الأضرار الصحية المحتملة لمستخدمي السجائر الإلكترونية الجدد، بما في ذلك المراهقون، الذين لم يدخنوا مطلقًا.

وفي سبيل تحقيق ذلك، ألزمت الإدارة جميع الشركات بتقديم طلبات للحصول على إذن بتناول منتجاتها في السواق بعد فحصها، يشرحون فيه باستفاضة مكونات منتجاتهم والأضرار المحتملة لاستخدامها، وقالت مرخرًا إنها اتخذت إجراءات بشأن حوالي 99% من حوالي 6.7 مليون منتج تم تقديمه للإدارة لمراجعته.

وأصدرت أوامر رفض تسويق لأكثر من مليون منتج للسجائر الإلكترونية، لكن هذه المنتجات تمثل جزءًا صغيرًا من إجمالي المبيعات.

بالإضافة إلى ذلك، دشّنت حملة توعية عامة عن السجائر الإلكترونية متعددة الوسائط تستهدف ما يقرب من 10.7 مليون شاب تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا ممن استخدموا السجائر الإلكترونية أو منفتحون على تجربتها مع تسليط الضوء على المعلومات حول مخاطرها المحتملة.

وفي سياق ضبط وتنظيم تداول هذه السجائر الإلكترونية، أصدرت (FDA) في 2019 رسالة تحذير إلى “جول”، متهمة إياها بانتهاك اللوائح الفيدرالية لأنها لم تتلق الموافقة على ترويج وبيع منتجاتها كخيار صحي للتدخين.

لكن للمرة الأولى في تاريخها، سمحت (FDA) في أكتوبر 2021، باستخدام منتجات السجائر الإلكترونية، من خلال الترخيص لشركة “آر.جي. رينولدز” (R.J. Reynolds) لبيع 3 من منتجاتها.

لكنها في الوقت ذاته أكّدت، في بيان: “بينما تسمح هذه الخطوة ببيع منتجات التبغ في الولايات المتحدة، لكن ذلك لا يعني أنّ هذه المنتجات آمنة”، مضيفةً أنّ “كل منتجات التبغ مُضرّة، وتؤدّي إلى الإدمان، ويتوجّب على غير المدخنين عدم استخدامها”.

وشدّدت على أنّ هذه الموافقة ليست “شيكا على بياض” كما يقولون، لكن الأمر يخضع للمتابعة والتقييم المستمر: “يتوجّب علينا البقاء متيقظين عقب هذا الترخيص، وسنراقب تسويق هذه المنتجات، وإن لم تمتثل الشركة لأي من المتطلبات التنظيمية، أو في حال برزت لدينا دلائل تشير إلى إقبال كبير من قبل غير المدخنين على استخدام منتج التبغ هذا، وبينهم الشباب. عندها سنأخذ التدابير المناسبة، وضمنها إلغاء الموافقة المعطاة”.

وفي مارس الماضي، أذنت (FDA) أيضًا بتسويق العديد من منتجات السجائر الإلكترونية لشركة “لوجيك” (Logic) التي تملك حوالي 1% فقط من مبيعات السجائر الإلكترونية في الولايات المتحدة، وفق بعض التقديرات، معللة موافقتها بأن الشركة كانت قادرة على إظهار أن منتجاتها من المرجح أن تساعد البالغين على الانتقال من السجائر التقليدية إلى الإلكترونية، مع تقليل مخاطر جذب مستخدمين جدد من الشباب.

ضربة مُوجعة لـ السجائر الإلكترونية (Vaping).. المراهقون في خطر

ما سر خطورة السجائر الإلكترونية؟

ولمن لا يعرفها، فإن السجائر الإلكترونية تعمل ببساطة عن طريق سخان حراري لتسخين سائل يحتوي على النيكوتين ومواد كيميائية أخرى موجود داخلها، ليتحول السائل أو النيكوتين إلى بخار يستنشقه المدخنون.

تحتوي أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS) على بطارية أو رذاذ (أو عنصر تسخين) وخزان للسائل الإلكتروني على شكل خراطيش أو خزانات أو كبسولات.

تقوم هذه الأجهزة بإيصال الهباء -الذي عادة ما يحتوي على النيكوتين أو (THC) وهو المركب النفسي الرئيسي في القنب- إلى المستخدم الذي يتم استنشاقه في الرئتين.

وبخلاف النيكوتين، تحتوي أبخرة السجائر الإلكترونية ونكهاتها المتعددة، على مواد كيميائية سامة مثل “الألدهيدات” (Aldehydes)، و”الفورمالديهايد” (Formaldehyde) المعروفة بأنها تسبب السرطان لدى البشر.

وكشفت دراسة، أن الرئة تمتص كميات كبيرة من مادة “الفورمالديهايد” المُسرطنة في أثناء تدخين السجائر الإلكترونية، ما يؤكد المخاطر الصحية المحتملة الناجمة عن تدخينها.

والخطير في الأمر، وفق الباحثين، أن مادة “الفورمالديهايد” لا تتشكل عن طريق تبخر سوائل السجائر الإلكترونية، وإنما خلال الانهيار الكيميائي للسوائل المُنكّهة، نتيجة لتسخينها السريع فيما يُعرف بـ”الانحلال الحراري” (pyrolysis)، الذي يحدث داخل السجائر الإلكترونية أو أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS).

الأبحاث أثبتت أيضًا أن بخار السجائر الإلكترونية عالي الحرارة والمشبع بالنيكوتين، يمكن أن يشكل مادة “الفورمالديهايد” بنسب تجعله خطرًا على الصحة؛ إذ يؤدي الاستنشاق العميق له إلى خطر الإصابة بالسرطان أكثر من تدخين السجائر العادية بـ5 أضعاف إلى 15 ضعفًا.

وفي أحدث دراسة أجريت في هذا الشأن، حذّرت جمعية القلب الأمريكية، من أن السجائر الإلكترونية تمثل خطرًا كبيرًا على قلوب المراهقين والشباب.

ووجدت أن الشباب الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية يعانون من تصلب الشرايين، وضعف وظائف الأوعية الدموية، وزيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وهذه الآثار القلبية الوعائية الحادة لهذه المنتجات قد تتراكم بمرور الوقت مع الاستخدام المطول؛ ما يؤدي لزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى أمراض الرئة وعلى رأسها الربو وأمراض الجهاز التنفسي.

الباحثون اعتبروا أن “استنشاق أي مادة غريبة يمكن أن يكون يؤثر على الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، علاوة على ذلك، يستمر نمو رئة الشخص حتى أوائل العشرينات من عُمره؛ لذا فإن المراهقين الذين يدخنون السجائر الإلكترونية أكثر عُرضة لخطر التقزُّم أو تغيير نمو الرئة وقد لا يصلون إلى وظائف الرئة الكاملة.

بالإضافة إلى ذلك، وجدت الدراسات أن الشباب الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية يعانون من تصلب الشرايين، وضعف وظائف الأوعية الدموية، وزيادة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.

ضربة مُوجعة لـ السجائر الإلكترونية (Vaping).. المراهقون في خطر

هل تساعد حقاً في الإقلاع عن التدخين؟

“إن الادعاءات المتعلقة بسلامة السجائر الإلكترونية وفعاليتها في الإقلاع عن التدخين لا أساس لها من الصحة في الأدلة العلمية؛ فالسجائر الإلكترونية تحتوي على النيكوتين، وهو عنصر ضار ويُسبب الإدمان، ويؤثر على نمو الدماغ لدى الشباب”.. هذا نص تحذير أطلقته منظمة الصحة العالمية، مشيرة إلى أن السجائر الإلكترونية ترتبط أيضًا بالإصابات مثل الانفجارات والحرائق، والأمراض المُعدية للحلق والفم، والسُعال، والغثيان، والقيء.

وفي معلومات نشرتها المنظمة بـ6 لغات عبر موقعها الإلكتروني، أشارت أيضًا إلى أن انبعاثات السجائر الإلكترونية تحتوي عادةً على النيكوتين والمواد السامة الأخرى الضارة بكل من المدخنين وغير المدخنين الذين يتعرضون للرذاذ الصادر عنها بشكل غير مباشر. وبعض المنتجات التي تدعي أنها خالية من النيكوتين (النُظُم الإلكترونية لإيصال مواد غير النيكوتين) وُجِدَ أنها تحتوي على النيكوتين.

ووفق المنظمة، يُسبِّب النيكوتين الإدمان الشديد، وتشير بعض البيانات إلى أن القاصرين الذين لم يدخنوا على الإطلاق ويستخدمون منتجات النُظُم الإلكترونية لإيصال النيكوتين، تتضاعف فرصة شروعهم في تدخين سجائر التبغ في وقت لاحق من حياتهم.

كما أن تعاطي الأطفال والمراهقين للنيكوتين له آثار ضارة على نمو الدماغ؛ ما يؤدي إلى عواقب طويلة الأجل تحول دون نمو الدماغ، وربما يؤدي إلى اضطرابات التعلُّم والقلق.

ويعد بيع منتجات النُظُم الإلكترونية لإيصال النيكوتين محظورًا في الوقت الحالي في أكثر من 30 بلدًا حول العالم.

وتشير التحليلات التي أُجريت في ديسمبر 2020 إلى أنَّ 79 بلدًا آخر نظَّمت منتجات النُظُم الإلكترونية لإيصال النيكوتين من خلال اعتماد إجراء تشريعي واحد أو أكثر، في حين أنَّ 84 بلدًا لم تفرض أي حظر أو تضع أي لوائح بعد للتصدي لهذه المنتجات، وفق المنظمة.

وفي البلدان التي لم يتم حظر هذه المنتجات فيها، تُوصي منظمة الصحة العالمية بمجموعة من الأهداف لتنظيم منتجات النُظُم الإلكترونية لإيصال النيكوتين، أبرزها:

  1. منع غير المدخنين والأطفال من البدء في استخدام السجائر الإلكترونية، عبر تقييد الإعلان عن هذه المنتجات والترويج لها ورعايتها
  2. وضع قيود على النكهات التي تروق للأطفال
  3. التقليل إلى أدنى حد ممكن من المخاطر الصحية المحتملة لمستخدمي منتجات النُظُم الإلكترونية لإيصال النيكوتين، مثلاً من خلال تنظيم خصائص المنتجات
  4. حماية غير المستخدمين من التعرض لانبعاثات هذه المنتجات، مثل حظر استخدام منتجات النُظُم الإلكترونية لإيصال النيكوتين في الأماكن الداخلية حيث لا يُسمح بالتدخين
  5. منع الادعاءات الصحية غير المثبتة
  6. حماية سياسات الصحة العامة من المصالح التجارية.