إيران تستبق مفاوضات فيينا بمواقف متشددة

مفاوضات صعبة وشاقة تنتظر الطرفين الإيراني والأمريكي في فيينا أواخر هذا الشهر للبحث في إمكانية إحياء الاتفاق النووي الذي يضبط نشاط المنشآت النووية الإيرانية ويمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.

لكن إيران استبقت المفاوضات بسلسلة من المواقف المتشددة والشروط التي تبدو مستحيلة القبول من جانب العالم الغربي.

فقد أعلن المفاوض الإيراني علي باقر قاني وهو مساعد وزير الخارجية أن طهران لن تتفاوض في فينا حول الملف النووي وإنما ستتفاوض حول كيفية رفع العقوبات عنها والتبعات الناجمة عن خروج واشنطن من الاتفاق قبل ثلاث سنوات.

وزاد على ذلك بالقول إن إيران تريد ضمانات من الولايات المتحدة بعدم الانسحاب ثانية من الاتفاق.

تنظر إيران بشك وريبة إلى المحادثات القادمة وتخشى أن لا تكون النتائج كما تريد. بطبيعة الحال إذا بقيت إيران مصرة على مطالبها المستحيلة من مثل رفع العقوبات بالكامل قبل الوصول إلى اتفاق وتعهد أمريكي بعدم الانسحاب من الاتفاق مستقبلا وإلزام الإدارات الأمريكية القادمة بذلك فلن يكون هناك أي اتفاق.

يتلخص الموقف الإيراني كما أوضحه وزير الخارجية الإيراني في ضرورة عودة جميع الأطراف إلى التزاماتها بموجب الاتفاق مؤكدا أن طهران مستعدة للتوصل إلى اتفاق جديد.

بهذا ترى إيران في مفاوضات فيينا فرصتها للضغط من أجل رفع العقوبات معلنة أن المشكلات المتعلقة بالملف النووي قد تم حلها في الاتفاق الموقع عام ألفين وخمسة عشر والعودة للالتزام به تكفي بينما الأمر الملح هو رفع العقوبات.

وبالفعل فإن العقوبات خلقت صعوبات كبيرة للاقتصاد الإيراني وكذلك للمجتمع الإيراني وما زال الإيرانيون يعانون من أثارها التي تمثلت بارتفاع شديد في الأسعار وانهيار في سعر صرف العملة وارتفاع في التضخم ونقص في المواد الأساسية.

يعتقد بعض المسؤولين الإيرانيين أن المواقف المتشددة للرئيس والمرشد قد تجبر أمريكا على الموافقة على شروط إيران.

تريد طهران أن لا يكون الاتفاق عرضة لتقلبات السياسة الداخلية الأمريكية.

بعد عامين وفي السنة الرابعة من ولاية الرئيس بايدن ستبدأ الحملة الانتخابية للرئاسة وتعتقد إيران أن الرئيس السابق دونالد ترامب أو مرشحا من معسكره قد يترشح ويصبح الاتفاق النووي مادة انتخابية كما كان في حملة ترامب السابقة وقد يعاود الخروج منه إن هو كسب الانتخابات.

لكن إيران تدرك أن أي الرئيس الأمريكي لا يملك الكثير من السلطات وبالتالي فهو لا يستطيع أن يقدم أي ضمانات من التي تطالب بها إيران ولذا فإن نتائج المباحثات في الأسبوع القادم ستكون معروفة إذا ما ظلت إيران مصرة على مواقفها ومطالبها المستحيلة.

فهل ستواصل إيران المراوغة والمماطلة طوال السنوات الثلاث القادمة حتى تضمن رئيسا جديدا يلتزم بما تحلم به من شروط؟ مثل هذا الموقف إذا صح هذا التخمين يدل على أن إيران غير جادة في العودة إلى الاتفاق أو الالتزام به.

تلك الشروط والشروط المضادة التي قد تضعها الولايات المتحدة قد تعيق التوصل إلى إحياء الاتفاق أو تجديده.

وفي الأثناء يمضي الوقت وقد ينفذ ولا تستطيع الولايات المتحدة الصبر وترك الأمر للصدفة إلى نهاية فترة بايدن.

من غير المتوقع أن تفعل الولايات المتحدة ذلك. وحتى لا تلجا الولايات المتحدة إلى البدائل التي قد لا تكون محمودة النتائج ينصح العقلاء إيران بالموافقة على العودة إلى الاتفاق لكسب منافع رفع العقوبات الآن وبعد أن تأتي إدارة أمريكية جديدة بعد بايدن فلكل حادث حديث.

حتى الرئيس جو بايدن هدد في تصريح له بعد اجتماعات مع حلفائه الأوروبيين بأن الولايات المتحدة ستنسحب من أي اتفاق لا تلتزم به إيران.

وصدور هذا التصريح عن الرئيس بايدن بينما هو في اجتماعات مع الحلفاء يعني أن هؤلاء الحلفاء يقفون معه في هذا الرأي وقد أعلنوا بالفعل ترحيبهم بهذا الموقف.

وهذا التصريح هو ما دفع إيران لوضع شرط مستحيل التنفيذ بإلزام الإدارات الأمريكية القادمة بأي اتفاق يتم التوصل إليه مع إدارة بايدن.

وإذا كانت مطالب إيران المستحيلة غير قابلة للتعديل أو التطوير أو بعض التنازلات فإن المفاوضات ستكون محكومة بالفشل.

وإصرار إيران على مواقفها وشروطها سيؤدي إلى خسارة فادحة قد تندم عليها.

قد تعتقد إيران أنها في هذا الموقف المتشدد قد تكسب الجولة لكن العودة إلى التفاوض الجدي والوصول إلى اتفاق جديد أو إحياء الاتفاق القديم هو ما سيضمن رفع العقوبات فلماذا تعمل إيران على إعاقة رفع العقوبات بمطالب غير معقولة؟

استغلت إيران الوقت الضائع منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق في تسريع عمليات التخصيب كنوع من الضغط على الولايات المتحدة وبعيدا عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن مثل هذا النوع من الضغوط لن يثني الولايات المتحدة عن مواقفها بل سيدفع الإدارة الأمريكية إلى مزيد من التصلب في مواجهة التصلب الإيراني.

ربما كانت إيران تسعى لكي تكون المفاوضات القادمة محصورة بمسالة واحدة وهي العودة إلى الاتفاق النووي وبناء على ذلك يتم رفع العقوبات من دون التطرق إلى أسلحة إيران الأخرى وخصوصا الصواريخ بعيدة المدى التي تشكل تهديدا مباشرا لدول الجوار وقد أرادت واشنطن أن يتم إدخالها في صلب الاتفاق.

وقد سبق لوزير الخارجية الأمريكي أن نبه إلى أن صبر واشنطن لن يطول ولن يكون إلى الأبد. ومن المؤكد أن واشنطن تضع حدودا لصبرها وقد تكون هذه الحدود هي بداية العام المقبل ثم تلجأ إلى الحل البديل في حال أن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق. لم تفصح الولايات المتحدة عن تفاصيل هذا الحل لكنه على ما يبدو موجود وجاهز.

من هنا يمكن إيجاد تفسير لجولة المبعوث الأمريكي الخاص بإيران إلى الشرق الأوسط للبحث مع حلفاء الولايات المتحدة ظروف العودة إلى المفاوضات مع إيران وأجواء الخلاف بين الجانبين وإمكانات الرد الأمريكي وحشد الدعم الإقليمي لموقف واشنطن.

ما سيجري في فيينا أواخر هذا الشهر مجرد بداية لمفاوضات قد تطول وقد تكون صعبة وغزيرة التفاصيل ونجاحها يعتمد على مدى الدبلوماسية التي ستتحلى بها الحكومة الإيرانية في طرح مطالبها وعلى مدى قدرة واشنطن على تقبل المواقف الإيرانية والتفاوض بشأنها وصولا إلى اتفاق ينقذ المنطقة والا فإن الفشل لن يكون في صالح أي طرف.