داعش خراسان.. تحدي طالبان الأكبر 

بعد مرور شهر وأكثر على استيلاء طالبان للحكم في أفغانستان لم تستقر الأوضاع فيها بصورة نهائية وما زالت حركة طالبان تواصل عملياتها العسكرية ضد معارضيها وخصومها وبشكل خاص تنظيم داعش خراسان.

وتقول طالبان إنها لن تتساهل مع أي عنصر من عناصر هذا التنظيم، فالحركة وعدت الولايات المتحدة أنها لن تسمح لأي تنظيم إرهابي بالعمل على أراضي أفغانستان.

وبالفعل فقد قتلت حركة طالبان عددا كبيرا من قادة تنظيم داعش خراسان الذين وجدتهم في سجون الحكومة بعد استيلائها على السلطة.

تواجه طالبان الكثير من التحديات في محاولتها بسط سيطرتها الكاملة على البلاد، فالأمن أحد التحديات الكبرى وكذلك الاقتصاد لكن التحدي الأخطر هو نشاط تنظيم داعش خراسان الذي يبدو أنه أخذ يتحدى طالبان وكان أبرز وجوه ذلك التحدي ما قام به التنظيم من تفجير انتحاري مزدوج في مطار كابول قتل فيه المئات من الأفغان بالإضافة إلى ثلاثة عشر أمريكيا مما شكل إحراجا كبيرا للحركة إزاء تعهداتها للأمريكيين.

على ما يبدو تحكم أفغانستان الآن ثلاث قوى هي القاعدة وداعش خراسان وطالبان وهي أكبرها. ولأنها تتكون من البشتون العرق الأكثر عددا في البلاد وبالتالي تعتبر حركة إسلامية قومية فإنها لن ترضى بوجود أي قوة أخرى تنافسها.

ولذا فالهم الأكبر الآن عند حركة طالبان هو القضاء على داعش خراسان ليس فقط لأنها تشكل تهديدا مباشرا لنفوذ طالبان وسلطتها بل لأن وجودها في أفغانستان سيعيق محاولات طالبان الانخراط في المجتمع الدولي وإقناع العالم بأن الحركة تغيرت.

وإذا لم تستطع طالبان القضاء على داعش خراسان فسيصبح التنظيم مثل المرض المزمن الذي على طالبان أن تتعايش معه لكنه سيظل يمثل شوكة في خاصرتها.

تقول طالبان إنها أحكمت سيطرتها على أفغانستان وإنها أنقذتها من حرب أهلية، لكن تبقى مشكلة داعش خراسان، من المعروف أن حركة طالبان تسعى إلى إقامة حكم إسلامي وطني بينما هدف داعش هو إقامة خلافة إسلامية على مبدأ الجهادية الأممية بدون اعتراف بالأوطان أو الحدود أو القومية.

وهذه الفكرة تعد عنوانا رئيسيا للخلاف بين الجانبين، وبالإضافة إلى هذا الخلاف فإن داعش خراسان تعارض بشدة أي تعاون أو تفاهم بين طالبان والأمريكيين.

ولأجل القضاء على تنظيم داعش خراسان الذي له قواعد راسخة في أفغانستان ولدى بعض القبائل الأفغانية في منطقة نفوذه يضطر مقاتلو طالبان إلى الاشتباك مع مقاتلي داعش في مناطق عديدة للقضاء عليهم.

كما تقوم الحركة باعتقال كل من تشتبه بأن له علاقة مع التنظيم الإرهابي، ومع أن طالبان أعلنت أنها ستعفو عن كل الذين تعاونوا مع النظام السابق إلا أنها أكدت عدم تسامحها مع عناصر داعش.

من المتوقع أن يأخذ الصراع مع داعش وقتا طويلا قبل القضاء عله لأنه من غير السهل القضاء على تنظيم مسلح يجد حاضنة اجتماعية مشجعة ولذلك فقد يتحول هذا الصراع إلى حرب أهلية وعند ذلك تدق ساعة الحقيقة بالنسبة لدول الجوار التي عليها أن تحدد موقفها وتكون مدركة بوضوح مع أي الفريقين تقف وأي الفريقين تؤيد. وفي حال توسع الصراع بين الجانبين سيكون موقف القاعدة محرجا للغاية لأنها قد لا تستطيع تحديد موقف حاسم من الصراع.

فهي تعتمد على أفغانستان في توفير ملجأها الأمن وفي الوقت نفسه تشكل داعش ربيبتها فهي خرجت من بين ضلوعها.

وسيكون هناك خطر حقيقي في اندلاع حرب أهلية ينقسم فيها الأفغان وتفتح الأبواب للتدخلات الأجنبية وليس لتدخلات دول الجوار فقط.

تلعب داعش على وتر الانقسامات الداخلية في حركة طالبان وهي تتبع الذين يخرجون من الحركة محتجين على ما يعتبروه تساهلا من حيث قبول الحركة لمبائ التحديث والتطوير فتتلقفهم وتجندهم وقد يصل عددهم بالألوف.

لكن طالبان تعمل بجد واجتهاد لتصفية قادة داعش ورجالها. فقد قتلت الحركة زعيم التنظيم المعروف باسم أبو عمر الخراساني مع أن المصادر الإخبارية تضاربت بشأن تاريخ مقتله. وبينما قالت مصادر أمريكية إنه قتل يوم دخول طالبان إلى كابول وبحثها في السجون عن رجال داعش فوجدته وقتلته وقتلت معه ثمانية من أعوانه، قالت مصادر أخرى إنه قتل في الأسبوع الماضي فقط.

شكل قتل أبو عمر الخراساني زعيم داعش خراسان ضربة قاصمة للتنظيم الذي نشط في خراسان منذ العام ألفين وسبعة عشر وكان هذا الفرع قد انشق عن القاعدة ويصل عدد مسلحيه حوالي الفي مقاتل.

وتحاول طالبان إثبات جديتها في محاربة داعش من خلال استهداف قادة التنظيم. وتلجأ طالبان إلى أسلوب الاغتيالات الفردية لهؤلاء القادة مثلما حدث للملا إبراهيم في إقليم زابل وقد عرف عن هذا الملا ارتباطه بالتنظيم.

على طالبان إعادة ترتيب بيتها الداخلي لتضمن البقاء والانفراد بالحكم وهذا سيتطلب منها القيام بتصفية خصومها الذين يعيقون اندماجها في المجتمع الدولي.

ولأجل اختصار الوقت سيكون من الضروري أن تتعاون طالبان مع القوى الإقليمية ودول الجوار لتكون معركة القضاء على داعش خراسان قصيرة وفي الوقت نفسه حاسمة ونهائية. فهل يمكن لطالبان أن تتعاون مع الولايات المتحدة لأجل هذا الهدف؟ قد يكون الأمر صعبا لكنه يظل ضروريا.

كذلك يعد التعاون مع باكستان ضروريا جدا، فمن المعروف أن باكستان تدعم القاعدة لكنها بالتأكيد لن تدعم داعش خراسان ضد طالبان على الرغم من أن باكستان بحسب بعض الخبراء في شؤون الإرهاب ساهمت في إنشاء داعش خراسان ولذلك فهي التي تستطيع المساهمة في القضاء عليه.

السؤال الآن هو ماذا سيكون وضع طالبان بعد أن تتمكن ممن القضاء على داعش خراسان؟ هل ستستقر وتقود حكومة يعترف بها العالم أم ستعود سيرتها الأولى في التحالف مع القاعدة وتتحول أفغانستان من جديد إلى بيئة خصبة لرعاية الإرهاب؟

وبينما تتردد دول العالم والمجتمع الدولي في إقامة علاقات طبيعية مع نظام طالبان والاعتراف به فإن العالم بحاجة أيضا إلى طالبان لمكافحة داعش وستكون المنفعة متبادلة في مثل تلك العلاقات وقد يقود هذا إلى تغير جوهري في نهج طالبان والأمر متروك للمستقبل ولا يمكن التنبؤ به.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع “أخبار الآن” تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع “أخبار الآن”.