وعود غير منطقية قبل أيام من انتخابات الرئاسة في إيران

قبل أيام من موعد انتخابات الرئاسة الإيرانية وعلى غير ما اعتادت عليه الدول والشعوب من حماسة شديدة مع اقتراب موعد الاقتراع فإن الوضع في إيران يعاني من ضعف الحماسة الشعبية تجاه الاقتراع مع تزايد في نسبة العازفين عن المشاركة وفق ما تقوله استطلاعات الرأي.

الأسباب كثيرة لعزوف الإيرانيين عن المشاركة الأمر الذي دفع المرشد خامنئي لانتهاز ذكرى وفاة الخميني لتوجيه خطاب تناول فيه مسألة الانتخابات وبعض جوانب الحياة السياسية الإيرانية.

وبعد أن طمأن الإيرانيين على بلادهم بأنها اليوم أفضل من أي وقت مضى انتقد بصورة مبطنة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الذي يواصل القول إن النظام سينهار قريبا فقال المرشد إن النظام راسخ برغم أصحاب النوايا السيئة.

يشعر خامنئي بوطأة المقاطعة المحتملة للانتخابات فحث مواطنيه على التصويت أيضا. واعترف خامنئي بتأثير مقاطعة الانتخابات وقال إن هناك من يقاطع بأعذار مزعومة وهناك من سيقاطع بسبب الظروف الاقتصادية.

ولم يفته التعريض بالرئيس روحاني عندما قال إن الكثيرين خاب أملهم بعد أن صوتوا بحماسة لمرشح سابق لكنهم في النهاية استاؤوا منه.

نصيحة خامنئي للمرشحين كانت بسيطة وهي أن لا يقدموا وعودا كثيرة لا يستطيعون الوفاء بها؛ لكن المرشحين لم يلتزموا بهذه النصيحة فقدموا الوعود الخيالية التي وصفت بأنها تشكل هدرا للمال العام وتحتاج موازنة بخمسة أضعاف موازنة إيران الحالية.

فالمرشحون الذين يدركون عجزهم عن إحداث تغييرات سياسية ولأنهم لا يجرؤون على تقديم وعود بشأن الإصلاح السياسي اتجهوا إلى الوعود المجانية بتحسين الأحوال الاقتصادية وتعزيز مستوى معيشة الإيرانيين.

المرشح إبراهيم رئيسي على سبيل المثال وعد ناخبيه بخلق مليون فرصة عمل في السنة وتوزيع مبالغ نقدية سخية على المواطنين وتسهيل قروض الزواج للشباب الإيراني، كذلك فعل بقية المرشحين الذين قدموا وعودا مشابهة؛ لكن الخبراء الذين يتابعون وعود المرشحين يرون أن هذه الوعود على افتراض أنهم استطاعوا تنفيذها فإنها سترفع مستوى التضخم إلى مئة في المئة.

قد يعجب الإيرانيون البسطاء بهذه الوعود ويظنون أنها قابلة للتحقيق ولكن من أين ستأتي الحكومة بتلك الأموال الهائلة لتحقيق هذه الوعود وتوزيعها على الناس؟  فهذه الأفكار في عرف علم الاقتصاد تضعف بنية الاقتصاد وقد تؤدي إلى انهياره.

فمن الواضح أن المرشحين يفتقرون ليس فقط إلى الخطط الاقتصادية الرزينة ولكن أيضا يفتقرون إلى حسن التدبير ولا يملكون أي خبرات متكاملة.

الناخبون في العادة لا يحفلون كثيرا بالتصريحات السياسية والمواقف من قضايا المنطقة فما يهمهم هو الحالة المعيشية وكيفية تحسين أحوالهم وكيف سيرتفع مستوى معيشتهم وكيف ستكون نوعية الحياة التي يحيونها في ظل الرئاسة الجديدة.

مشكلة الإيرانيين العاديين ليست في المشروع النووي ولا في العلاقات مع دول العالم أو دول الجوار بل في البطالة والفقر والضيقات المعيشية، وعلى السلطات الإيرانية أن تدرك  أن علاقة طهران مع الولايات المتحدة والغرب عموما ودول الجوار ستنعكس بصورة إيجابية على الحالة الاقتصادية، فإذا لم يدرك الرئيس الجديد هذه الحقائق فإنه لن يستطيع أن يفعل شيئا حيال المشكلات الكبرى.

وقد تصدت المعارضة لمواقف المرشحين ووعودهم غير المعقولة، وأخذت تعيد تنظيم نفسها، وبرغم التوقعات بضعف الإقبال على التصويت بصورة عامة حسب الاستطلاعات الأخيرة التي أشارت إلى زيادة نسبة العازفين عن المشاركة فإن المعارضة من التيار الإصلاحي ترى أن أفضل طريقة للتعبير عن رفضها تكون من خلال الاقتراع بورقة بيضاء بديلا عن المقاطعة.

في العادة تعتبر الورقة البيضاء في التصويت موقفا سياسيا مهما معارضا للنظام. وترى المعارضة أن الورقة البيضاء في صندوق الاقتراع ستكون أقوى تعبير عن موقفها لكنها في الوقت نفسه تقول إنه حتى لو كان هناك عشرة ملايين ورقة اقتراع بيضاء فإن السلطات ستعمد إلى تزوير النتائج.

وإذا استطاعت حركة المعارضة الإصلاحية التي يقودها الرئيس الأسبق محمد خاتمي من تشكيل تيار قوي للاقتراع بورقة بيضاء فإنها رسالة قوية للنظام ليدرك منها حجمه الحقيقي في ظل معارضة قوية.

بدأ هذا التيار نشاطه بإدانة قرار مجلس صيانة الدستور الذي استبعد مجموعة من المرشحين الإصلاحيين وكان عددهم تسعة رفضهم المجلس جميعا، فهل يستطيع التيار الإصلاحي أن يعمل خارج الرئاسة ما عجز عن فعله في الرئاسة؟

لقد حكم حسن روحاني فترتين رئاسيتين لكنه لم يستطع أن يخرج من قيود المرشد أو الحرس الثوري أو مجلس الأمن القومي وغير ذلك من مؤسسات الحكم القوية، لكن روحاني أخذ يحاول في آخر أيام حكمه استرجاع الجرأة في قول الحق وكأنها حكمة بأثر رجعي.

ففي حفل تدشين مشروع زراعي في الأسبوع الماضي أشار روحاني إلى أن الضغط وفرض القيود على المواطنين بالبنادق والسجون لا يمكن أن يكون حلا ومخرجا، وفيما بدا أنه تحول واضح قال إن الأسلحة والقوة لن تنتصر على الفكر ولا يمكن توقف الطريق التي ينصحنا بها العقل.

لم يحقق الرئيس روحاني أي إصلاح ولن يترك بصمة واضحة على السلطة بعد أن يتركها. حتى الاتفاق النووي مع القوى الغربية الكبرى الذي أنجزه في العام ألفين وخمسة عشر كاد أن ينهار بعد أن خرجت منه واشنطن عام ألفين وثمانية عشر.

وفي مواجهات الحرس الثوري مع الجماهير في العام ألفين وتسعة عشر حيث بطش الحرس بالمحتجين وقتل منهم ألفا وخمسمئة شخص لم يستطع الرئيس أن يفعل شيئا.

وفي سنوات روحاني زادت هجرة الكفاءات من إيران بصورة ملموسة وبأعداد كبيرة، ولهذا ظهرت مطالبات في الشارع الإيراني تدعو المرشحين إلى ضرورة العمل على حماية إيران من هجرة الأدمغة ورفعوا لافتات تقول للمرشحين لا تجعلوا الإيرانيين أمام معضلة الهجرة أو عدم الهجرة.

منذ بدء نظام الجمهورية قبل أكثر من أربعين عاما أخذ الإيرانيون بالهجرة وتقدر مصادر عالمية أن ما بين مئة وخمسين إلى مئة وثمانين ألف إيراني من أصحاب الكفاءات يغادرون البلاد سنويا الأمر الذي يخلق خسائر غير منظورة لإيران تصل إلى مئة وخمسين مليار دولار سنويا وفق ما صرح به وزير العلوم الإيراني.

في الأيام العشرة القادمة قبل الاقتراع قد تحدث مفاجآـت… لكن أبرز المفاجآت المتوقعة هي انسحاب بعض المرشحين لصالح المرشح إبراهيم رئيسي، وفي هذا تأكيد لما قالته المعارضة بأن الانتخابات ما هي إلا مجرد تعيينات يقوم بها المرشد على هواه.