عندما قُتل رجل الدين الكيني المسلم “عبود روغو” في حادث إطلاق نار من سيارة مسرعة في العام 2012، لم يتخيل أحد أن تأثير ذلك سينتشر حتى جنوب أفريقيا.

ومع ذلك، شهد التمرد في موزمبيق انتشارًا مستمرًا للإرهاب ضدّ المدنيين، إذ يسعى المقاتلون إلى تحويل المنطقة إلى نمط غريب من الإسلام الراديكالي. وبحلول الأسبوع الثاني من نيسان/أبريل، قال المسؤولون إنهم يتوقعون جولة جديدة من الهجمات بعد كمين قاتل آخر في بالما، وهي المنطقة الغنية بالغاز في مقاطعة كابو ديلجادو في موزمبيق.

وفي عهده، أصبح “روغو” بمثابة طعنة في خاصرة السلطات. إذ حين توفي، كانت الأمم المتحدة قد أدرجته ضمن قائمة الداعمين للإرهاب. وتضمن ملفه الإجرامي في كينيا اتهامات مثل جمع الأموال لجماعة الشباب الصومالية المتشددة. كما أتُهم باعتباره رئيس أيديولوجية الخلية الإرهابية الكينية المعروفة بإسم الهجرة التي تحولت من ما كانت تعرف فيه في ذلك الوقت كمركز الشباب المسلم في نيروبي . وذات يوم، أغلقت الشرطة أبوابها، متهمة “روغو” باستخدام المركز لإلقاء محاضراته المتطرفة.

حين قُتل في آب/أغسطس 2012، كان “روغو” قد أهان باستمرار بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وجمع الأموال ونظّم ممرات للمقاتلين لمغادرة البلد, وبنى المساجد لجمع الشباب الذين طردوا من مراكز العبادة لاعتبارها متطرفة للغاية.

وهذه الأمور التي قام بها هي التي أحبها الكثير من الشباب، لكنها قد ألهمت من وصفوا ب “أيتامه” للبحث أيضا عن الاستمرارية.

قال أحمد مويني، وهو المنسق السابق لبرنامج مكافحة التطرف العنيف الذي أداره الاتحاد الأوروبي في كينيا حتى عام 2019: “أرادت هذه المجموعة من الشباب ممارسة العبادة بشكل مختلف”.

ووفقًا لما أفاد به مويني لـ”أخبار الآن”، “لقد وجدوا العزاء في المساجد حيث لا يستطيع الشيوخ العاديون تقييدهم، وهذه المساجد قد بناها “روغو” وشبكته. وينضم إلى هؤلاء الشباب كينيون وصوماليون وتنزانيون احتشدوا لبناء أو خلق خلافة.

أدت وفاة “روغو” وجهود مكافحة الإرهاب المستمرة في كينيا إلى زيادة صعوبة الأمر لدى الشباب في البقاء على قيد الحياة. وأصبحت مقاطعة كابو ديلجادو شمال موزمبيق بمثابة مخبىء جيد.

وفي تشرين الأول/أكتوبر 2017 أشعلت تلك الجماعة شرارة الإرهاب الأولى. وباستخدام المناجل والبنادق، استهدف عناصرها مركزين للشرطة ومباني حكومية أخرى في موسيمبوا دا برايا، وهي إحدى المقاطعات السبعة عشر في شمال مقاطعة كابو ديلجادو, ما أسفر عن قتل ما لا يقل عن 20 شخصًا.

وشنّت الجماعة هجمات على مراكز الشرطة والحافلات وخمس قرى، واحدة منها تُعدّ مركزًا لمعمل غاز أنشأته شركة النفط الفرنسية توتال. وفرض المتمردون حصارا على مناطق موسيمبوا دا برايا وماكوميا ونانغادي وبالما وكيسانغ.

تُعتبر موزمبيق فقيرة بشكل عام، والعدد الكبير للشباب العاطلين عن العمل شكل فرصة كبيرة للتجنيد. ووفقًا للبنك الدولي، يعيش ويعمل أكثر من ثلثي سكان البلد البالغ عددهم 31 مليون نسمة في المناطق الريفية. ويعتمد اقتصادها على الأراضي الصالحة للزراعة وثلاثة موانئ بحرية, وكان يعتمد على آبار الغاز المكتشفة حديثًا لتعزيز الاقتصاد.

كما أن البلد يتعافى أيضا من سنوات من الصراع, وشهد بعض الاشتباكات بشكل روتيني منذ أن وقّع حزب ” فريليمو” الحاكم اتفاق سلام مع المعارضة “رينامو” التي تحتفظ بجناح عسكري مسلح. وقد عُقد اتفاق سلام جديد في آب/أغسطس 2019 مع “رينامو”، قبل أن يزيد المقاتلون الإسلاميون من وتيرتهم.

لكن كيف ازداد التمرد؟ أفاد منسق برنامج بحثي للمرصد الريفي في موزمبيق “جواو فيجو”، أن المجموعة نشأت من قوة المساجد الجديدة التي بناها من وصفوا بأنهم يتمنون الخير لغيرهم  في المنطقة والذين ظهروا فجأة على الساحة.

وقال “فيجو” في مقابلة: “كانوا يبنون المساجد. حصل الشباب على وعد بالحصول على مساعدات مالية لبدء أعمالهم التجارية. هذه أنشطة قانونية للغاية، لكن المسؤولين لم ينتبهوا لمصدر الأموال. كانوا يتحدثون الإنجليزية والعربية والسواحيلية وهي لغة وطنية في كل من كينيا وتنزانيا، ما يؤكد أقوى الارتباط بروغو. واللغة الرسمية في موزمبيق هي البرتغالية.

وأكد أنه “مع ظهور مساجد جديدة، ظهرت أفكار راديكالية جديدة أيضًا. أصبح القرويون المحافظون غير مرتاحين، لذا طردوا المتطرفين، لكن هذا جعل الأمر سهلا بالنسبة للبعض أن يصبح متطرفًا”. أضاف “في موكيمبا دا برايا التي تعتبر مصدر التمرد، وقعت اشتباكات عرقية وسياسية تقليدية في الماضي، ما سهّل حشد الشباب ليصبحوا مقاتلين”.

أدى التشابه في صعود الجماعات العنيفة في كينيا وموزمبيق إلى جعل مركز أبحاث يصف التمرد في كابو ديلجادو بأنه من بقايا خلافة “روغو” الوليدة.

اعتمدت أفكار “روغو” على شكل راديكالي من الإسلام الصوفي. ومع ذلك، لا يمكن للخبراء الاتفاق على ما تسعى إليه الجماعة أو حتى اسمها، باستثناء الرغبة المعلنة في الخلافة.

عُرفوا عمومًا باسم أهل السنة والجماعة، على الرغم من أن الموزمبيقيين يسمونها محليًا بالشباب. وليس لها صلة معروفة بالجماعة الصومالية المتشددة التي تحمل الإسم نفسه. كما وصفها مسؤولو الأمم المتحدة مؤخرًا بأنها مجموعة غامضة، حتى بعد مقتل أكثر من 2000 شخص منذ عام 2017.

وعليه، في العام 2019، قال تنظيم داعش إن المجموعة الموزمبيقية والجهاديين في جمهورية الكونغو الديمقراطية جزء من ولاية وسط أفريقيا التابعة لتنظيم داعش. وأعلن التنظيم مسؤوليته عن عدد من الهجمات التي شنها في موزمبيق.

يشير البروفيسور يوسف آدم، وهو المؤرخ في جامعة إدواردو موندلين في موزمبيق، إلى رواية حدثت منذ فترة طويلة قبل انغماس الجماعة في أعمال العنف. وقال :” دأب مزارعو المحاصيل ومربو الماشية على القتال بشكل روتيني على الأرض. لكن الفكر المتطرف الذي أدخله المتمردون هو الذي أدى إلى تأجيج التوترات.

أضاف آدم أن “هذه الانقسامات بقيت من دون معالجة منذ السبعينيات. وهذه المنطقة يعيش فيها عدد كبير من الفقراء وتشهد انعداما للمساواة”، مشيرًا إلى أن نسبة الأمية في المحافظة هي أكثر من 60% , فيما تبلغ نسبة الأمية الوطنية 44٪، ما يجعل تلك المنطقة من أكثر المناطق تخلفًا في البلد.

وقال “قد يشتبك الجيش مع المقاتلين. لكن ما نحتاج إليه هو قطع الإمداد [بالمقاتلين]. من أين يأتون؟ ما الذي وعدوا به؟ لم أرَ معالجة لهذه الأسئلة”.

بدأت المجموعة استهداف المنشآت الحكومية. لكن حين ردّ الجيش بشن هجمات، غيّرت المجموعة تكتيكها باستهداف المدنيين بنمط مميت, من قطع الرؤوس والخطف والتعذيب وإشراك الأطفال.

تُظهر بيانات مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح أن المقاتلين الموزمبيقيين زادوا من وتيرة هجماتهم إلى ثلاث هجمات كل أسبوع، مستهدفين المدنيين, فيما بقي عدد المعارك المباشرة مع قوات الأمن قليلا أو استخدام المتفجرات الانتحارية.

وهذا التغيير في السلوك، وفقًا للمحللين في معهد جنوب افريقيا للدراسات الأمنية، يتوافق مع جميع الجماعات التي تحالفت مع داعش.

تعرضت القرى للهجوم في موزامبيق، وأُحرقت مراكز الشرطة والحافلات، وقُطعت رؤوس أطفال لا تتجاوز أعمارهم 11 سنة ,واغتُصبت النساء. معظم المقاتلين هم من الشباب، كما هو الحال مع معظم مجموعات داعش.

قال المحللان في المعهد الدولي للمهارات المتخصصة ديفيد إم ماتسيني وإستاسيو فالوي في مدونة على الإنترنت: “المنطقة هي أرض خصبة للتطرف، وفيها ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع معدل الأمية, وقلة الخدمات إن وجدت في هذه المقاطعة المنسية”.

أجرى المعهد دراسة في موزمبيق العام الماضي ووجد أن الشباب قد حصلوا على وعود بالمال والوظائف والمنح الدراسية للانضمام. كما وجدوا أنهم يتحدثون لغات أجنبية متنوعة بما في ذلك العربية والسواحيلية , ويمارسون شكلاً متطرفًا من الإسلام غالبًا ما يُرفض في المساجد الرئيسية.

تجلّت تداعيات هذا الأمر بنزوح هائل. وتفيد الأمم المتحدة بأن عدد النازحين داخلياً ارتفع من 70 ألفاً قبل عام إلى أكثر من 700 ألف في بداية نيسان/أبريل.

قال مساعد المفوض السامي للعمليات في المفوضية رؤوف مازو: “إذا نظر المرء إلى السرعة التي نرى بها ارتفاع عدد النازحين داخلياً، فنعلم أن الفرصة التي أمامنا تضيق”.

على الورق، تعهد المجتمع الدولي، بما في ذلك الكتلة المحلية للتعاون الإنمائي للجنوب الأفريقي بالمساعدة. وفي بداية نيسان/أبريل، قالت مجموعة سادك إنها سترسل “مساعدة فنية” إلى موزمبيق، على الرغم من أنها لم توضح الآلية. كما أشار رئيس موزمبيق فيليب نيوسي إلى أنه لا يريد قوات أجنبية، ربما خوفًا من غياب جدول زمني حول المدة التي يمكن أن تبقى فيها هذه القوات. كما هو الحال، يقول الجيش الموزمبيقي إنه هزم المتمردين خارج بالما.

وتزعم مديرة منطقة الجنوب الأفريقي في هيومن رايتس ووتش ديوا ماهفينغا أن “الحكومة بحاجة ماسة إلى المساعدة من مجموعة التنمية للجنوب الأفريقي والاتحاد الأفريقي”.

“يثير تصاعد الهجمات المروعة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2017 مخاوف من امتداد الهجمات إلى مقاطعات أخرى في موزمبيق والدول المجاورة. وهذا يحتم على الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي والاتحاد الأفريقي اتخاذ تدابير عاجلة لمساعدة موزمبيق في حماية المدنيين وإنهاء الانتهاكات.

قد تكون موزمبيق قد استعادت بالما، لكن بعض المراقبين يعتقدون أن المسلحين أظهروا قوة هجومية أكبر ويمكنهم بسهولة استعادة المدينة.

أفاد تقرير صادر عن شركة “Babel Street”، وهي شركة أمريكية لتحليل البيانات الاقتصادية، بأن المقاتلين تم دعمهم من خلال عمليات مالية غير مشروعة تمكنهم من الوصول إلى الأسلحة وتجنيد المزيد.

وخلال هذه الفترة، رفعت الأمم المتحدة نداءً إنسانيًا بقيمة 254 مليون دولار. تم جمع أقل من 10% بحلول نيسان/أبريل.

“بدأ موظفونا ذرف الدموع عندما سمعوا قصص المعاناة التي ترويها الأمهات في مخيمات النازحين. قال تشانس بريجز، وهو مدير مجموعة المملكة المتحدة الخيرية “أنقذوا الأطفال” في موزمبيق، “ينبغي أن يتوقف هذا العنف، ودعم العائلات النازحة كي تتعافى من الصدمة”.

“يجب على جميع أطراف هذا النزاع التأكد من أن الأطفال لن يُستهدفوا أبدًا. ويجب عليهم احترام القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتقليل الضرر العرضي للمدنيين، بما في ذلك إنهاء الهجمات العشوائية ضد الأطفال”.

بينما اتُهم المسلحون والقوات الحكومية بارتكاب فظائع. عندما شنت جولة جديدة من الهجمات في كانون الأول/ديسمبر، علقت شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال أنشطتها وأجلت معظم موظفي أفونجي. وبحلول بداية نيسان/أبريل، أعلنت شركة توتال استئناف العمل في الموقع في بالما.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن