تداعيات الحرب الأوكرانية.. مخاوف من شتاء نووي في أوروبا

من الواضح أن العالم تغير كثيرا خلال الأسابيع الأربعة الماضية. ومع استعار القتال في أوكرانيا ورياح الحرب الباردة التي تلف أوروبا يأتي التهديد الروسي باستخدام أسلحة نووية في حرب أوكرانيا تطورا دراماتيكيا يضع العالم في حالة توتر وعلى حافة كارثة يجب الحيلولة دونها.

التصعيد في الحرب الأوكرانية وقصف المدن وتشريد المدنيين بهذه الأعداد الضخمة يثير مخاوف الجميع.

وانعدام الحسم بعد أربعة أسابيع من القتال جعل إمكانية استخدام السلاح النووي بحسب ما هددت موسكو احتمالا غير بعيد قد ينزلق إليه العالم خصوصا وفق تصريح الأمين العام للأمم المتحدة الذي حذر بأن احتمالات الحرب النووية أصبحت الآن في إطار الممكن.

تمارس روسيا استراتيجية التصعيد بقصد تخفيف التصعيد أي أن روسيا تهدد لأجل التهديد والتخويف للحصول على تنازلات تتمثل في قبول الآخرين بشروطها أو السكوت على تصرفاتها.

لكن هذه السياسة لم تعد مصدقة لدى الغرب بعد أن قيل الشيء نفسه عن الحشود على حدود أوكرانيا وأنها كانت للتخويف والتهديد لكن روسيا غزت أوكرانيا وتجاوزت الحدود.  فهل ينفذ بوتين تهديده النووي؟ سواء ضد أوكرانيا أو ضد إحدى دول الناتو التي قد تتدخل في أوكرانيا.

تملك روسيا منظومة قصف نووي قصيرة المدى يمكن إطلاق قذائفها من البر والبحر أقلها بقوة كيلوطن واحد والأكبر منها بقوة مئة كيلوطن.

ملحوظة: كيلوطن هي وحدة قياس وزن تعادل 1000 طن، والكيلوطن من التي إن تي هي وحدة تستعمل لقياس الطاقة، وهي معادلة للطاقة الناتجة عن انفجار تلك الكمية من ال TNT

وتملك روسيا من هذه المنظومة ألف رأس نووي يمكن تحميلها على صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت وهذه المنظومة التكتيكية تستخدم لقصف المناطق القريبة لكن الدمار الناتج عنها يكون دمارا هائلا.

ربما أدت تصرفات روسيا في أوكرانيا إلى تسخين أجواء التوتر لدرجة عالية لكنها لم تصل بعد وفق خبراء الحرب إلى مرحلة الغليان التي تستوجب القيام بإجراءات غير تقليدية.  فهل يلجأ بوتين إلى السلاح النووي؟ ما هي الحالات التي يمكن أن يستخدم فيها الرئيس الروسي هذا السلاح؟ فأي تهديد قد تعتبره موسكو تهديدا وجوديا للدولة الروسية قد يدفعها لاستخدام السلاح النووي. وقد سبق أن صرح بوتين بأن أي هجوم على الأراضي الروسية سيتبعه خلال ثوان رد نووي. لم يعد بالإمكان التنبؤ بتصرفات بوتين بسهولة فإنه إذا ما شعر بانه قد حشر في الزاوية وان استراتيجيته في أوكرانيا بدأت تتهاوى فيمكن أن يلجأ إلى السلاح النووي التكتيكي لكسر الجمود وتفادي الهزيمة المدمرة.

في عام ألفين وسبعة عشر أصدرت روسيا وثيقة تعبر عن عقيدتها العسكرية لاستخدام السلاح النووي.

ومع أن عبارات الوثيقة كانت غامضة وأحيانا مرتبكة فقد أوضحت الوثيقة المذكورة أنه في أي صراع رئيسي ستقدم روسيا على استعراض استعدادها وتصميمها لنشر أسلحة نووية غير استراتيجية.

مع إطالة أمد الحرب قد تسيء موسكو تفسير حشود الناتو في الدول القريبة من حدودها، أو تسيء تفسير الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا وتفهم الأمر على أنه استعداد لنوع الهجوم الذي استعدت روسيا لمواجهته نوويا.

بعض المتشائمين يرون أن التهديد الروسي باللجوء إلى السلاح النووي تهديد جدي. فأي خطأ في التقدير قد يؤسس لاشتعال حرب نووية.

يرى الكرملين أن تعزيز قدرات أوكرانيا العسكرية بهذه الكميات من العتاد والسلاح الغربي ترقى إلى مستوى إعلان الحرب.

وهددت موسكو بأن قواتها ستقصف أي قوافل للناتو تنقل أسلحة وذخائر إلى أوكرانيا. في هذه الحالة قد يعتبر الحلف أن التصرف الروسي بمثابة استفزازات تستحق الرد. وبعد ذلك قد يقع المحظور الذي لا يتمناه أحد.

هل يمكن أن تصل الأزمة إلى حد استخدام السلاح النووي؟ كيف سيتم هذا الاستخدام وما هي الأهداف المحتملة؟ هل سيتم استخدام سلاح تكتيكي أم استراتيجي؟ هل تكون روسيا أول من يستخدم هذا السلاح؟ هل يعقل أن تتعرض أوكرانيا أو أي منطقة أخرى في أوروبا لقصف نووي ويبقى الناتو أو الولايات المتحدة مكتوفي الأيدي؟

رفعت الحرب في أوكرانيا مستوى خطر الصراع النووي إلى مستوى لم يحدث منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام اثنين وستين.

وحرب أوكرانيا ليست مثل حروب عهد الحرب الباردة تدار بالوكالة بعيدا عن أوروبا. فهذه حرب في قلب أوروبا وسقوط أوكرانيا يعني طعنة قوية لأوروبا وحلف الناتو والولايات المتحدة. ووجود الحشود الغربية والأطلسية على حدود روسيا بدون أن تحقق روسيا أهدافها في وقت قصير تعني أن الصراع مرشح لمستويات أعلى من الخطورة قد تصل إلى الخطر النووي.

فقد يلجأ بوتين إلى استخدام السلاح النووي التكتيكي إذا شعر أنه بدأ يخسر وأن خسارته ستؤدي إلى خسارة منصبه وربما حياته.

لكن لا يمكن توقع الكيفية التي سيرد بها الناتو أو الولايات المتحدة على استخدام روسيا للسلاح النووي.

الخبراء يرون أنه في اللحظة التي يخترق فيها أحد الطرفين حدود الحرب النووية فلا يمكن معرفة كيفية التوقف بعدها.

وفي حال وقوع صدام نووي لا يمكن معرفة ما هي الخطوات التالية.

لا يستبعد خبراء غربيون لجوء روسيا إلى السلاح النووي التكتيكي بضربة واحدة فقط إذا ما تعرضت قواتها في أوكرانيا للهزيمة أو وجدت نفسها تدور في حلقة مفرغة وحرب استنزاف لا تقدر على نتائجها.

هل يمكن لأي طرف أن يقبل بالدمار الذي سيحل في بلاده أو يسكت على ضربة نووية لأجل منع انزلاق العالم إلى الدمار الشامل؟ هل يملك قادة العالم ترف مشاهدة الحضارة الإنسانية تنحدر إلى هذا المستوى من الدمار؟

تحدثت مجلة نيوزويك الأمريكية في الأسبوع الماضي عن وجود خطة حرب نووية أمريكية لم تكن معروفة سابقا لمواجهة الخطر النووي الروسي تشتمل أيضا على خيارات غير نووية أبرزها الخيار السيبراني والحرب الإلكترونية لتعطيل الكثير من المنشآت الروسية.

أي أن الولايات المتحدة واعية لاحتمال استخدام السلاح النووي في حرب أوكرانيا.  لكن ما هي النتائج المباشرة أو غير المباشرة لاستخدام السلاح النووي حتى لو كان استخداما محدودا؟ بحسب بعض التقارير فإن استخدام السلاح النووي يعني في البداية سقوط ملايين الضحايا في أول بضع ساعات.

لا يزال احتمال استعمال السلاح النووي في حرب بأوكرانيا احتمالا ضعيفا جدا حتى الآن لكنه ليس معدوما. وأي حسابات خاطئة قد تصل بالعالم إلى كارثة لا نجاة منها وهذا يعني أن العالم لا يزال يقف على حافة خطر حقيقي.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن