التضليل الروسي ضد أوكرانيا وأوروبا

لروسيا تاريخ طويل مع المعلومات المضللة، منذ “مقاييس النشاط” في عهد الاتحاد السوفيتي، متضمنة مجموعة كبيرة ومتنوعة من حملات التضليل ضد الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الثمانينات من القرن الماضي نشر الاتحاد السوفيتي شائعة مفادها أن الولايات المتحدة “اخترعت الإيدز” في المختبر باعتباره “سلاحًا بيولوجيًا”، حتى أن الكرملين استخدم صحفا في العالم كله، وكانت الهند ضمنهم لنشر تلك القصة.

اليوم، أصبح نشر المعلومات أسهل بكثير وكذلك المعلومات المضللة أسهل بكثير مما كان عليه الأمر خلال الحرب الباردة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت النشر لأي شخص، فبات من السهل التأثير على الرأي العام أو حتى تزوير هذا الرأي العام عندما تضع اللجان الإلكترونية العديد من التعليقات أسفل مقال لدعم الرواية الروسية.

تضليل روسي عام 2014.. بعد ضم شبه جزيرة القرم وأثناء العدوان على دونباس 

انتشرت موجتان من المعلومات المضللة ما بين عامي 2014، 2021

أولا: شيطنة أوكرانيا ونشر المعلومات المضللة للرواية الروسية عن أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم وتزوير الوضع في دونباس، هذه الموجة لم تنته أبدا منذ بدأت في 2014 ولكنها اشتدت مرة أخرى في أواخر عام 2021 أي قبيل تنفيذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

ثانيا: زعزعة استقرار المجتمعات الغربية الديمقراطية، ودعم روايات الأحزاب الشعبوية في أوروبا وكانت هذه الموجة نوعا من عقاب الدعم الغربي لأوكرانيا كما كانت وسيلة لتقسيم المجتمعات الديمقراطية و إضعافها.

يمكن للمرء أن يتوقع حدوث نفس الموجات مرة أخرى، ولكن على نطاق أوسع وبشدة أكبر من ذي قبل، وبإلقاء النظر على المعلومات المضللة لروسيا حول الحرب الدائرة الآن يمكننا أن نرى أن القصص، حتى تلك التي سبقت الغزو، ليست قابلة للتصديق، مقاطع فيديو كاذبة لما أطلقوا عليه “الأراضي الروسية المحتلة” ادعاءات ضد الأوكرانيين، نشر قصص حول غزو وشيك لشبه جزيرة القرم، وكلام حول “الإبادة الجماعية في أوكرانيا” التي تحتاج روسيا لمنعها.

ولم يحاول نظام بوتين إنتاج نسخة محددة للجمهور العالمي، فقبل أسابيع وشهور من الغزو الشامل، كانت الروايات مختلفة، فقد ادعى بوتين أن توسع الناتو وخاصة سعي أوكرانيا نحو الناتو هو “خط أحمر بالنسبة لروسيا”.

كانت مطالب بوتين غير طبيعية إلى حد كبير، لذلك صرح بعض المراقبين، أنه غير مهتم بالمفاوضات من الأساس، وكل ذلك مجرد نوع من الدعابات الممهدة للغزو.

ما الخطأ؟

الخطأ في وسائل الإعلام خاصة الألمانية والنمساوية هو أنهم لم يقدموا تصريحات بوتين في سياق معلوماته المضللة التي استمرت لسنوات عديدة، لم يتساءلوا عما إذا كان مهتما بحل دبلوماسي ورددوا مطالبه وكأنه سياسي ينتمي للديمقراطية الغربية.

وهو شئ جدير بالملاحظة لأن الاتحاد الأوروبي على علم بالتضليل الروسي، على الأقل منذ عام 2014 ففي عام 2015 تم تاسيس فريق عمل East StratCom”” وبدأ المشروع الريادي الأوروبي “EUvsDisinfo” في العمل وهو منصة للتحقق من المعلومات تعاملت مع العديد من محاولات التضليل الروسي.

ومع ذلك فإن بوتين وتصريحاته ومطالبه لم تكن مرتبطة بشكل مباشر بأنشطة التضليل الروسية عبر وسائل الإعلام حتى وإن كانت تلك الأنشطة قائمة على سياسات الكرملين وكثير منها جزء من الروايات التي يمكننا متابعتها في التلفزيون الرسمي الروسي.

منذ عام 2014 أصبح التلفزيون الروسي والقنوات الإعلامية أصبح التلفزيون الحكومي الروسي يقدم محتوى مختلفا للجمهور المحلي عما تقدمه كل من “سبوتنيك” و”روسيا اليوم”، أهم أذرع التضليل الروسي، على المستوى الدولي، ولكي نكون أكثر دقة، فإن “سبوتنيك” و”روسيا اليوم” يقدمان برامج مختلفة باختلاف الدولة التي تبث منها، فأحيانا تستهدفان الجماهير اليمينية، وأحيانا أخرى تستهدفان اليسار المتطرف، اعتمادا على تقييم الوضع في الدولة المستهدفة.

حرب إبادة وغزو وشيك.. كيف ضللت روسيا الجميع بشأن الحرب في أوكرانيا؟

الحرب كلمة ممنوعة في روسيا 

لم يعد من الصعب فقط الوصول إلى عقول السكان الروس فحسب، بل أيضا بات التواصل معهم من الناحية التقنية صعبا، فقد تم حظر العديد من القنوات ومؤخرا لحقهم فيسبوك الذي تم حظره في روسيا. حتى الأشخاص الذين يحاولون التواصل مع الشعب الروسي عبر منصتهم الروسية “Vkontakte” يتم حذفهم بسرعة رهيبة فور اكتشاف تواجدهم. 

مما دفع بعض الأشخاص لاستخدام تقييمات المطاعم ومنصات المواعدة والبريد الإلكتروني للوصول إلى نظرائهم في روسيا بسبب كل هذا الحظر.

العديد من التقارير تتحدث عن أشخاص يتكلمون الروسية في شرق أوكرانيا فشلوا في إقناع أقارب لهم في روسيا بحدوث هجمات روسية على مدنهم، أو حتى إقناعهم بوجود الحرب بشكل عام.

حتى وسائل الإعلام غير مسموح لها إلا أن تطلق عليها “عملية خاصة” كذلك هو المفروض أيضا على مكاتب الصحافة الأجنبية التي بدأت في مغادرة البلاد.

فضح تضليل الكرملين وإقناع الشعب الروسي ومعه أصحاب المصلحة أن الحرب على أوكرانيا قائمة على مجموعة من الأكاذيب والدعاية، هي بيت القصيد لتقليل أو وقف العدوان الروسي على أوكرانيا، لقد بدأ الروس بالفعل يشعرون بتأثير العقوبات الاقتصادية وأدركوا أنهم يضحون بثرواتهم من أجل اللاشيء وقريبا سيبدأون في التساؤل.

https://twitter.com/akhbar/status/1502611645151035400

لقد تحدثت مع سيدة من خاركيف، تتحدث الروسية فهي من أم روسية، لم يصدقها أصدقائها الروس حينما حكت أن خاركيف تعرضت للقصف، في نفس الوقت الذي كان عليها فيه النزوح بعائلتها إلى غرب أوكرانيا، أخبرتني أن صديقتها حاولت إقناع امها المقيمة في روسيا أنه مدينة ابنتها في أوكرانيا يتم قصفها ولكن الأم وباقي الأقارب لم يصدقوها وهذا ليس استثناء فهناك حالة أخرى مشابهة تم نشرها في بي بي سي.

رغم ذلك يمكن اعتبار المتحدثين باللغة الروسية من الأجزاء الشرقية أو الجنوبية من أوكرانيا أكثر الشهود تصديقًا على العدوان الروسي في نظر الجمهور الروسي،وللأسف، صرح العديد منهم بالفعل ، أنهم قد “استسلموا” ، بسبب التأثير القوي للدعاية الروسية المضللة.