إيران ومساعي الثأر لسليماني

بعد مقتل قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في ضربة أمريكية في بغداد، تعهّدت كل من طهران وعميلها الإرهابي حزب الله، بالانتقام.

وبعد عامين تقريبًا، لم تردّ إيران وحزب الله على إسرائيل أو الولايات المتحدة، لكن ليس بسبب عدم المحاولة.

إذ كشفت صحيفة “El Tiempo” اليومية الكولومبية عن المحاولة الفاشلة مؤخرًا، وسلطت الضوء على كيف أن أمريكا اللاتينية لا تزال ملعبًا للفساد الإيراني الذي لابدّ أن يحظى بمزيد من الاهتمام من قبل واشنطن وحلفائها الإقليميين.

وتعد الضربة الكولومبية جزءًا من سلسلة من الهجمات الإيرانية المتفرقة التي لحسن الحظ لم تسفر عن ضحايا حتى الآن.

ففي كانون الثاني / يناير 2021، فجّر عملاء طهران في نيودلهي عن بعد عبوة ناسفة أمام السفارة الإسرائيلية؛ وفي تشرين الأوّل / أكتوبر الماضي، كشفت تقارير إعلامية عن اعتقال مواطن أذربيجاني كان مسافرًا إلى قبرص بجواز سفر روسي، واتهمته إسرائيل بأنه عميل إيراني مكلف باغتيال رجال أعمال إسرائيليين في الجزيرة الواقعة على البحر المتوسط.

أمّا الأسبوع الماضي، فكشفت “El Tiempo”عن المزيد من التفاصيل حول مؤامرة اغتيال نفّذها عملاء إيرانيون ضد أهداف إسرائيلية وأمريكية، بينما كان الرئيس الكولومبي يزور إسرائيل، بالإضافة إلى أن السلطات الكولومبية اعتقلت عنصرين من حزب الله وطردتهما. كانت أوامرهما التي تلقياها تهدف إلى الكشف عن أهداف متعددة والقضاء عليها، وكان من بينها على ما يبدو دبلوماسيًا إسرائيليًا سابقًا لا يزال يعيش في بوغوتا، ودبلوماسيين أمريكيين ورجال أعمال إسرائيليين.

لن يردع الفشل كلا من إيران وحزب الله عن المحاولة مرة أخرى، وقد يكون من الأسهل تنفيذ ذلك في أمريكا اللاتينية أكثر من أي مكان آخر.

وعلى سبيل المثال، تستضيف كولومبيا عملية دعاية إيرانية كبيرة، وتُعتبر موطنًا لطائفة شيعية لبنانية قوية تتميّز بتاريخ من التورط في تمويل الإرهاب؛ كما تحدّها فنزويلا التي تُعدّ الحليف الأيديولوجي الأقرب في أمريكا اللاتينية.

وتتمتع بعلاقات تجارية ودبلوماسية وأمنية وثيقة مع إسرائيل والولايات المتحدة، الأمر الذي يوفر بيئة غنية بالأهداف.

يبدو أن المخططات الإرهابية التي تنفذها إيران وحزب الله، لا سيّما في نصف الكرة الغربي، تثير قلق واشنطن، وذلك لسبب وجيه نظرًا إلى البنية التحتية الإيرانية ودعمها وقدراتها.

في البيان الذي ألقاه في آذار / مارس 2020 أمام الكونغرس، دقّ قائد المنطقة الجنوبية الأدميرال كريغ فالر، ناقوس الخطر قيما يتعلّق بالهجمات الانتقامية المحتملة:

“يخفي بعض أنصار حزب الله الأسلحة ويجمعون الأموال، وذلك غالبًا من خلال التبرعات الخيرية والتحويلات المالية وأحيانًا عبر الوسائل غير المشروعة، مثل تهريب المخدرات وغسيل أموال”.

“كما أن وجود الحزب في المنطقة يسمح لإيران بجمع المعلومات الاستخباراتية وإجراء التخطيط للطوارئ لهجمات انتقامية محتملة ضد المصالح الأمريكية  أو الغربية”.

وبعد ذلك بعام، في البيان الصادر في آذار / مارس 2021، أضاف الأدميرال فالر أن “منظمة الجهاد الإسلامي التابعة لحزب الله التي تُعتبر المنفذ للعمليات الخارجية التابعة لها، هي مسؤولة عن ثلاث هجمات بارزة على الأقل في المنطقة، وثلاث عمليات أخرى مخططة قد تعطلت”. لذا يشير التأهب والعزم على تنفيذ الهجمات إلى أن المخاطر لا تزال عالية.

لقد وسّع كلّ من إيران وحزب الله انتشارهما في أمريكا اللاتينية بتأنٍ وعلى مدى أربعة عقود.

وأضاف الأدميرال فالر أن “حزب الله يستفيد من الاغتراب اللبناني في المنطقة في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بهدف جمع الأموال والتجنيد والدعم اللوجستي” و”يحافظ فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الذي يشكّل وحدة العمليات الخارجية الأساسية في طهران لتوسيع الثورة الإسلامية، على العاملين في السفارات والجمعيات الخيرية والمؤسسات الدينية والثقافية الأجنبية لتعزيز العلاقات على الصعيد العالمي”.

وبالتالي، تعتمد كلّ من إيران وحزب الله على هذه الشبكات الواسعة لأي حالة طوارئ محتملة، بما في ذلك وعند الحاجة، مساعدة الخلايا الإرهابية في التخطيط لمؤامراتها المميتة.

يعود تحركهما بشكل جزئي في تطوير البنى التحتية الواسعة كهذه إلى العلاقات الودية التي طوّرتها طهران مع البلدان الديكتاتورية والإيدلوجية المتشابهة، كما هو الحال مع نظام مادورو في فنزويلا.

وبفضل تواطؤها الكامل، تحوّلت فنزويلا إلى قاعدة عمليات طهران في الواجهة في أمريكا الجنوبية. ويستفيد عملاؤها من الوصول إلى وثائق الهوية وجوازات السفر الفنزويلية الأصلية التي تتيح لهم السفر بحرية في المنطقة بأكملها.

وفي الوقت نفسه، أنشأت مراكز ثقافية ومساجد في كافة أنحاء فنزويلا، بهدف تجنيد السكان المحليين وتطرفهم. لكن حتى من دون هذا النوع من التقارب الإيديولوجي، استفادت كلّ من إيران وحزب الله من الإهمال الحميد الذي يجري التعامل مع أنشطته من قبل الحكومات الإقليمية، حتى تلك الصديقة لإسرائيل والولايات المتحدة. يتجسّد تأثير إيران من خلال المراكز الثقافية ويزدهر في كل بلد من بلدان أمريكا اللاتينية تقريبًا، بدءًا من المكسيك وصولًا إلى تشيلي، بغض النظر عن الميول السياسية للحكومات المحلية.

كما أن مساجد الشيعة، سواء كانت تخدم المغتربين الشيعة اللبنانيين الإيرانيين أو الأمريكيين اللاتينيين الذين اعتنقوا الطائفة الشيعية، تخضع بشكل كامل لسيطرة رجال الدين الإيرانيين وحزب الله.

في حين أن البنية التحتية الواسعة التي بُنيت مع مرور الوقت تجعل من الممكن التخطيط للهجمات وتنفيذها، لكن ثمّة سبب آخر يبقي أمريكا اللاتينية هدفًا مفضلاً لعمليات الانتقام الإيرانية.

إذ يتحمّل عملاؤهم الحد الأدنى من المخاطر رغم أنشطتهم. وفي معظم الحالات، يجعل الإطار القانوني المحلي من المستحيل تقريبًا إصدار إدانات ضدّ الإرهاب، ويمكن للفساد شراء بطاقة خارج السجن.

وعليه، يُطرد العملاء الذين قُبضوا عليهم وعادوا إلى بلدانهم الأمّ – وهذا بالكاد عامل مثبط. كانت هذه بالتأكيد هي الحالة التي أُبلغ عنها مؤخرًا مع عنصري حزب الله في كولومبيا. وقد طردت السلطات الكولومبية عميلًا آخر تابع لحزب الله، ويُدعى عبد الله رضا راميل، وذلك عام 2017، بسبب أنشطته المالية غير المشروعة واسعة النطاق، بدلاً من محاكمته.

إن قضية محمد غالب حمدار في بيرو أكثر تعقيدًا، لكنها تُظهر أيضًا أن إرهابي حزب الله المدرج على عقوبات الولايات المتحدة قد يفلت من العقاب من دون عواقب تذكر في أمريكا اللاتينية.

وعلى الرغم من أن السلطات البيروفية اعتقلت حمدار وقدمته للمحاكمة عام 2014 بعد تلقيه معلومات عن خططه المحتملة لتنفيذ هجوم جماعي في ليما، إلا أنه كان لا يزال قادرًا على التملص من إدانته بالإرهاب، وانتهى به الأمر بقضاء عقوبة أقصر بتهمة الهجرة غير المشروعة بدلًا من ذلك.

استنادًا إلى كلّ ما ذُكر أعلاه، ما من أي سبب لاعتقاد أن محاولات الفشل الأخيرة، مثل مؤامرة القتل في كولومبيا، ستردع طهران عن المحاولة مرة أخرى، وسيبقى نصف الكرة الغربي هدفًا مفضلًا.

وقد أمضت إيران أربعة عقود بصبر في إرساء الأسس لجعل المنطقة ساحة معركة ضد خصومها الإيديولوجيين. إذ قد تكشف رغبتهم في الانتقام وقدرتهم على تحقيقه، للأسف، المزيد من المؤامرات في أمريكا اللاتينية.

كيف يتم التنسيق بين حزب الله وعصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية؟