“الجميع يذهبون إلى فالويكي”. ربما قَـدَّمَت هذه العبارة، التي تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي، الدليل الأكبر حول الموقع الذي قد تبدأ منه روسيا توجيه ضربتها لأوكرانيا إذا أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العنان لنحو 130 ألف جندي حشدهم على طول الحدود.

ارسم خطا مستقيما من مدينة فالويكي، التي تتخذ موقعا استراتيجيا شمال منطقة دونباس الانفصالية التي تدعمها روسيا وشرق خاركيف، إلى مدينة دنيبرو الضخمة الواقعة على نهر دنيبر. تقترب المسافة بين المدينتين من 300 كيلومتر، وهي أقصر مسافة ممكنة إلى الحماية الطبيعية التي يوفرها النهر. التحكم في هذا الخط من شأنه أن يمكن روسيا من عزل جنوب أوكرانيا وشرقها تماما، وتطويق القوات المسلحة الأوكرانية التي تواجه دونباس حاليا بشكل كامل، وإجبارها بسرعة على الاستسلام.

كيف يمكن أن تسيطر القوات الروسية على أوكرانيا؟ هذا هو مسار الغزو المحتمل

خريطة توضح الطريق من فالويكي إلى دنيبرو وكيف يمكن لروسيا عزل جنوب أوكرانيا وشرقها تماما عن طريق السيطرة عليها

ستكون المكافآت العسكرية الفورية كبيرة: السيطرة الكاملة عل بحر أزف، وتأمين الدفاع عن الممر البري إلى شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا إلى أراضيها من قبل)، بما في ذلك المياه العذبة المتدفقة إلى شبه الجزيرة المتعطشة للأمطار. وإذا كانت المقاومة العسكرية الأوكرانية ضعيفة على نحو غير متوقع، فقد تنجح روسيا في تمديد سيطرتها على الأراضي خارج منطقة أوديسا إلى حدود مولدوفا، وقطع الطريق بين أوكرانيا والبحر الأسود بالكامل، وتعطيل اقتصادها البحري.

أما إذا كانت المقاومة أكبر من توقعات المخططين العسكريين الروس، فإن البديل الآمن يتلخص في الانسحاب السريع إلى منطقة دونباس، وإلحاق خسائر جسيمة بالجيش الأوكراني المحاصر بالاستعانة بالقصف الجوي لإرغامه على الاستسلام لشروط السلام التي يفرضها الكرملين.

قوات الناتو الدفاعية مصدر قلق لروسيا

الواقع أن طبيعة هذه الشروط واضحة. على مدار تاريخ روسيا، كان قادتها المدركين تمام الإدراك لمدى هشاشة إمبراطوريتهم الشاسعة يقيمون استراتيجيتهم الدفاعية على نحو شبه دائم على إنشاء طوق إقليمي. كان تصوير حلف شمال الأطلسي (الناتو) على أنه تهديد عدواني توسعي مفيدا كدعاية في نظر الكرملين، حتى وإن كان أخشى ما تخشاه روسيا هو القدرات الدفاعية التي يمتلكها الناتو.

قبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم واحتلال منطقة دونباس بحكم الأمر الواقع في عام 2014، كانت أوكرانيا مترددة بشأن الانضمام إلى الناتو، وإن كانت أكثر حرصا على الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي. والآن، خلص القادة العسكريون، والساسة، وأغلبية واضحة من السكان إلى أن الناتو يُعد الجهة الوحيدة القادرة على ضمان الدفاع الأوكراني ضد العدوان الروسي. صحيح أن الناتو كان حريصا على الامتناع عن تقديم أي ضمان لأوكرانيا عبر خطة عمل تنتهي إلى منحها عضويته، واكتفى بأن يعرض عليها وعدا غامضا بالعضوية في المستقبل البعيد.

لكن التعاون العسكري النشط بين الناتو وأوكرانيا تَعَمَّقَ بشكل كبير، على الرغم من توقفه عند فكرة تزويدها بالأسلحة، والتي عارضتها ألمانيا وهولندا حتى وقت قريب للغاية باستخدام حق النقض.

ومن ثَمّ، يبدو أن بوتين استنتج أن أفضل طريقة لمنع أوكرانيا من نشر أسلحة الناتو أو الانضمام إلى الحلف تتمثل في إجبار قادته على الموافقة على شروط روسيا المهينة. وتشير رغبة بوتين المعلنة منذ فترة طولية في زعزعة استقرار أوكرانيا وإعادتها إلى مجال نفوذها إلى أن الكرملين ينظر إلى الدور المناسب لأوكرانيا على أنها دولة تابعة. ولأن المنطق المنحرف الذي يُملي استخدام القوة العسكرية واضح، فمن الواضح أيضا مدى صعوبة إبرام صفقة لمنع استخدامها.

استبعدت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بالفعل نشر قوات على الأرض في أوكرانيا. كما فشلت هذه القوى منذ عام 2014 في تسليح أوكرانيا بالقدر الكافي لجعل الغزو الروسي باهظ التكلفة. الآن فقط تجري مناقشة هذا الأمر بجدية، وهو ما قد لا يُسفِر إلا عن إقناع الاستراتيجيين العسكريين الروس بتسريع خطط الغزو.

ولم يقترح أحد فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا أو ضرب الحصار حول المدخل إلى البحر الأسود، على الرغم من إمكانية مطالبة تركيا من حيث المبدأ بإظهار تضامنها مع الناتو باستدعاء اتفاقية مونترو لعام 1936 لحرمان الشحن الروسي من الوصول إلى مضيق البوسفور.

هل تردع العقوبات الاقتصادية روسيا من غزو أوكرانيا؟

تعتمد الولايات المتحدة وأوروبا بشكل شبه كامل على العقوبات الاقتصادية الموجهة كرادع. لكن العقوبات لم تردع روسيا في الماضي. الواقع أن روسيا بارعة في استغلال الخلاف في الاتحاد الأوروبي، وتأليب بولندا ودول البلطيق المتشددة ضد ألمانيا المتسامحة وإيطاليا والمجر.

على سبيل المثال، في حين قد يكون استبعاد روسيا من نظام المدفوعات الدولية SWIFT ضارا للغاية، فإن زعيم المعارضة الألماني فريدريش ميرز يقاوم هذه الفكرة بالفعل. وسوف يستمر الانقسام العميق في وجهات النظر داخل الاتحاد الأوروبي حتى لو شنت روسيا حربا عدوانية على أوكرانيا، مع تخفيف العقوبات القاسية مع تزايد المعارضة لها.

تتمثل إحدى العقوبات التي قد تخلف تأثيرا كبيرا في مصادرة الأصول المالية الخارجية المملوكة للنخب السياسية الروسية. ومن الممكن الاحتفاظ بالعائدات كضمان لدى طرف ثالث لدفعها في نهاية المطاف إلى أوكرانيا كتعويضات حرب عن الأضرار التي أحدثتها روسيا. ويتعين على حكومة الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية أن تعكف على استنان أي تشريع لازم لمنح أنفسها السلطات اللازمة. ومن الأهمية بمكان الإعلان عن هذه القوانين ونشرها على نطاق واسع.

قد لا تبدو مثل هذه العقوبات “الذكية” قاهرة، لكن الكرملين يحكمه الجشع والمصالح الشخصية، وليس الإيديولوجية. ومن الواضح أن القادة الروس حساسون إزاء هذا الاحتمال. عندما أعلنت الولايات المتحدة عن خطط لفرض عقوبات شخصية ضد بوتين وغيره من كبار المسؤولين، أعلن الروس أن هذه ستكون خطوة “متطرفة” تدل على انهيار تام في العلاقات الثنائية. وينبغي للولايات المتحدة وأوروبا تفسير هذا على أنه إشارة إلى مدى فعالية التهديد بإلحاق ضرر دائم بمصالح بوتين وحاشيته المالية.

بالفعل، يجب أن يدرك بوتين أن إطلاق ولو حتى توغل محدود في أوكرانيا يعني دخول منطقة سياسية مجهولة حيث المخاطر كبيرة في حقيقة الأمر. ويجب أن تتوقع القوات الروسية، التي ستضم العديد من المجندين الشباب، استقبالا عدائيا في أوكرانيا، مع انتشار العنف المتولد عن أي حرب عصابات إلى روسيا دون أدنى شك. الآن، يجري بالفعل تدريب قوات المتطوعين على تنفيذ عمليات تمرد سرية أطول أمدا.

علاوة على ذلك، من المتوقع من الأغلبية الناطقة باللغة الروسية في جنوب وشرق أوكرانيا، التي ترى الفوضى التي عمت منطقة دونباس المحتلة، أن تعارض بقوة أي غزو. في غرب أوكرانيا، إذا تجرأت القوات الروسية على عبور نهر دنيبر، فسوف تكون المقاومة أشد شراسة. كما أخبر أحد الأوكرانيين مؤخرا صديق لي، فإن حتى الرجال المسنين في قريته سيقاتلون “أهل موسكو”.

دعونا نعد “عقوبات شخصية من الجحيم” لبوتين وبطانته, وفي الوقت الحالي، لنُبقي كل الأنظار موجهة صوب فالويكي.

ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel

Copyright: Project Syndicate, 2022
www.project-syndicate.org