الانتخابات الفلسطينية.. هل يتم تأجيلها؟

منذ منتصف يناير الماضي عندما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن السلطة الفلسطينية ستجري الانتخابات التشريعية في الثاني والعشرين من مايو القادم تماشيا مع الاستحقاق الدستوري والضغوطات الإقليمية والعالمية والساحة الفلسطينية مزدحمة بالحوارات والسجالات بين التحليل والتشكيك والأمنيات.

اتفقت الفصائل الفلسطينية على ضرورة الانتخابات لعلها تعمل على توحيد الصف وترسم سياسة وطنية موحدة تخدم الحالة الفلسطينية وتنتقل بها نحو الاستقرار.

فالحاجة باتت الآن ماسة لتعزيز الوحدة الوطنية وأضحت السياسة الفلسطينية بحاجة إلى تغييرات جذرية.

لكن النتائج المتوقعة قد لا تكون مثلما يحلم بها القادة التقليديون؛ ففي العادة كان يفوز المرشحون الرسميون لكن عدم إجراء الانتخابات منذ أكثر من خمس عشرة سنة ووجود جيل جديد من الناخبين الذين لم يسبق لهم أن شاركوا في أي انتخابات وقدر عددهم بمليون مواطن قد يحدث فرقا واضحا في النتائج.

ومع ذلك فلم يعد هناك خشية من فوز كاسح لمرشحي حركة حماس بعد أن تم تغيير قانون الانتخاب الفلسطيني باستخدام نظام التمثيل النسبي الذي يحدد الترشح ضمن قوائم.

وهناك الآن أكثر من مليونين ونصف المليون مواطن فلسطيني يحق لهم الاقتراع مع توقع نسبة مشاركة تصل إلى سبعين في المئة.

بالإضافة إلى قوائم حماس في قطاع غزة هناك ثلاث قوائم رئيسية في الضفة الغربية هي قائمة فتح العاصفة ويترشح فيها قادة فتح التقليديون بزعامة محمود العالول وجبريل الرجوب.

ثم قائمة الحرية التي شكلها ناصر القدوة ومروان البرغوثي وتضم اثنين وستين مرشحا من غير الراضين عن أداء حركة فتح وهي السلطة الحاكمة في الضفة الغربية ثم قائمة المستقبل التي شكلها سري نسيبة وسمير مشهراوي.

يبلغ مجموع القوائم ستة وثلاثين قائمة تسعة وعشرون منها للمستقلين، ومن الواضح أن كثرة المرشحين الذين وصل عددهم إلى ألف وثلاثمئة وتسعة وثمانين مرشحا بينهم أربعمئة وخمس نساء قد تشتت الأصوات ومع ذلك قد يتكتل الفائزون بعد الانتخابات لتكون الغلبة في ذلك لحركة فتح لمواجهة حركة حماس.

ومهما كانت النتائج فإن المهم هو شكل الحكومة الفلسطينية القادمة، حركة حماس أكدت من جانبها أنها لا تطمح إلى مناصب حكومية وستكتفي بوجودها في المجلس التشريعي لكن أبرز المسؤولين الفلسطينيين وهو جبريل الرجوب قال إن الحكومة القادمة بعد الانتخابات ستكون حكومة ائتلافية تضم مختلف أطياف السياسة الفلسطينية.

ولكن إلى حين اكتمال الانتخابات وتشكيل الحكومة برزت الآن مجموعة مشكلات واحتكاكات بعضها داخل اللجنة المركزية لحركة فتح وبعضها الآخر بين الفصائل بعضها مع بعض.

مشكلة اللجنة المركزية بدأت عندما شكل عضو اللجنة ناصر القدوة قائمة الحرية مع مروان البرغوثي، أثار تصرف القدوة حفيظة اللجنة المركزية لحركة فتح فقررت فصله.

يعارض القدوة التفاهمات التي تمت بين حركتي فتح وحماس لكن السبب الحقيقي للنقمة على ناصر القدوة قد لا يكون خروجه عن النص وتشكيل قائمة مستقلة ولكن لموقفه من تلك التفاهمات التي يرى أنها مجرد وصفة لتكريس الانقسام واقتسام السلطة.

حاولت فتح التقليل من أهمية انفصال القدوة لكن مسؤولا في الحركة وصف ما قام به القدوة بانه ردة مؤكدا أن الحركة قوية ومتماسكة.

غير أن تشكيل هذه الكتلة وبدعم من المناضل الأسير مروان البرغوثي الذي يحظى بتأييد شعبي ومكانة رفيعة بين الفلسطينيين يشكل تحديا رئيسيا لحركة فتح وهناك في الحركة من لا يريده قائدا وزعيما للشعب الفلسطيني.

لكن البرغوثي وهو المعروف بأنه مهندس الانتفاضة ورمز الوحدة الوطنية سيدخل إلى الساحة السياسة راسخا ومكرسا زعيما وطنيا صاحب شعبية من خلال بوابة المجلس التشريعي. فالشعب الفلسطيني ينظر إليه باحترام شديد وتقدير كبير ومن المؤكد أن صوته في المجلس سيكون مسموعا من خلال التيار المؤيد له هناك.

لم يبق على إجراء الانتخابات سوى ثلاثة أسابيع ومع ذلك لا يزال كثيرون يخشون أن تقدم السلطة على تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى.

احتمالات إجراء الانتخابات واحتمالات إلغائها متساوية، وهناك من يعتقد أن السلطة الفلسطينية ترغب أن يحدث ما يوجب إلغاء الانتخابات مثل اشتداد حالة وباء الكورونا مثلا؛ أو رفض إسرائيلي علني ومباشر وضاغط يمنع مواطني القدس المحتلة من العرب من المشاركة في الانتخابات. وقد سبق لإسرائيل بحسب ما يقوله أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح أن ضغطت وطلبت إلغاء الانتخابات.

لكن السلطة الفلسطينية تبدو مصرة على أن يشارك المقدسيون في الانتخابات والا فإنها ستقوم بإلغائها، وقد ألمح إلى ذلك عزام الأحمد عندما قال إنه لا انتخابات من دون القدس، وهذا يعني تلميحا أن منع إسرائيل إجراء الانتخابات في القدس سيكون مبررا كافيا للرئيس محمود عباس لإلغائها.

لكن الخبراء والمتابعين للشأن الفلسطيني يرون أن الحديث عن أي تأجيل أو إلغاء هو حديث غير عملي والانتخابات باتت ضرورية لأنها المدخل لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني.

أما إلغاء الانتخابات فسيكون شديد الكلفة من الناحية السياسية كما سيكون له ثمن سياسي كبير. كما أن التأجيل سيترتب عليه تكريس انقسام غزة والضفة الغربية.

كذلك يعتقد خبراء انه إذا ما رأت قيادة فتح أن خسارتها للانتخابات مؤكدة ومدوية فقد يتم القرار بالإلغاء أو التأجيل تحت ذريعة رفض إسرائيل مشاركة سكان المدينة في الانتخابات.

فالسلطة الفلسطينية تدرك أن الذريعة التي تنتظرها إسرائيل هي إصرار السلطة على إشراك المقدسيين في الانتخابات والتأكيد أن الانتخابات لن تجري بدون القدس برغم تهديد إسرائيل بسحب هويات أبناء القدس في حال أنهم شاركوا في الانتخابات.

فهل تسعى السلطة الفلسطينية إلى جر إسرائيل لاتخاذ قرار بمنع مواطني القدس من المشاركة وبهذا تكون قد حصلت على الذريعة المطلوبة لإلغاء الانتخابات أو تأجيلها؟

فالتصريحات الفلسطينية تؤكد أن الانتخابات لن تجري بدون القدس التي يعتبرها الفلسطينيون خطا احمر ولن يقبلوا أن لا تسمح إسرائيل بإجراء الانتخابات فيها.

ولذلك يحاول الرئيس الفلسطيني عبر اتصالات إقليمية ودولية تامين الموافقة الإسرائيلية على إشراك مواطني القدس في الانتخابات حتى يمضي قدما فيها وإلا فإن التأجيل هو المرجح.

قد تكسب السلطة القليل من وراء التأجيل لكن تداعيات التأجيل الذي سيكون بحكم الإلغاء قد يحفز الجيل الجديد من القيادات الفلسطينية للتمرد على السلطة التقليدية.

في حال إجراء الانتخابات فليس المهم نتائج الانتخابات بحد ذاتها فكل الذين سيفوزون هم من داخل الإطار العام للحركة الوطنية الفلسطينية لكن الأكثر الأهمية هو نوع التحالفات التي قد تتم بعد إقرار النتائج النهائية ومن هناك ستبدأ المعركة الحقيقية للديمقراطية.