تصرفات إيران الاستفزازية سارعت في وصول المفاوضات إلى طريق مسدود

تسارعت التطورات المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني، وبعد أن سادت أجواء تفاؤلية باقتراب الوصول إلى انفراج عادت المفاوضات للدخول في حالة غيبوبة دون ظهور أي إشارات لعودتها إلى الحياة.

تصرفات إيران الاستفزازية دفعت الدول الغربية من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إصدار بيان يشجب وجود مواد مشعة في ثلاثة مواقع غير معلن عنها.

واعتبرت الوكالة أن ردود إيران على استفسارات الوكالة بهذا الشأن غير كافية فكان جواب إيران تعطيل بعض الكاميرات التي تراقب المواقع النووية الإيرانية.

التصعيد يجعل مستقبل المفاوضات غامضا

كان التحدي الإيراني بتعطيل الكاميرات والتهديد بتشغيل أجهزة تخصيب إضافية علامة كبيرة على الصراع المحتدم بين إيران والغرب في هذا المجال. تعطيل الكاميرات يعني إعاقة عمل الوكالة الدولية.

هذا التصرف الإيراني يجعل مستقبل المفاوضات غامضا وفي غياهب المجهول ويزيد من مخاوف انهيارها.

الأكثر خطرا هو اتخاذ أحد الجانبين إيران أو الولايات المتحدة قرارا بالانسحاب النهائي من عملية التفاوض وهنا يصبح العالم على أبواب مرحلة مختلفة.

لا يبدو أن إيران ستحترم المهلة التي عرضتها الوكالة الدولية لإعادة تشغيل الكاميرات وهذا سيقود إلى مزيد من التعقيد.

وزيادة في الاستفزاز أبلغت إيران الوكالة الدولية أنها ستقوم بتعطيل سبع وعشرين كاميرا أخرى في المرافق النووية.

وقد حذر مدير الوكالة الدولية بأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال مهلة الأسابيع الأربعة فإن تصرفات إيران ستكون بمثابة الضربة القاضية للمفاوضات. 

بتعطيل الكاميرات ستفقد الوكالة الدولية مصدرا مهما للمعلومات المتعلقة بالعمليات الإيرانية في تلك المواقع وسيكون أمام إيران حرية التصرف في تخصيب ما تشاء من اليورانيوم بدون رقيب.

إلى جانب هذا فإن توقف المفاوضات أو انهيارها يعني أن إيران ستتصرف على هواها وفق ما تريد بعيدا عن عيون المجتمع الدولي.

إيران قاب قوسين أو أدنى من إنتاج سلاح نووي

وسيكون هذا تصعيدا مثيرا للقلق لأن التشدد الإيراني هذه المرة سيكون في غير محله ولن يخدم مصالحها. إيران لم تخفي نيتها في رفع نسبة التخصيب من 60 في المئة إلى 90 في المئة وهذا ما صرح به رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية.

وبناء على هذا يرى بعض الخبراء في الوكالة الدولية أن إيران اصبح لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج سلاح نووي.

أما غير المعروف فهو المدة التي تحتاجها إيران لجعل هذه الإمكانية أمرا واقعا ويرى هؤلاء الخبراء أنها مدة قد تصل إلى سنتين.

وبتهديد إيران بمزيد من الإجراءات الاستفزازية فإنها تضع نفسها في وضع حرج للغاية. صحيح أن الولايات المتحدة تواصل السعي نحو العمل الدبلوماسي لأجل تفادي اللجوء إلى الخيارات الأصعب ولكن إلى متى يمكن للأمر أن يطول؟

هل ما تقوم به إيران مجرد ابتزاز سياسي؟ فقد رفضت واشنطن وبشده وحزم طلب إيران رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب ولذا تحاول إيران التحدي وإظهار قوة لا تملكها. فهذا التصرف الإيراني قد يصبح رأس حربة سامة تقتل الاتفاق وبعدها تدخل إيران والمنطقة في نفق مظلم.

مع أن إيران كانت تبدو قبل بضعة أسابيع راغبة في الوصول إلى اتفاق يعيد إحياء الاتفاق الأصلي إلا أن تصرفاتها الحالية التي تنم عن التحدي تشكل رسالة إلى الغرب بأن إيران لم تعد بحاجة للاتفاق ساعية للإيحاء بأنها أصبحت على أبواب صنع السلاح النووي، أو على الأقل أصبحت قريبة من ذلك. من المؤكد أن إيران تستغل هذا الوقت لتخصيب المزيد من اليورانيوم خلافا لما يريده الغرب. 

لا أحد يريد موت الاتفاق ولا أحد يريد أن يتخلى عن الأمل بالوصول إليه لكن في ضوء الظروف الراهنة التي تصاحب المفاوضات فإن الاتفاق يبدو في حالة موت سريري والتخلي عنه يعني خسارة لكل الجهود الدبلوماسية السابقة.

لكن في هذه الحالة سيتحول الملف إلى مجلس الأمن. غير أن انتقال الملف إلى المجلس لا يحل المشكلة. والسبب أن في المجلس دولتين كبريين على خصومة مع الولايات المتحدة هما روسيا والصين ويمكن لأي منهما تعطيل أي قرار تطلبه الولايات المتحدة ضد إيران.

  هذا التعطيل باستخدام حق النقض / الفيتو لن يكون محبة في إيران ولكن نكاية بواشنطن. لأنه بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات الأميركية والغربية المفروضة على روسيا فإن روسيا لن تجعل الأمور سهلة على الولايات المتحدة في تعاملها مع إيران ومن هنا تبدو أيدي واشنطن مكبلة تجاه ايران. لإنجاح أي قرار في مجلس الأمن ضد إيران يجب ضمان موافقة روسيا والصين عليه والا فإن القرار سيسقط بالفيتو وبالتالي ستظل إيران خارجة عن الإجماع الدولي.

  في الأسبوعين الماضيين انتشرت تسريبات عن خطوات قد تقوم بها الولايات المتحدة مقابل خطوات إيرانية وكلها تصب في احتمال الوصول إلى اتفاق موقت يتيح المجال للوصول إلى الاتفاق الكامل في وقت لاحق.

هل تعهد واشنطن برفع العقوبات عن قطاع النفط الإيراني سيخفف من حدة التوتر؟

تريد واشنطن من طهران وقف تخصيب اليورانيوم والعودة للتعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بينما تتعهد واشنطن برفع العقوبات عن قطاع النفط الإيراني ثم تقوم بإلغاء العقوبات عن قطاع المصارف والمؤسسات البنكية الإيرانية بما فيها البنك المركزي الإيراني. 

لكن مع تصرفات إيران الأخيرة تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية هل يمكن لاتفاق مؤقت من هذا النوع أن يتم إبرامه تمهيدا للوصول إلى اتفاق نهائي؟

عندما يواصل المسؤولون الأميركيون الحديث عن استمرار الجهود الدبلوماسية فهذا يوحي بإمكانية الاتفاق المؤقت لأن واشنطن لا ترغب باللجوء إلى البدائل التي قالت أنها متوفرة.

بطبيعة الحال لا توجد أي بدائل للحل الدبلوماسي سوى الحل العسكري وقد تكون أولى ملامحه ذلك التحالف العسكري الذي دعا إليه الكونغرس الأميركي لمواجهة إيران،

لكن واشنطن لا تبدو راغبة في ذلك ولن تقبل أن تزج بنفسها في حرب في المنطقة بينما هي مشغولة بشأن الحرب في أوكرانيا. ولا يبدو أن واشنطن ستعهد بالمهمة العسكرية إلى إسرائيل فهذا سيعقد الأمور أكثر مما هي معقدة.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن