الإنتخابات الرئاسية الإيرانية قد تكون الأهم والأكثر تأثيراً منذ قيام الجمهورية

  • الإنتخابات الرئاسية الإيرانية تبدو نتائجها معروفة سلفاً قبل بدأها
  • نسبة التصويت بالإنتخابات المقبلة لن تتجاوز في أفضل الأحوال 38%
  • رئيسي يمثل خيار المرشد الأعلى المفضل

ستكون الحياة السياسية في  إيران، على موعد مع إنتخابات رئاسية قد تكون الأهم والأكثر تأثيراً منذ قيام الجمهورية، وذلك لكثرة التحديات والمصاعب التي تقف بوجه الرئيس المقبل، ورغم القائمة التي أعلن عنها مجلس صيانة الدستور في الأيام الماضية، والتي حدد فيها أسماء سبعة مرشحين لخوض الإنتخابات الرئاسية المقبلة، إلا إنها من جهة أخرى مثلت قائمة تم تفصيلها حسب ما يرغب به المرشد الأعلى علي خامنئي، في ضمان فوز المرشح الذي يرغب به، دون أي منافسة تذكر من قبل المرشحين الأخرين، وفي هذا الإطار يمثل إبراهيم رئيسي الخيار الأفضل لخامنئي، كون عملية ترشيحه للإنتخابات، جاءت بعد جهود حثيثة بذلها مكتب المرشد لإقناعه بالترشح، ومن ثم فإننا سنكون على الأغلب على موعد من إنتخابات ذات القطب الواحد في إيران.

جاءت عملية ترشح رئيسي في اليوم الأخير من التسجيل، ليجرب حظه للمرة الثانية بعد خسارته الأولى أمام الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني في إنتخابات عام 2017، فرغم الدعم القوي الذي قدمه له الأصوليين، لم يتمكن من مجاراة روحاني بالنهاية، ويدخل رئيسي سباق الإنتخابات الرئاسية المقبلة، بوجه جديد هذه المرة، وأهمها أنه خيار الضرورة للمرحلة المقبلة، ويلعب جلوسه على رأس السلطة القضائية، ودعايته الإعلامية، وإنسحاب بعض مرشحي الحرس الثوري لصالحه، وزياراته المتكررة للمقاطعات والولايات الإيرانية، دوراً مهماً في دعمه وتحفيزه على العودة إلى الساحة الإنتخابية، كما أنه يمثل خياراً إجتمعت عليه ثلاث جهات مؤثرة في نظام إيران السياسي هي، مكتب المرشد والحرس الثوري والتيار الأصولي، ما يجعل من نسبة فوزه في الإنتخابات الرئاسية المقبلة شبه محسومة، خصوصاً بعد إستبعاد أبرز منافس له، وهو رئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني.

يظهر السجل السابق لرئيسي أنه كان مطلق الولاء للمرشد الأعلى، وهو ما جعله رئيساً لمحكمة الثورة في ثمانينات القرن الماضي، ونتيجة للسجل الدامي الذي خلفه في هذه المحكمة، عمد النظام إلى تعيينه على رأس مؤسسة الإمام الرضا في مشهد عام 1994، من أجل إبعاد الصورة السلبية عنه، وإعادة تعريف شخصيته من منظور ديني وإقتصادي وسياسي مؤثر، ورغم أن هذا المنصب الجديد منحه تأثيرا كبيرا في الحياة السياسية الإيرانية، وتحديداً من خلال العلاقات الوثيقة التي قام بإنشائها مع جنرالات الحرس الثوري، إلا أنه لم يكن كافياً لإعادة ثقة الناس به، فبعد أن أصبح رئيساً للسلطة القضائية في مدينة كرج، تبنى رئيسي سياسة مكافحة الفساد، وحاكم على إثر ذلك عشرات المسؤولين الإيرانيين، كما أنه دعا مؤخراً إلى حرية الوصول لشبكات الإنترنت من قبل الشباب، وهي دعوات جاءت بعد ضمان نسبة فوزه في الإنتخابات الرئاسية المقبلة في إيران.

رئيسي خيار المرشد المفضل

منذ أن تم تعيين رئيسي على رأس مؤسسة الإمام الرضا في مشهد، حتى بدأت العديد من الدراسات والتحليلات تتحدث عن إمكانية أن يكون هو المرشد الأعلى المقبل في إيران، والأكثر من ذلك، إن رئيسي كان أحد أبرز المرشحين المنافسين لخامنئي على خلافة خميني بعد وفاته، قبل أن يستقر قرار مجلس خبراء القيادة في النهاية على تنصيب خامنئي، ما أثر على وجهات النظر التي دارت حول رئيسي هو خسارته للإنتخابات الرئاسية الماضية أمام روحاني، وهو ما يحاول خامنئي عدم تكراره في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، لأن عدم فوز رئيسي بها، يعني أن عملية خلافة خامنئي ستواجه تحديات كبيرة، خصوصاً وأن هناك الكثير من الأسماء التي بدأت تطرح نفسها بقوة للساحة، وعلى رأسها حسن الخميني، فقد يؤدي فوزه المحتمل في هذه الجولة من الإنتخابات الرئاسية إلى تقريبه من منصب المرشد الأعلى أكثر من ذي قبل، في تكرار لسيناريو صعود خامنئي بعد الخميني، حيث أنه لا يزال يعتبر أحد خيارات القيادة المستقبلية، ولكن إذا خسر الإنتخابات مرة أخرى، يمكن أن تتضرر هذه الشرعية حتى لو فاز بملايين الأصوات.

الحرس الثوري بدأ يمارس سياسة الترهيب بحق الرافضين للمشاركة في الإنتخابات الرئاسية

وبالعودة إلى الخطابات السابقة لخامنئي، أشار في أكثر من مناسبة إلى أن إستمرار النظام وأيديولوجيته الثورية، هي أبرز مهمة ينبغي على الرئيس المقبل القيام بها، ودعا إلى أن يكون الرئيس المقبل من (حكومة حزب الله)، شاب وثوري قادر على حل مشاكل إيران الداخلية والخارجية، مع الإشارة هنا إلى أن (صفة الشاب)، غير محددة بنظر خامنئي بالعمر، وإنما بمدى قدرته وفعاليته وإخلاصه للمرشد الأعلى، ومن ثم فإن هذه الرؤية الخامنئية قد تجد ضالتها بالنهاية في رئيسي، الذي يعد اليوم أكثر شخصية نافذة في إيران، وتحديداً على مستوى السياسة والإعلام والإقتصاد، والأكثر من ذلك فإن الحرس الثوري بدأ يمارس سياسة الترهيب بحق الرافضين للمشاركة في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن تم حصر المنافسة بين رئيسي – رئيسي، كما عبر عن ذلك أحد قيادات التيار الإصلاحي.

رئيسي يمثل خيار الوحدة بين الداخل والخارج

مما لاشك فيه أن فوز رئيسي المحتمل في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، سيخلق حالة وحدة في الخطاب الإيديولوجي الإيراني الموجه للداخل والخارج، وهو ما يطمح إليه خامنئي، الذي يجد في التنافر الحالي في مفردات هذا الخطاب؛ ما يهدد مستقبل جمهوريته، فحالة التمرد التي أظهرها حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف خلال الفترة الماضية، لم تعد تُطمئن خامنئي على مستقبل حالة الإستقرار السياسي في إيران، ومن ثم لابد من إعادة هندسة الحياة السياسية عبر فوز رئيسي، الذي ستوكل له مهمة تحقيق هذه الرغبة، ففي حالة فوزه ستكون هناك حالة تكامل بين ثلاث مؤسسات مهمة في إيران هي؛ مؤسسة الرئاسة ومجلس الشورى والحرس الثوري، بدعم وتأييد من مؤسسة المرشد والمؤسسة الدينية في قم، ومن ثم فإنه عبر هذه الوحدة سيكون خامنئي قد حقق الطرف الأول من المعادلة، وهي تحقيق الإندماج الكامل ضمن رؤيته السياسية.

أما الطرف الثاني من هذه المعادلة، فإن رئيسي سيكون الحلقة الأهم في تقرير أهم ملفين يسعى للإطمئنان عنهما خامنئي قبل وفاته المحتملة، مستقبل ولاية الفقيه في الداخل، والإتفاق النووي في الخارج، وهما ملفان سيكون رئيسي أبرز المتصدين لهما في حالة فوزه المحتمل في الإنتخابات الرئاسية المقبلة، فهذه الإنتخابات قد تشكل الحدث الأهم في الداخل والخارج الإيراني، كون هذا الحدث قد يعيد تشكيل النظام من الداخل، ويعيد صياغة الدبلوماسية الإيرانية في الخارج، ويبدو إن رئيسي حسب رؤية خامنئي هو الأنسب لقيادة هذه المهمة في المرحلة المقبلة.

إن تفاعل وسائل الإعلام الإيرانية مع الطروحات التي يقدمها رئيسي في مناظرته الرئاسية، تشير إلى أنه أصبح خيار النظام الأوحد، ورغم تصاعد نسبة الرقعة التصويتية لكل من محسن رضائي وناصر همتي، إلا أنه من المتوقع أن أكبر حظوظهما هي عبور الجولة الأولى من هذه الإنتخابات برفقة رئيسي، حيث إشتكى الكثير من مرشحي الإنتخابات إعطاء رئيسي فرصة الكلام أكثر منهم خلال المناظرات الرئاسية، وهو ما يؤسس لفكرة أن هذه الإنتخابات قد تكون الأولى في تاريخ النظام السياسي الإيراني، التي تبدو نتائجها معروفة سلفاً قبل بدأها، وهو ما يعطي فكرة واضحة على طبيعة الدور الذي تمارسه الدولة العميقة في إيران، في طريقة إختيار الرئيس وإقصاء خصومه، فما يهم خامنئي اليوم هي الشرعية الثورية المتمثلة بإستمرار عجلة النظام، وليس الشرعية الشعبية التي أصبحت مفقودة، وهو ما تؤكده آخر إستطلاعات الرأي التي قام بها مركز سيبا المقرب من مراكز صنع القرار في إيران، والذي أشار إلى أن نسبة التصويت في الإنتخابات الرئاسية المقبلة؛ لن تتجاوز في أفضل الأحوال 38%.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن