لبنان.. مخاوف من التصعيد وحرب “مُدمرة” مع إسرائيل

  • لبنان يطالب أن تبدأ حدوده المائية من الخط 29
  • صراع خفي بين الرئيس عون وحزب الله

منذ العام ألفين وأحد عشر، وبصدور الرسوم 6433، كان لبنان قد وافق على أن حدوده المائية تبدأ من الخط 23 الذي يقع شمالي الخط 29.

لكن لبنان عاد ليغير موقفه في العام ألفين وعشرين، مطالبًا بأن تبدأ حدوده المائية من الخط 29، وهو الخط الذي سيضم إلى حقوق لبنان أكثر من نصف حقل كاريش المتنازع عليه الآن مع إسرائيل.

ولأن الرئيس اللبناني لم يوقع على المرسوم المعدل للحدود المائية، تحركت إسرائيل لتطالب بكامل الحقل وترفض الاعتراف بالحدود البحرية اللبنانية إلا من بداية الخط 23.

يدور الآن صراع خفي لكنه شديد بين الرئيس الذي يتهمه خصومه بأنه سيقدم تنازلات لإسرائيل مقابل منافع اقتصادية وشخصية، وبين حزب الله.

ومع أن الحزب لم يعارض التفاوض على الحدود المائية، إلا أنه لم يعلن موقفه النهائي لكنه يعارض تقديم تنازلات.

وينشط خصوم الحزب في اتهامه بأن موقفه لا ينبع من وطنية خالصة، وإنما من باب محاولة الضغط على القوى السياسية، استباقا لاستحقاق تشكيل الحكومة الجديدة، ومن بعدها انتخاب الرئيس الجديد. أما خصوم عون فيرون أي تنازل عن الخط 29 بمثابة خيانة كبرى وسيستخدم حزب الله وخصوم الرئيس هذا الأمر للضغط على جهود تشكيل الحكومة.

أحد القياديين في حزب القوات اللبنانية يرى أن تدخل حزب الله في أي أزمة تواجه لبنان يقصد به عرقلة مصالحه الاستراتيجية وتعميق معاناة شعبه، لكن الحزب يرفض هذه الاتهامات.

وقد كان واضحا من خلال خطاب أمينه العام في التاسع من الشهر الحالي عندما قال إنه سيقف مع الدولة مهما كان موقف الدولة. لكن إذا قالت الدولة اللبنانية إن ما تقوم به إسرائيل يعد خرقا للسيادة اللبنانية فسيتدخل بالقوة لحماية السيادة اللبنانية. وقد أكد هذا الموقف أيضا نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عندما قال إن قوات الحزب مستعدة للتحرك إذا ما قررت الحكومة اللبنانية أن إسرائيل تقوم باختراق سيادة المياه الإقليمية اللبنانية.

ومع أن أمين عام الحزب هدد بأنه سيدمر السفينة اليونانية إذا اخترقت المياه اللبنانية وأعلنت الدولة ذلك الاختراق. إلا أنه عاد ليقول إنه سيلتزم أي قرار تلتزم به الدولة اللبنانية.

العبارة التي أثارت مخاوف المراقبين، هو قول نصر الله أن جميع الخيارات مطروحة، وأنه لا يخاف الحرب. وأن لدى قواته المقدرة على منع إسرائيل من استخراج الغاز من حقل كاريش. ولكن هل من بديل دبلوماسي؟

ولكن هل من بديل دبلوماسي؟

من الواضح أنه لا بديل، ولذلك فالحزب لا يرغب في إقحام لبنان في حرب شاملة مع إسرائيل ستكون بالتأكيد مدمرة وأكثر دمارا من حرب تموز عام 2006.

بعد حرب تموز، قال نصر الله إنه لم يكن يتوقع ذلك الدمار، وإلا لما خطف حزبه الجنديين الإسرائيليين. والآن هو لا يريد أن يعود إلى ذلك الموقف بعد حرب جديدة مدمرة.

أراد حزب الله أن يسجل موقفا قويا ويظهر زعيما للمقاومة وربما كان يعلم أن الدولة اللبنانية لن تجر البلاد إلى حرب. ليس فقط لأن حزب الله لا يريد جر لبنان إلى حرب مدمرة، بل ربما كان موقفه هذا نتيجة ضغط إيراني سيمنعه من التصعيد مع إسرائيل. بالإضافة إلى شدة التهديد الإسرائيلي. فقد أعلن وزير إسرائيلي أن حكومته ستتخذ القرارات وفقا لمصالحها دون أي اعتبار آخر. أما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي فكانت تهديداته صادمة عندما هدد بضربات لم يسبق أن وقع مثلها وهدد بدمار لم تشهده أي حرب سابقة.

قوة الهجوم ستكون بشكل لم تشهده من قبل. فكل هدف مرتبط بالصواريخ سيتم استهدافه وكل بيت تتواجد في داخله قذيفه أو ناشط يتعامل مع قذيفة أو مقر قيادة سيتم تدميره. ونصح رئيس الأركان الإسرائيلي اللبنانيين بالنزوح من مناطق القتال بمجرد أن يكون هناك تصعيد.

لكن هناك أمرا آخر قد يكون أكثر قدرة على تهدئة حزب الله وهو إيران. إيران تدخر حزب الله رديفا مهما واحتياطا عسكريا استراتيجيا لاستخدامه في حال تعرضها لحرب أمريكية إسرائيلية. فالتهديد الإسرائيلي لحزب الله جدي وخطير للغاية وفي حال استفز الحزب إسرائيل بضرب السفينة اليونانية فإن إسرائيل ستفتح على حزب الله أبواب جهنم وقد تخسر إيران حليفا مهما بكل ما لديه من سلاح وصواريخ كانت تستبقيه لوقت الشدة. فقد بدأت الولايات المتحدة إقامة ما يشبه التحالف استعدادا لمواجهة إيران، لذلك تجد إيران أنها من الأفضل لها تهدئة حلفائها في لبنان وغزة وعدم خسرانهم في معارك لا تخصها وبقاء قوة حلفائها للردع والتهديد. فلو تحقق سيناريو حرب إسرائيلية ضد حزب الله في لبنان سيليه بالتأكيد اشتباك مع غزة وبالتالي دمار ميليشيات حماس والجهاد أو على الأقل تحييدهما ستكون إيران هدفا سهلا لإسرائيل دون أن يعود لإيران أي حلفاء يخففون عنها في الجبهات الأخرى.

بطبيعة الحال هذا مجرد سيناريو متخيل يعتمد التحليل، ولا يعتمد معلومات مؤكدة، فلا أحد يمكنه معرفة حقيقة نوايا أطراف الصراع ولا أحد يتمنى الحرب في المنطقة.

بعد محادثات المبعوث الأمريكي في بيروت مع مختلف الأطراف اللبنانية وقد جاء بناء على دعوة رسمية من الحكومة اللبنانية لا بد أنه صارت لدى واشنطن صورة واضحة عن مواقف جميع الأطراف.

ولبنان يقول إنه تم التوافق على القبول بالخط 23 بشرط الحصول على حقل قانا بالكامل. هنا سيكون التفاوض على هذا الحقل.

يقول معارضو الرئيس اللبناني إنه أسقط دعوى لبنان للخط 29 وقبل بالخط 23 وقدم هذا الموقف للمبعوث الأمريكي. واشترط العرض اللبناني وقف العمل في حقل كاريش إلى أن تتم التسوية في المفاوضات وجعل حقل قانا بالكامل من حق لبنان. ويرى معارضو الرئيس عون أنه قدم التنازلات بخصوص حقول الغاز لرفع العقوبات عن صهره جبران باسيل لإتاحة الفرصة أمامه للفوز برئاسة الجمهورية في انتخابات الرئاسة في أكتوبر المقبل.

لا إسرائيل ولا حزب الله وبالطبع ولا الدولة اللبنانية يريدون تحول الأزمة إلى حرب، لكن ما يخشاه العقلاء هو وقوع بعض الخلل في تقدير مواقف بعض أطراف الصراع وهذا قد يؤدي إلى وقوع الحرب التي لن يستطيع أحد أن يوقفها قبل أن تأكل الأخضر واليابس وستكون كلفتها أكبر مما نتصور.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن