الأنظار تتجه للأذرع الإيرانية في العراق، والتساؤلات كثيرة عن طبيعة عملها وكيفية توغلها في الداخل العراقي.

أعادت عملية إغتيال الناشط المدني في مدينة كربلاء إيهاب الوزني، الحديث مرة أخرى عن طبيعة الدور الذي تمارسه الأحزاب والجماعات المسلحة المرتبطة بإيران في المشهد السياسي العراقي، بإعتبارها الطرف الأبرز الذي يقف خلف عمليات الإغتيال هذه، وكذلك لكونها المستهدف الأول من الحراك الجماهيري الذي انطلق منذ أكتوبر 2019، بسبب السلوكيات السلبية التي مارستها إيران في العراق خلال الفترة الماضية، ورغم هدوء هذا الحراك الشعبي بسبب تداعيات جائحة كورونا، إلا إن أسباب انفجاره لا زالت متوفرة حتى اللحظة، بسبب إصرار التيار السياسي المقرب من إيران على إعادة هندسة الواقع السياسي العراقي، بالشكل الذي يخدم حظوظه الإنتخابية قبل خوض غمار الإنتخابات المبكرة في أكتوبر المقبل.

شهدت مرحلة مابعد إندلاع تظاهرات تشرين الإحتجاجية العديد من عمليات القتل والإغتيال والخطف التي طالت ناشطين عراقيين، بسبب مواقف سياسية عديدة أهمها؛ تصحيح مسار العملية السياسية وتحقيق العدالة الإجتماعية، والقضاء على الفساد الإداري والمالي، وإنهاء النفوذ الخارجي – الإيراني تحديداً، وهو ما إتضح بالهجمات المتكررة التي تعرضت لها القنصلية الإيرانية في مدينة كربلاء والنجف، هذه المواقف قابلتها الكتل السياسية بحالة من التماهي المشروط والكبت المنظم، حيث شرعت قانون إنتخابي يضمن لها إعادة تدوير نفسها عبر العملية الإنتخابية، إلى جانب فرض نفوذها بشكل أو أخر على هيكلية المحكمة الإتحادية، والأكثر من ذلك سمحت للمليشيات والجماعات المسلحة التي تمتلك أذرع سياسية المشاركة بالإنتخابات، رغم صدور العديد من القرارات التي فكت الإرتباط بين المليشيات المسلحة والأحزاب السياسية الممثلة لها في البرلمان العراقي.

الحكومة العراقية عاجزة عن قمع الأذرع الإيرانية

وفي هذا الإطار؛ لا زالت الحكومة العراقية عاجزة عن ضبط إيقاع المليشيات المسلحة المقربة من إيران، كونها المتهم الأول في عمليات الإغتيال التي تطال الناشطين المنددين بالدور الإيراني في العراق، كما إنها لم تفي بوعودها حتى اللحظة في حصر السلاح بيد الدولة، من أجل ضمان نزاهة العملية الإنتخابية، والأكثر من ذلك هناك إصرار سياسي واضح في إبقاء الحكومة العراقية بحالة من العجز الأدائي، وعدم تحقيق أي تغيير في العملية السياسية، كي لا تتأثر حظوظها الإنتخابية في المرحلة المقبلة.

إن مشكلة القوى السياسية، وتحديداً تلك المقرية من إيران، أنها خسرت مكاسبها بإستقالة عادل عبد المهدي، وتعمقت هذه الخسائر خلال حكومة مصطفى الكاظمي، عبر العديد من الإجراءات التنفيذية والغدارية، فرغم إحتفاظها بحد أدنى من المنافع والمناصب، إلا أن معظم الخاسرين من الأحزاب السياسية، فقدوا قدرتهم على التفكير المتوازن، وأصبح الإنتقام والعبثية والوهم، رأس الحربة لمهاجمة حكومة الكاظمي، رغم إنهم ساهموا بشكل أو آخر بمنحه الثقة والمشروعية من خلال تفاهمات سياسية للبيت السياسي الشيعي.

وترتبط بهذه المشكلة مشكلة أخرى، هي بطبيعة الدور الإيراني في العراق، حيث إن إيران وعبر الأجنحة المسلحة المرتبطة بها، لا تريد التفريط بهذا البلد، لما له من اهمية جيوسياسية وإقتصادية عسكرية، ومن أجل تحقيق ذلك؛ استندت الرؤية الإيرانية في تعاملها مع الواقع العراقي إلى تحقيق غايتين أساسيتين: أن تكون إيران قوة متنامية تمسك بكل خيوط اللعبة السياسية والأمنية من جهة، ومن جهة أخرى أن تكون قوة وصاية مؤثرة في مجمل القضايا العراقية، ومن أجل تحقيق ذلك رسمت إيران الملامح الشاملة التي تشكل تفكيرها الإستراتيجي والعسكري في العراق، الذي يستند بالحاجة إلى تأكيد دور إيران المهيمن في العراق.

إن الإنتخابات المبكرة ورغم وجود العديد من العقبات الفنية والسياسية التي تقف في جه تنفيذها في الموعد المحدد، إلا إنها ستشكل من جانب أخر إختبار حقيقي لمدى قدرة النظام السياسي على إستيعاب الزخم الجماهير المتصاعد عقب موجة الإغتيالات الأخيرة، حيث أعلنت العديد من القوى السياسية المنبثقة عن حراك تشرين مقاطعتها العملية الإنتخابية، كتحرك جماهيري لإسقاط الشرعية السياسية عن الإنتخابات المبكرة، والنتائج التي ستنبثق عنها، ومع أن خيار مقاطعة الإنتخابات قد يمثل إستراتيجية ناجعة لمواجهة التعنت السياسي، إلا إنه يمثل من زاوية أخرى ترسيخاً لرؤية الحراك التشريني بوصفه حركة إحتجاجية ليست شريكة في العملية السياسية الخاضة لتأثير أحزاب ومليشيات مرتبطة بإيران، وأنها ليست جزءاً من اللعبة السياسية التي إحترفت المماطلة وتمييع حقوق المتظاهرين، وإن الإستمرار بالعملية الإحتجاجية هو الطريق الأفضل لتحقيق المطالب.

المتظاهرون يفقدون قوة القدرة على الضغط

إن عدم قدرة الشارع العراقي المزاوجة بين العمل السياسي المنظم أو الإستمرار بالحركة الإحتجاجية، بسبب ظروف جوهرية وموضوعية، أفقدت المتظاهرين القدرة على صنع قوة ضغط في مواجهة الطبقة السياسية، خصوصاً في إطار المنافسة الإنتخابية، فهناك حالة عدم توازن بين أوراق القوة التي تمتلكها الحركة الإحتجاجية، وأوراق القوة التي تمتلكها الطبقة السياسية، وحالة عدم التوازن هذه هي ما جعلت القوى السياسية تتفاوض فيما بينها على المنافع الإنتخابية، ومنها تلك المتعلقة بقانون الإنتخابات أو المحكمة الإتحادية، وبالإطار الذي يهندس العملية الإنتخابية المقبلة ضمن حساباتهم السياسية الدقيقة.

يمر العراق اليوم أمام مفترق طرق، إصرار حراك تشرين على تحقيق المطالب، يقابله إصرار سياسي من قبل الطرف المرتبط بإيران على القمع، وبين هاتين الرؤيتين تزداد الهوة بين النظام السياسي والقاعدة الشعبية، فهناك اليوم حكومة عاجزة وبرلمان مشلول ومليشيات ناشطة ونقمة شعبية متصاعدة، وفي ظل هذا المشهد المعقد يمكن القول أننا مقبلون على فترة حرجة جداً، خصوصاً مع تزايد الدعوات الشعبية لمقاطعة الإنتخابات، بعد وضوح تأثير الأحزاب والمليشيات المرتبطة بإيران عليها.

إن عدم قدرة النظام السياسي في العراق على إنتاج بديل ديمقراطي حقيقي طيلة السنوات الماضية، أوجد حالة من التمرد الشعبي على الطبقة السياسية الحالية، وأنتج حِراكات مستمرة ضد القائمين على هذا النظام، ولعل الإشكالية الأبرز في هذا الإطار؛ إن الطبقة السياسية الحالية أسست العملية السياسية على توازنات خارجية، أبرزها الأمريكية – الإيرانية، بحيث أصبح العراق اليوم جزءاً من صفقة سياسية يتم النقاش حولها في فيينا، ضمن جهود إعادة إحياء الإتفاق النووي بين طهران وواشنطن، ولذلك فإن حالة التوازن الخارجي هي من أفقدت الثقة بهذا النظام، وأعطت دليلاً وأضحاً على العقدة الكبيرة التي تعيشها الطبقة السياسية الحالية.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن