حرب أوكرانيا.. كيف نُميز الحقيقة من الزيف؟

  • الحرب الأولى في التاريخ التي يتم تغطيتها لحظة بلحظة
  • البعض اتهم الإعلام بالقيام بدور محرض منذ بداية الأزمة

أظهرت الحرب في أوكرانيا كم هو صغير هذا العالم وكيف تنتقل الأخبار في وقت حدوثها عبر وسائل الإعلام المختلفة وخصوصا الوسائل الشخصية من خلال السوشال ميديا. فالعالم بات متصلا بعضه ببعض بطريقة غريبة لا فكاك منها لم يعهدها الناس قبل عشر سنوات مثلا.

كيف نميز الحقيقة من الزيف؟ هذا هو التساؤل الذي يخرج به المتابعون لتفاصيل الأخبار والمعلومات المتدفقة ذات العلاقة بحرب أوكرانيا. فهذه الحرب هي الأولى في التاريخ التي يتم تغطيتها بصورة تكاد تكون لحظة بلحظة. وهذا خلق البلبلة لدى الجمهور الذي لم يعد قادرا على تمييز التفاصيل التي تتدفق ليس فقط عبر وسائل الإعلام التقليدية بل عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية التي باتت تشكل مصدرا رئيسيا ومباشرا للمعلومات عن أي حدث في العالم وليس فقط عن حرب أوكرانيا.

انقسم عالم الإعلام وصدرت ردود أفعال مختلفة كثير منها أثار الاستغراب بسبب أنه لم يصدر مثلها عند وقوع صراعات أخرى في الماضي. الحرية التي يتمتع بها الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها أتاحت لهم التعليق بصورة لا مثيل لها إلى درجة أن اختلط معها الأسود بالأبيض ولم يعد المتابع يستطيع تبين الحقيقة.

ومع انقسام الرأي العام العالمي إلى معسكرين واضحين بالنسبة لطرفي أزمة أوكرانيا بات الإعلام أيضا منقسما بين تيارين متضاربين احدهما يدعم الموقف الروسي والأخر يدعم الموقف الأميركي مع أن العداء لأحد الطرفين يجب أن لا يطغى على رؤية الحقيقة وبيان الواقع كما هو.

واذا كان مفهوما أن الطرفين المتنازعين قد يلجآن إلى حرب معلومات مضللة ومتعمدة لأنهما في حالة صراع فما الداعي لوسائل إعلام أخرى بعيدة عن طرفي النزاع للابتعاد عن القاعدة الأساسية في الإعلام وهي الموضوعية والحياد والنزاهة. يمكن معرفة توجه وسائل الإعلام تجاه هذه الحرب من العناوين المستخدمة في الإشارة إلى هذا النزاع. ومن المعروف أن لكل وسيلة إعلامية سياستها التحريرية الخاصة بها وعلى العاملين معها أن يلتزموا بذلك.

مع كثرة الهواتف الذكية وانفتاح السوشال ميديا والإنترنت السريع تصبح الحروب أحداثا مرئية وبصورة مباشرة أو شبه مباشرة بحيث يتم نقل حيثياتها ومآسيها ودقائقها وتفاصيلها وكأنها لعبة الكترونية.

ويفترض في نقل الصورة بهذا الشكل السريع والمباشر أن تسهم في تشكيل وعي إنساني تجاه الحروب وتجاه معاناة الضحايا. لكن السوشال ميديا تعطي في أحيان كثيرة صورا قد تكون متناقضة وأقل ما توصف به أنها مضطربة لا تسمح للمتلقي بتكوين موقف سليم تجاه الحدث اعتمادا على الحقائق لأنه على ما يبدو تقوم السوشال ميديا بخلط الحقائق بالأكاذيب.

لكن يبدو أن الكل يحارب معركته الإعلامية بطريقته ولكل معركة أهدافها وكل منها منحازة إلى جانب. وقد أصبح الإعلام أداة حربية وطرفا في الصراع يدافع ويشرح ويتصدى مما يزيد في ضبابية المشهد. حتى عندما يأتي الحديث عن اللاجئين اختلفت التوصيفات عما جرت عليه العادة في توصيف اللاجئين الفارين من ساحات القتال. لقد جلب توصيف بعض المراسلين الغربيين للاجئين الأوكرانيين الغضب لاستعمالهم توصيفات بدت متحيزة وفاح منها رائحة المشاعر العنصرية. صورت بعض وسائل الإعلام في الغرب المشكلة الإنسانية للاجئين الأوكرانيين وكأنها تتعلق بنوع من البشر يتفوق في مستواه وفي مكانته عن بقية الشعوب مع أن المأساة هي المأساة والمعاناة هي نفسها بالنسبة لأي إنسان.

حرب أوكرانيا تدشن مرحلة جديدة مختلفة في الإعلام

قوات روسية في إحدى مدن أوكرانيا

لكن ما حدث مع هؤلاء المراسلين يمكن ضبطه بعد اعتذار القنوات التي يعملون معها عن تلك التوصيفات وتراجع أولئك المراسلين عن استخدامها. لكن المشكلة الأكبر مع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين يطلقون ما شاءوا من توصيف ليس فقط على اللاجئين ولكن على الشعب الأوكراني أو الشعب الروسي أو القوات الأوكرانية أو القوات الروسية.

ليست المشكلة في التوصيف فقط بل هناك مشكلة أكبر في وسائل التواصل والمنصات الإلكترونية حيث يتم استحضار فيديوهات لأحداث سابقة وفي أماكن بعيدة جدا عن ساحة الصراع ونسبتها إلى أحداث الصراع الحالي. وعندما تظل مثل هذه التجاوزات على وسائل التواصل والمنصات الإلكترونية فيمكن تحييدها لكن الخطر في حال وقوع غرف الأخبار في مطب تصديقها واستخدامها دون تدقيقها أو تمحيصها ومضاهاتها مع مصادر أخرى موثوقة وإلا تعرضت مصداقية هذه القنوات والمحطات للخطر.

هذا الاستهتار الذي يمارسه بعض الناشطين ممن يسمون بالمواطن الصحفي لن تكون له عواقب محمودة. وهناك المئات وربما الآلاف من المواد الفلمية التي انتشرت دون الخضوع للتدقيق والتمحيص. فسهولة التصوير والبث عبر تلك المنصات الإلكترونية وتوفر برامج تحرير الصور يسمح بانتقاء مشاهد وإخراجها من سياقها العام الحقيقي لتوحي أنها واقعية ومن ميدان الحدث لكنها في الواقع تصبح أداة سلبية والضحية دائما هي الحقيقة.

انصار الجانبين يقومون بذلك. فسهولة نقل الصور المزيفة قد تساعد أيضا على نقل الأفكار السلبية والعنصرية التي تنطوي على إساءات كثيرة وتشويهات وقلب للحقائق. وتدفق هذا الكم الكبير من الفيديوهات والصور لا يسمح بإعطاء صورة واقعية عما يجري فعلا. وهذا يقود للسقوط في فخ تشويه الحقيقة.

من الملفت أن حجم المعلومات المتدفقة في الساعة الواحدة عن هذا الصراع يكاد يعادل معلومات كانت تحتاج أسبوعا خلال حروب سابقة قبل عشر سنوات على سبيل المثال.

قد يكون مفهوما انحياز الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي لهذا الطرف أو ذاك لكن غير المفهوم أن تتخذ إدارة تلك المنصات مواقف منحازة ضد أحد طرفي الصراع. في البداية عملت تلك المنصات على التدقيق فيما ينشره الناشطون ولكنها بعد أسبوع من الحرب أقدمت على إغلاق منصاتها في وجه أحد طرفي الحرب. كذلك فعلت بعض المحطات العالمية كنوع من العقوبة. كان التبرير هو منع استغلال تلك المنصات في الترويج لمعلومات غير صحيحة. معروف انه في الحرب يقوم كل طرف باستغلال أي وسيلة متوفرة لاستخدامها للترويج لمواقفه. لكن التحريض كان واضحا سواء لهذا الطرف أو ذاك فقد استغل انصار الجانبين أي معلومات حتى وان كانت غير مؤكدة للبناء عليها واختلاق قصص إخبارية تبدو قابلة للتصديق وهذه إحدى سمات الإعلام الشعبي. لكن في حال التدقيق فيها يتم كشف زيفها وعدم صمودها.

لكن السؤال الذي يبرز بهذا الصدد هل هناك فوائد عملية من إغلاق تلك المنصات أو المحطات؟ قد يكون لها بعض الفوائد المؤقتة لكن على المدى البعيد فالأمر غير ذلك.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن