إفريقيا.. داعش يطمع في مزيد من السيطرة

بعد انهياره واندحاره وسقوط مشروعه الإرهابي في الشرق الأوسط يسعى تنظيم داعش إلى ترسيخ وجوده في إفريقيا في منطقة تعتبر الحلقة الأضعف أمنيا واجتماعيا في القارة السمراء وهي منطقة الساحل جنوبي الصحراء الممتدة من موزمبيق حتى سواحل الأطلسي غربا.

ويأمل التنظيم أن تكون هذه المنطقة قاعدته الجديدة لإقامة مشروع الخلافة كما يراه.

بهدوء وسرية تمكن الآلاف من مقاتلي داعش الهرب من العراق وسوريا وليبيا بعد الضربات الموجعة التي تلقوها هناك والتوجه إلى إفريقيا.

ومنذ ذلك الوقت بدأت الاحتكاكات بين مسلحي داعش ومسلحي الحركات الجهادية الأخرى مثل القاعدة وبوكو حرام.

وقد استعمل تنظيم داعش العنف المفرط ضد الجماعات المحلية التي حاولت رفض نفوذه، وقد ساعدت سياسة الترهيب والترغيب التي اتبعها التنظيم تجاه المجتمعات المحلية خصوصا في نيجيريا في بناء نفوذه وترسيخه.

حقق داعش المزيد من التحالفات الجديدة واستولى على مزيد من الأراضي في موزمبيق والكونغو الديمقراطية ونيجيريا ويعتبر التنظيم أن منطقة الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء هي منطقته وساحة نفوذه التي قد تعوضه عن خسارة ما خسره في الشرق الأوسط.

المعركة الأخيرة كانت مع حركة بوكو حرام التي انتهت بقتل زعيم الحركة أبو بكر شيكو في منتصف شهر مايو الماضي بعد أن حاصرته قوة من داعش في إحدى الغابات.

النتيجة كانت أن هرب معظم مقاتلي بوكو حرام وانضم كثيرون منهم إلى داعش، هذا الانتصار على بوكو حرام أعطى داعش دفعة معنوية كبيرة ودفعة مجتمعية جعلت كثيرين ينقلون ولاءهم إلى التنظيم بعد أن كانوا موالين لحركة بوكو حرام.

كذلك جعل هذا الانتصار على بوكو حرام تنظيم داعش يطمع بالمزيد في بيئة يبدو فيها التمدد العسكري للتنظيم أمرا سهلا.

وهذا ما يدعو داعش إلى محاولة استقطاب بقية مسلحي الحركات الأخرى ومنها مسلحو تنظيم القاعدة الذي يحاول تنظيم داعش القضاء على نفوذه في إفريقيا ليحكم سيطرته على المنطقة.

إن لم يستطع داعش استقطاب بقية المقاتلين فقد يهاجمها ويخضعها بالقوة أو يقضي عليها ليصبح تنظيم داعش القوة الأكبر وربما الوحيدة التي قد تحكم سيطرتها على كل منطقة وسط إفريقيا.

سيطرة داعش على مساحات شاسعة في تلك المنطقة تعني تغييرا مهما في ميزان القوى وهذا معناه أيضا أن قوة جديدة للتنظيم ستجعل القضاء عليه أمرا صعبا وستزيد الصعوبة على القوات النظامية لتلك الدول الواقعة في إقليم جنوب الصحراء التي تسعى للقضاء على التنظيمات المسلحة.

لقد فتح انتصار داعش على حركة بوكو حرام وسيطرته على مساحات جديدة من الأرض عيون أوروبا والعالم على ما يجري هناك.

وبالإضافة إلى تأثير ذلك السلبي على حكومات المنطقة وما سينتج عنه من إضعاف لها وإحباط لمساعيها المناهضة للإرهاب فإن بعض هذه الدول التي كانت قد استقدمت قوات أوروبية لدعم أنظمتها تخشى أن تنسحب تلك القوات وتتركها وحدها في مواجهة الإرهاب.

وتبدو هذه الدول عاجزة عن فعل شيء إزاء ما يجري على أراضيها.

ردة الفعل الأولية من الدول الغربية الآن هي محاولة احتواء الأوضاع قبل القيام بأي عمل على الأرض.

فقد بدأت الاستخبارات الغربية تلاحظ تنامي قوة الإرهاب في إفريقيا فحذرت منه لكنها الآن باتت قلقة وتخشى أن الوقت قد فات على أي عمل استباقي مما سيجعل مهمة الدول الغربية أصعب في محاولاتها القادمة لمحاربة الإرهاب.

الدول الإفريقية المكتوبة بنار الإرهاب بدأت تفكر في طلب معونة عسكرية من الدول الغربية لمساعدتها في الصمود بوجه تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية النشطة في إفريقيا.

لكن هذه الدعوة قد تكون متأخرة في الوقت الذي بدأت فيه بعض الدول التي كانت قد أرسلت قوات إلى إفريقيا بسحب تلك القوات مثلما هو الحال مع القوات الفرنسية في مالي.

وكذلك أغلقت الولايات المتحدة قاعدتها الجوية في النيجر التي كانت تستخدمها لعمليات الطائرات المسيرة بدون طيار وكانت تقوم بمهمات ذات أهمية خاصة بتتبع واستهداف الإرهابيين.

قوة داعش في إفريقيا كانت على مائدة البحث في المؤتمر الدولي الذي انعقد في روما بحضور وزير الخارجية الأمريكية لتدارس التطورات التي استجدت في مسألة تمدد داعش في أفريقيا وتنسيق الجهود المناهضة للتنظيم ومناقشة سبل ممارسة ضغوط قوية على فلوله.

ينظر الغرب الآن إلى التطورات في إفريقيا بحذر شديد وبدأت عواصم القرار في أوروبا تأخذ الأمور على محمل الجد،  ما يخيف الغرب فعلا هو القدرة التنظيمية لتنظيم داعش في القارة السمراء، وكثرة الأسلحة التي يملكها وضمان ولاء المجتمع المحلي سيجعل التنظيم أكثر تماسكا وبالتالي أكثر قوة ويصعب القضاء عليه بسهولة.

يعتقد بعض الخبراء في شؤون داعش أن التنظيم الآن قوي برغم أن تلك القوة تتنامى ببطء شديد وتترسخ في بعض المناطق.

وبالنسبة لهذا التنظيم تشكل منطقة الساحل وجنوب الصحراء فرصة ثمينة وساحة غير مكلفة حيث يسيطر التنظيم الإرهابي هناك على عشرات الألوف من الكيلومترات المربعة تشكل بالنسبة له موطىء قدم مهما لعملياته المستقبلية.

تشكل تلك المنطقة من إفريقيا بيئة مناسبة لمعسكرات التدريب والتجنيد سواء لتنظيم داعش أو بدرجة أقل لتنظيم القاعدة الذي لا يزال موجودا هناك.

فهذه البلاد التي تعاني الفقر ونقص الغذاء وانتشار الأمراض والجهل شكلت حاضنة سهلة وخصبة لنمو الحركات الإرهابية وتمددها.

كما أن استمرار الفوضى وانتشار التطرف عبر منظمات محلية تمارس الإرهاب أصبح العرف السائد في المنطقة وهذا ينذر بتحولها إلى قاعدة أكبر للإرهاب ما لم يتحرك العالم في الوقت المناسب وبالقوة المناسبة.

لا تستطيع دولة من دول وسط إفريقيا أن تعالج الأمر وحدها أو تقضي على عصابات الإرهاب بقوتها الذاتية مع أن القوات المحلية هي العنصر الأهم ورأس الحربة في مواجهة الإرهاب. فالحرب ضد الإرهاب تحتاج تنسيقا وتحالفا بين جميع تلك الدول إلى جانب الدعم الدولي الذي يجب أن يكون منسقا لضمان النجاح في المهمة.

فالفوضى السياسية السائدة في إفريقيا والفساد والضعف الاقتصادي كلها عوامل تعيق العمل الجدي لمكافحة الإرهاب.

وثمة شيء مهم أيضا وهو ضرورة الالتفات إلى المجتمعات المحلية لتوفير البديل لها عن الحركات الإرهابية التي تحاول كسب ود البسطاء من الناس عبر بعض المساعدات الاجتماعية والخدمات.

وما لم يبدأ الشعب بنبذ المسلحين ورفض توفير الحصانة لهم فإن القضاء على الإرهاب سيصبح مهمة عسيرة وشاقة.