إيران بين مطرقة الفقر وسندان البطالة والسياسة القمعية

عندما يصرح مسؤولون في النظام الإيراني، في منظمة الأمام الخميني للإغاثة، أن تزايد الفقر في البلاد وصل إلى إبعاد مقلقة فهذا معناه انه كذلك بالفعل. لكن مصدر القلق الحقيقي الأول للشعب الإيراني هو الاقتصاد الضعيف المترنح الذي تضيف إليه جائحة كورونا عبئا أخر على الإيرانيين أن يتحملوه في ظل حكم الملالي.

لقد تغيرت أنماط الحياة في طهران والمدن الإيرانية الأخرى بسبب الارتفاع الجنوني في الأسعار وخصوصا أسعار المواد الغذائية وبات العمال الأكثر ضررا من الأوضاع الاقتصادية الحالية. وكل إيراني يصل دخله الشهري إلى ستمئة وخمسين دولارا بات يعد فقيرا. فارتفاع أسعار المواد الغذائية فرض ضغوطا هائلة على الطبقات الفقيرة في إيران. وكثير من عائلات هذه الطبقة وخصوصا في الأقاليم الشرقية لم تعد قادرة على شراء الكثير من عناصر طعامها فقد تضاعفت أسعارها بشكل لا يستطيعون مجاراته.

في الظروف الاعتيادية تعد إيران من اغنى بلدان الشرق الأوسط لكن الظروف اليوم غير الظروف في الأمس. فأعداد الفقراء في إيران التي يبلغ الناتج القومي الإجمالي فيها ستمئة واثنين وثمانين مليار دولار بسبب مبيعات النفط طبعا في ازدياد يبلغ حد القلق. ونسبة الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر وفي الفقر المدقع والفقر المطلق ما بين 40 إلى 60 في المئة من السكان. وفي دراسة للبرلمان الإيراني أرقام مشابهة إذ قالت الدراسة أن ما بين 23-40 في المئة من الإيرانيين يعيشون في حالة فقر مطلق بسبب ارتفاع معدلات البطالة والتضخم وضعف النمو الاقتصادي.

في الآونة الأخيرة تحول كثير من الإيرانيين إلى الفقر بسبب استمرار التضخم والبطالة واستفحال جائحة كورونا. وقد باع إيرانيون كثيرون بعض ممتلكاتهم لتلبية الحاجة لشراء طعام عائلاتهم. واستمرار حالات الفقر أدى إلى انخفاض في استهلاك المواد الغذائية بنسبة وصلت إلى 35 في المئة.

العامل الأكبر المسبب لمعاناة الشعب الإيراني هو التضخم ومع أن البنك المركزي الإيراني يقول انه سيحاول تخفيض التضخم إلى حوالي 22 في المئة مع نهاية هذا العام لكن على ما يبدو فهذا أمر بعيد المنال في ظل الظروف الحالية فقد توقعت تقارير مالية بقاء التضخم فوق الأربعين في المئة حتى نهاية هذا العام.

الفقر والتضخم وجائحة كورونا حوّل المزيد من الإيرانيين إلى الفقر وأغلق الكثير من المؤسسات التجارية التي قامت بتسريح العشرات من عمالها وموظفيها الأمر الذي زاد من الفقر وزاد من معدلات البطالة المرتفعة أصلا. فالأرقام الرسمية للبطالة في إيران تصل إلى 11 في المئة لكن خبراء في الاقتصاد الإيراني يرون أن النسبة الحقيقية هي ضعفي هذا الرقم وبعض الأرقام المعتدلة تضع النسبة بحدود 16 في المئة.

يحذر خبراء الاقتصاد الإيراني بأن إيران على حافة حالة اقتصادية غير مسبوقة وقد يصعب السيطرة عليها مع وصول نسب الفقر والبطالة والتضخم إلى ما وصلت إليه. يضاف إلى هذا أن من النتائج المباشرة الانخفاض الحاد في سعر صرف الريال الإيراني الأمر الذي يعني تبخر سريع لمدخرات الإيرانيين وضعف شديد في القوة الشرائية للرواتب والأجور.

ومثلما هو الحال في معظم بلدان العالم الثالث فإن نتائج الفقر والبطالة والتضخم تعمل على تلاشي الطبقة الوسطى التي هي في الواقع عماد الاقتصاد الوطني في كل بلد.

هذه هي التركة التي ورثها الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي وهي المعضلة الأساسية التي عليه معالجتها لإنقاذ البلاد وشعبها. فهل يستطيع الرئيس ضبط الاقتصاد ومنعه من الانهيار الكامل؟ من المعروف أن العقوبات الأميركية هي السبب الرئيسي في خراب الاقتصاد الإيراني لكن هناك أيضا عوامل داخلية أخرى تقوم بالتخريب وقد لا يستطيع الرئيس معالجة أثارها على الأقل في المدى المنظور. قد يسهل عليه اطلاق الوعود مثلما فعل أثناء المناظرات الانتخابية وكان الأكثر سهولة التصريحات السياسية لكن الأمر مختلف جدا عندما يتعلق الأمر باقتصاد الدولة وماليتها.

يضع الدستور الإيراني من يسميهم المستضعفين في صلب اهتمامات الدولة وكأنه يريد أن يظلوا كذلك يعتاشون على المساعدات. وقد حاولت رئاسة روحاني حل مشكلتي الفقر والبطالة عبر تقديم بعض الدعم للمواد الغذائية لكن بدون جدوى، فارتفاع الأسعار اكبر من الدعم بسبب انهيار العملة الوطنية. كذلك حاولت تقديم دعم نقدي لحوالي ستين مليون مواطن يعانون من الفقر. لكن في علم الاقتصاد الدعم النقدي لا يحل المشكلة. قد يسهل المعيشة مؤقتا لكنه لا يبني اقتصادا منتجا بل يخلق التواكل والكسل عند الناس خصوصا وأن الدعم النقدي في دولة تطبع العملة بدون إنتاج يدعمها مجرد تأجيل لانفجار المشكلة.

هناك العديد من المنظمات والهيئات الإيرانية التي تعمل على مساعدة الفقراء مساعدة نقدية أو من خلال كوبونات الطعام لكن هذا لا يقدم الحل الجذري للمشكلة. وبدون تغيير نمط الاقتصاد الوطني وإقامة البنى التحتية الصناعية الكفيلة بتشغيل الأيدي العاملة وإيجاد مصادر دخل من الإنتاج فلا يمكن القضاء على الفقر والبطالة.

لقد صوت الإيرانيون للرئيس إبراهيم رئيسي بناء على الأمل الذي بثته تصريحاته السياسية بانه سيعمل على رفع العقوبات الاقتصادية وبالتالي سيكون هناك علاج للاقتصاد الإيراني المريض. ومن المعروف أن الإيرانيين غير راضين عن النظام بصورة عامة. وعندما يتعلق الأمر بغذاء أطفالهم فانهم يلجأون للاحتجاج غير مصدقين وعود الدولة في محاربة الفقر والبطالة أو محاولاتها لعلاج المشكلات الاقتصادية المزمنة. وقد شهدت العديد من المناطق الإيرانية منذ أواخر العام ألفين وتسعة عشر اضطرابات واحتجاجات وانتفاضات ضد رفع أسعار الوقود ونقص المواد الغذائية والمياه. لكن الأجهزة الأمنية قمعتها بشدة وأسكتت جميع الأصوات التي ارتفعت بالاحتجاج.

مع وجود سياسة قمعية متشددة لا تبدو الثورة الشعبية أمرا ممكنا في الوقت الحاضر فالفقر والجوع قد يولد احتجاجات لكنه لا يخلق ثورة. أما استمرار الأحوال على ما هي عليه وانحدارها نحو مزيد من السوء فربما تصل الأمور إلى حدود الانفجار.

تحتاج إيران إلى علاقات طبيعية مع محيطها تؤدي إلى علاقات اقتصادية راسخة معهم ومن خلال اتفاقات تجارية طويلة الأمد. ولا بد أن القيادة الإيرانية تدرك أن حل مشكلتها مع الولايات المتحدة المتعلقة بالاتفاق النووي سيكون الباب الذي سيؤدي إلى حلول جذرية لمشكلات الاقتصاد بما في ذلك الفقر والبطالة.

واذا ما رافق ذلك انفراج سياسي في الداخل وتخفيف القيود القمعية فإن النتائج قد تكون أفضل من المتوقع. أما إذا بقيت القيادة الإيرانية على عنادها في تحدي العالم فلا يمكن معرفة إلى أين ستذهب الأمور أو أين سترسو سفينة البلاد التي فقدت بوصلتها.