متشدد آخر في حكومة رئيسي

حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني الجديد، يمكن وصفه بأنه الاسم الأبرز في الفريق الحكومي للرئيس إبراهيم رئيسي، كما يمكن اعتباره بأنه الشخصية الأبرز من الجيل الثاني للثورة، دبلوماسي متشدد، يحظى بثقة المرشد الأعلى والحرس الثوري، وله شبكة علاقات عامة قوية مع جميع كلاء إيران في الشرق الأوسط، بل ويمكن اعتباره (قاسم سليماني) الخارجية الإيرانية، لما له من نفوذ وتأثير.

برز اسم عبد اللهيان كدبلوماسي إيراني منذ تسعينيات القرن الماضي، وتدرج في العديد من المناصب في الخارجية الإيرانية، وحظي برعاية خاصة من المرشد الأعلى علي خامنئي، وذلك يتضح عبر محاولة توظيفه في مراكز دبلوماسية عديدة، حتى في خضم خلافه مع وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، فضلاً  عن أنه أبرز شخصية دبلوماسية تكتب باستمرار العديد من المقالات في الموقع الإلكتروني للمرشد الأعلى، حيث لا تستطيع أي شخصية إيرانية الكتابة في هذا الموقع، دون موافقة خطية من خامنئي شخصياً، ولعل ثقة خامنئي به جاءت بعد سلسلة من المواقف السياسية التي عبر عنها، والتي هي عادةً ما تكون متطابقة مع رؤية ومواقف خامنئي، ومن أبرزها؛ النظرة المعادية للغرب وتحديداً الولايات المتحدة، وتأكيده على تعزيز التقارب مع روسيا والصين، فضلاً عن قناعته التامة بأهمية دعم كلاء إيران في المنطقة.

القرب من سليماني والدفاع عن الوكلاء

عبد اللهيان أبرز شخصية دبلوماسية تمتلك علاقات وثيقة مع الحرس الثوري، وذراعه الخارجية فيلق القدس، حيث تشكلت خيوط هذه العلاقة الوثيقة خلال الفترة التي عمل بها في منصب نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، إلى جانب عمله كمسؤول للملف العراقي في الخارجية الإيرانية منذ عام 1997، وبعد احتلال العراق عام 2003؛ بدأ يعمل بشكل وثيق مع أجهزة الحرس الثوري في العراق، وهنا توثقت علاقته بشكل أكبر مع قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، حتى أصبح يؤمن بفكرة (تسخير الدبلوماسية في خدمة الميدان)، إلى الدرجة التي جعلته يؤمن بأن دور الخارجية الإيرانية الرئيس؛ هو تمهيد الطريق ليكون سالكاً أمام الحرس الثوري.

وعن درجة تأثره الكبير بشخصية سليماني؛ كتب عبد اللهيان في إحدى مقالاته على موقع خامنئي الإلكتروني بتاريخ 23 مايو 2020، “إن جنود سليماني كانوا يتسللون بسهولة إلى غرف مسؤولي الكيان الصهيوني، وهم قادرون على فعل ذلك في أي مرة ووقت يُريدونه”،  كما تحدث مِراراً عن علاقته الشخصية بسليماني، وإنه كان شديد النصح لهُ، بل إنه عادة ما يستشير سليماني في أي خطوة يقوم بها، والأكثر من ذلك، تحدث عن أن سليماني علمهُ طريقة الحديث مع المسؤولين الأمريكيين في العراق، عندما عُين كأحد أعضاء الوفد الإيراني إلى العراق، للحوار مع الأمريكيين بخصوص أمن العراق في 25 مايو 2007، ومن ثم ترأس الوفد الإيراني في الجولات اللاحقة من هذه الحوارات.

وفي سياق دفاعه عن سلوكيات الحرس الثوري، أشار في كلمته أمام مجلس الشورى الإيراني أثناء تقديمه برنامجه الحكومي لنيل الثقة؛ إلى أنه سيكون حريص على دعم وكلاء إيران في إطار محور المقاومة، وإن إيران ستدافع بقوة عن هذا المحور، وفي هذا الإطار: ارتبط عبد اللهيان بعلاقات وثيقة مع وكلاء إيران في المنطقة، وتحديداً الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، إذ عادةً ما يتحدث عن علاقته الوثيقة بنصر الله، إلى الدرجة التي أشار فيها إلى أنه يلتقي به كل شهر تقريباً، سوءاً بصورة رسمية أو غير رسمية، وعلاقته الوثيقة مع نصر الله جاءت بسبب تطابق المواقف بينهما من إسرائيل، إلى الدرجة التي دفعت عبد اللهيان للقول بأن “زوال إسرائيل هي ضرورة للأمن القومي الإيراني”، كما إن زوالها يمثل الحل الوحيد للقضية الفلسطينية.

أما في العراق؛ فيمكن القول بأنه أكثر شخصية إيرانية بعد سليماني، لديها علاقات وثيقة مع قيادات الفصائل المسلحة الموالية لإيران، إلى جانب علاقاته الوثيقة مع رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، ومن المتوقع أن يستخدم هذه العلاقات بالإطار الذي يدعم جهود الحرس الثوري في العراق أولاً، ويوازن فشل قائد فيلق القدس إسماعيل قآني في ملء فراغ سليماني ثانياً، بالإطار الذي يعيد الحياة للدور الإيراني في العراق، حيث إن اختيار عبد اللهيان لتولي حقيبة الخارجية الإيرانية، يُشير إلى مدى قناعة خامنئي وجنرالات الحرس الثوري بأهمية ترتيب الأوراق الإيرانية المبعثرة في العراق، والتي يمكن لوزير الخارجية الجديد إعادة ترتيبها بما يمتلكه من تأثير ونفوذ في بغداد.

أما عن علاقته بالحوثيين وحركة حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين، فهي علاقات لم تشهد ذلك الانغماس الكبير، كما هو عليه الحال في العراق ولبنان، إلا إنها عادة ما تكون حاضرة في خطاباته ولقاءاته، كما يأتي الحديث عنها ضمن سياق الحديث عن محور المقاومة بصورة عامة، وهي قاعدة تشمل علاقته مع النظام السوري أيضاً.

الدبلوماسية في خدمة الحرس الثوري

إلى جانب الفكر المتشدد الذي يحكم قناعات وتصورات وزير الخارجية الجديد، إلا إن الأهم من كل ذلك هو تأكيده على اعتماد سياسة خارجية تنسجم مع مشروع  الخميني وخامئني، على حد وصفه، فضلاً عن إشاراته المتكررة بأن الوظيفة الأساسية للخارجية الإيرانية هي خدمة أهداف الحرس الثوري في المنطقة، وهذا يؤشر بدوره إلى دلالات مهمة، تعيد الحديث مرة أخرى عن ثنائية الدبلوماسية والميدان، التي أُثير حولها الكثير من النقاش في الفترة الماضية، وتحديداً في التسريبات الخاصة بظريف، عندما تحدث بصورة مفصلة عن طبيعة الدور المعرقل الذي كان يمارسهُ الحرس الثوري في طريق الخارجية الإيرانية، وأشار ظريف بالتحديد نحو عبد اللهيان باعتباره أحد الدبلوماسيين الذين يؤمنون بأهمية العمل العسكري وليس الدبلوماسي.

وعبر عبد اللهيان عن إن اهتمامه الرئيس سيكون منصب على دول الجوار، وهذا ما يؤشر إلى مدى قناعة خامنئي بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه عبد اللهيان في هذا السياق، خصوصاً وإن خدمته الطويلة في الخارجية الإيرانية كانت ضمن دول الجوار، ولأن دول الجوار هي الميدان العملي للحرس الثوري، كان لابد من وجود وزير خارجية يدعم جهود الحرس ويعزز قوته، خصوصاً في دول كالعراق وسوريا واليمن، ومن ثم فإن التصور المقبل لطبيعة السياسة الخارجية الإيرانية، يُشير إلى أننا سنكون أمام سياسة خارجية متشددة وثورية، تعطي أهمية للعمل العسكري على العمل الدبلوماسي، في الإطار الذي يؤسس لقاعدة قوية يمكن أن تركن لها إيران في حواراتها الإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق يمكن القول؛ بأنه نظراً لإيمانه المطلق بأهمية الميدان، فإن الكثير من الملفات الساخنة التي تربط إيران مع بيئتها الخارجية، سيتم نقلها من وزارة الخارجية إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، وتحديداً البرنامج النووي والصاروخي والنفوذ الإقليمي، كما  سيتم إدماج دور البعثات والسفارات الإيرانية بدور فيلق القدس، وتحديداً في الدول التي تشهد دور عسكري إيراني، والأكثر من ذلك، هو أن عبد اللهيان سيكون مرتبط مباشرة بالمرشد الأعلى، دون الحاجة لمراجعة الرئيس في الكثير من تحركاته، طالما أن الجميع في الداخل الإيراني يعرف جيداً أن عبد اللهيان هو رجل خامنئي المفضل في حكومة رئيسي.

أما على صعيد المحادثات النووية، فرغم الخشية الكبيرة التي تنتاب القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة، بعد وصول عبد اللهيان على رأس الخارجية الإيرانية، خصوصاً فيما يتعلق بمستقبل المحادثات النووية في فيينا، إلا إن هذه الخشية يقف أمامها ارتياح هذه القوى أيضاً، وذلك بسرعة إنجاز أي صفقة فيما لو تم التوافق بشأنها مع إيران، في ظل التوافق الأيديولوجي الذي يربط مواقف خامنئي ورئيسي وعبد اللهيان، أي أن الاعتراض المستمر من قبل التيار المحافظ على سياسات وسلوكيات الرئيس ووزير الخارجية، لم تعد موجودة؛ كما كان عليه الحال في حكومة الرئيس السابق حسن روحاني.