محادثات نووية جديدة من فيينا

شاركت الولايات المتحدة وإيران في الجولة السابعة من محادثات الملف النووي الإيراني في فيينا وكل منهما تحمل شعورا مختلفا. ومع أن الرئيسين الإيراني والأمريكي أعربا عن رغبة بالعودة إلى الاتفاق إلا أن موقف طهران الرافض للمحادثات المباشرة مع ممثلي الولايات المتحدة قبل رفع العقوبات بالكامل خلق شعورا بالإحباط لدى إدارة بايدن وهو أمر لا يبشر بنهاية سعيدة للمحادثات.

وبحسب التصريحات الإيرانية العلنية وردود الفعل الغربية عليها يبدو أن المفاوضات ستكون صعبة ونجاحها أمر مستبعد في القريب العاجل.

هذا التصرف الإيراني إشارة واضحة إلى أن التوافق ما زال بعيدا وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة لاستخدام علاقاتها مع الصين وروسيا لكي تقوما بالضغط على إيران لإبداء مرونة أكثر. لكن من غير المرجح أن توافق موسكو وبكين على هذا التكتيك الأمريكي ما لم تكن مكاسبهما من ورائه كبيرة.

يبدو القلق الأمريكي واضحا عشية المحادثات من خلال تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص بإيران الذي قال إن واشنطن مستعدة للوصول إلى اتفاق لإحياء الاتفاق الأصلي وانها تفضل الحل الدبلوماسي لكنها في الوقت نفسه مستعدة لما هو أسوأ إذا لم تقبل إيران بالعودة إلى الاتفاق.

ما الذي سيمنع الطرفين من التوصل إلى اتفاق؟ في الظاهر فإن الطرفين متفقين على النتائج التي ستصل إليها المحادثات.

فالنتيجة النهائية هي التزام إيران بمطالب الاتفاق وموافقة الولايات المتحدة على رفع العقوبات. لكن العقدة مازالت أي الإجرائين يأتي أولا؟ طهران تطالب برفع كامل العقوبات قبل التفاوض على العودة للاتفاق والالتزام ببنوده بينما تريد واشنطن العكس.

وكان غريبا موقف إيران المتشدد في هذا الشأن وإصرارها غير العادي عليه. لكن هل لدى طهران مواقف أخرى أكثر مرونة قد تعلنها في غرف المفاوضات المغلقة؟ وبعد سنوات من التشدد ليس سهلا على إيران أن تعلن مواقف مرنة بصورة علنية قبل أن تكون قد حققت إنجازا مهما تسوقه لمواطنيها.

وفي الوقت الذي أبدت فيه الولايات المتحدة بعض المرونة بسماحها لإيران بتصدير كميات من النفط الخام في الشهر الماضي ولم تعد تتشدد في المطالبة بشمول الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى في الاتفاق النووي عاد الإيرانيون إلى تسريع عمليات التخصيب وزيادتها كسبا للوقت ومنعوا مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من دخول المنشآت النووية للقيام بواجبهم في التفتيش وهذا ما افشل زيارة المدير العام للوكالة إلى طهران في الأسبوع الماضي وجعله يقر بفشل زيارته لعدم تحقيق الأهداف التي أرادها من الزيارة ولم تمنح إيران مفتشي الوكالة الدولية الإذن بالتفتيش. وقد وصلت الوكالة وفق تصريح مديرها العام إلى نقطة لم تعد تضمن بعدها استمرار معرفة ما يحدث في إيران.

يتوقع بعض المتابعين للشأن الإيراني أن يحاول الطرفان التوصل إلى اتفاق موقت قبل الوصول إلى الاتفاق النهائي وهذا الاتفاق المؤقت قد يفسح المجال لخطوات إيجابية متلاحقة في مفاوضات تكون أكثر صراحة واكثر إيجابية. لكن هذا الحل المؤقت يحتاج إلى طرف ثالث يقنع الجانبين به للبدء بخطوات صغيرة منها رفع بعض العقوبات لإظهار حسن النية لكن واشنطن لم تلزم نفسها بمثل هذا الحل أما إيران فلا يبدو أنها ستوافق عله نظرا لإصرارها على ضرورة رفع العقوبات بالكامل.

هذه المواقف السلبية من جانب إيران وعدم تعاونها مع الوكالة الدولية أثارت قلق حلفاء أميركا وبخاصة أن إيران واصلت تخصيب اليورانيوم. ولان واشنطن يهمها أمن وسلامة حلفائها زار المبعوث الأميركي الخاص بإيران الشرق الأوسط لتطمين الدول الصديقة والحليفة.

حتى الآن ما زالت الولايات المتحدة تضبط تصرفاتها وتلجأ للضغوط الدبلوماسية ولكن إلى أي مدى تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد على هذا الخيار؟ من الواضح أن للولايات المتحدة خيارات عديدة تستطيع أن تمارسها أولها تشديد العقوبات وإجبار الحلفاء على مقاطعة إيران أيضا. لكن هذه قد لا تكفي. لكن لا تزال أمام الولايات المتحدة خيارات أخرى. فهي إن أرادت اللجوء إلى القوة العسكرية فقد تترك الأمر لإسرائيل للقيام بذلك مع أن الولايات المتحدة أعربت عن رغبتها بان لا تتدخل إسرائيل في الصراع الأميركي مع إيران حول الملف النووي. وقد تلجأ الولايات المتحدة إلى الحرب السبرانية لكن هذا الشكل من الحرب لن يكون فاعلا إلا على المدى الطويل.

أما الخيار الأكثر جاذبية في حال إصرار إيران على التشدد والتعنت فهو تحول الملف كله إلى مجلس الأمن واستصدار قرارا بموجب الفصل السابع يلزم جميع الدول بالتعاون على مقاطعة إيران   وإجبارها على الرضوخ لإرادة المجتمع الدولي. قد ينجح هذا الخيار مالم تستخدم الصين أو روسيا أو كلتاهما حق النقض الفيتو ضده.

كان لافتا في الأسبوع الماضي أن يطلق قائد القيادة المركزية الأميريكة كينيث ماكينزي تصريحا يشتمل بين سطوره تهديدا واضحا باستخدام القوة ضد إيران. وبعد أن شرح كيف أن إيران لاتزال بعيدة نسبيا عن صنع قنبلة ذرية لافتقادها التصاميم الخاصة بالرؤوس الحربية التي يمكن أن تحملها قال الجنرال ماكينزي أن الخيارات التي بين يدي الولايات المتحدة معروفة للجميع قاصدا القوة العسكري. وفي شرح الموقف الأمريكي قال الجنرال ماكينزي إذا ما تشددت إيران كثيرا وتمسكت بموقفها بتعنت فسنرد بالشكل المناسب والخيارات معروفة وأضاف أن رئيسنا قال إن الإيرانيين يجب أن لا يمتلكوا السلاح النووي. الآن الأمر متروك للدبلوماسية لكن إذا صدر أمر فإن القيادة المركزية لديها على الدوام خطط مختلفة لتنفذها وقواتها مستعدة لخيار عسكري محتمل.

هذه التصريحات وما يشبهها تثير التشاؤم وتقود التفكير نحو خيارات صعبة لا يريدها أحد. لكن تبقى هناك مفاجآت التفاوض وغالبا ما تكون غير متوقعة فالتصريحات المعلنة ليست مواقف دائمة بل قد تتغير بحسب الظروف والمصالح.

إخفاق المحادثات وحتى انهيارها لا يعني أن إيران أصبحت على أعتاب امتلاك سلاح نووي كما يردد الإعلام الغربي. فلا أحد يعرف في الحقيقة إلى أين وصل البرنامج النووي الإيراني فعليا من حيث الاقتراب من امتلاك السلاح النووي. ومع أن إيران تحاول تسريع عمليات تخصيب اليورانيوم فهي لاتزال بعيدة عن تخصيب نسبة تسعين في المئة من اليورانيوم اللازم لصنع القنبلة. والخبراء العسكريون يرون أن الطريق لا يزال طويلا أمام إيران للوصول إلى مرحلة تكون فيها قادرة على صنع وامتلاك قنبلة نووية.

قد تشعر إيران بالطمأنينة مؤقتا استنادا إلى تصريحات الرئيس بايدن التي قال فيها أن بلاده لا ترغب في الانخراط في حرب جديدة في الشرف الأوسط.

ويفسر بعض المختصين تعنت إيران بانه نابع من تقديرها بان الولايات المتحدة لا تملك خططا بديلة ولا ترغب باستخدام القوة العسكرية. وهذا سيطيل أمد الأزمة ويضع العالم أمام حالة من عدم التوازن إلى حين انجلاء الموقف بالكامل.