في الوقت الذي كان فيه وزراء خارجية التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش الإرهابي مجتمعين لمراجعة استراتيجية مواجهة التنظيم قام مسلحون من التنظيم في موزمبيق بمهاجمة بلدة بالما وميناءها واحتلاله بعد معركة استمرت ثلاثة أيام أوقعت عشرات القتلى؛ دق هذا الحدث جرس إنذار في أكثر من عاصمة من عواصم إفريقيا خصوصا وأن تنظيم داعش أعلن مسؤوليته أيضا عن كمين استهدف مجموعة حافلات كانت تقل العشرات من أحد فنادق المنطقة وأدى الكمين إلى مقتل خمسة وخمسين شخصا بينهم سبعة من الأجانب.

المناطق التي أحكم داعش السيطرة عليها كانت شاسعة وأدت إلى نزوح آلاف من السكان. ولأنها مناطق استثمارات في مشروعات الغاز فإن استمرار وجود الإرهابيين فيها يشكل تهديدا جديا لموزمبيق وغيرها من دول الجوار وبصورة خاصة جنوب إفريقيا.

غير أن هذا التهديد ليس جديدا في موزمبيق فهو ماثل للعيان منذ أربع سنوات على الأقل لكن الحكومة لم تكن قادرة على ضبط الأمن بسبب العديد من المشكلات الداخلية وقد اتهمها خصومها بأنها مقصرة في مواجهة مسلحي تنظيم داعش.

ولذا يخشى كثيرون من أن استمرار سيطرة التنظيم على منطقة الميناء والاستثمارات سيصبح مشكلة مزمنة للدولة يصعب حلها.

هذا الحادث الإرهابي في موزمبيق الذي يوصف بأنه يشكل نقلة نوعية في أعمال التنظيم في إفريقيا فتح الباب أمام العديد من التساؤلات المتعلقة بتنظيم داعش وكيفية عودته إلى إفريقيا وما هي الأهداف المرحلية التي يسعى إليها في الوقت الحاضر وبخاصة أنه خسر الكثير في العراق وسوريا وتلقى ضربات موجعة هناك واضطر للخروج مهزوما.

يبدو أن تنظيم داعش يستشعر أن أوضاع إفريقيا مواتية لأعماله الإرهابية فأرسل مقاتليه من العراق وسوريا وليبيا إلى إفريقيا.

في إفريقيا كانت العديد من المنظمات والتنظيمات الإرهابية قد أعلنت ولاءها لتنظيم داعش مع أن معظمها لا يتفق كثيرا من الناحية الأيدلوجية مع أيدلوجية داعش لكن هذه التنظيمات تتطلع من وراء ذلك إلى الدعم المعنوي والمالي والتسليحي الذي يمكن أن يتوفر لها من وراء هذا الدعم والولاء.

لكن المسلحين الموالين لداعش لا يزالون قليلين في عددهم قياسا لما كان الأمر عليه في العراق وسوريا فأعداد المقاتلين لا يزال يتراوح ما بين ستة آلاف وستة آلاف وخمسمئة مقاتل في المناطق الإفريقية.

وقد ساهم ضعف الحكومات الإفريقية واستفحال الفساد والأوضاع الاجتماعية المزرية والفقر والبطالة والمجاعة إلى خلق بيئة خصبة وحاضنة مناسبة لتفريخ الإرهابيين.

ويرى التحالف الدولي المناهض لداعش أن هناك تعاطفا شعبيا مع التنظيم في بعض مناطق إفريقيا وهذا ناجم عن تلك الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.

ولهذا السبب يسهل تسلل المقاتلين وتهريب السلاح فزادت عمليات داعش الإرهابية في إفريقيا في العام الماضي وحده بنسبة ثلاثين في المئة.

تتركز مناطق وبؤر نشاط داعش أو التنظيمات الموالية له في مناطق مالي ونيجيريا والصومال وموزمبيق وصحراء سيناء.

ومن التنظيمات المرتبطة بتنظيم داعش حركة الشباب الصومالي وبوكو حرام والقاعدة في المغرب العربي وجماعات سيناء.

وقد كانت منطقة شمال إفريقيا مصدرا لتجنيد الإرهابيين وقد توجه الآلاف منهم إلى العراق وسوريا، والآن جفت تلك المنابع ولم تعد مصادر خصبة للتجنيد.

هناك الآن تحذيرات عديدة من أن الواقع الاجتماعي الصعب في إفريقيا قد يسهم في زيادة أعداد من يلتحقون بتنظيم داعش وكذلك ثمة مخاوف من أن العديد من الجماعات الانفصالية والمعارضة قد تلجا إلى التنظيم للحصول على الحماية والتمويل والسلاح لتحقيق أهدافها من خلال العنف.

وترى أوساط أمنية أن استمرار سيطرة التنظيم على ميناء بالما في موزمبيق يشكل تهديدا مباشرا لجيران موزمبيق وقد يعني تغييرا نوعيا في نشاط التنظيم يفتح له الباب لمزيد من العمليات المشابهة الأمر الذي سيجعل محاربته أمرا محتما وبالتالي قد تغرق البلدان الإفريقية في نزاعات وحروب ضد الإرهاب سيطول أمدها وتزيد من وطأة المشكلات التي تعاني منها القارة.

تقصير الحكومات الإفريقية في مواجهة التنظيمات الإرهابية قد ينقل القارة إلى مرحلة جديدة صعبة لان التنظيمات ستعمل حينها بسهولة وحرية وسيكون من الصعوبة بمكان كبير القضاء عليها بدون دفع أثمان كبيرة جدا.

لذلك هناك تعويل كبير على استمرار تماسك التحالف الدولي المناهض للإرهاب ولا بد من تعزيزه من خلال التعاون الإقليمي الأمني والسياسي والاقتصادي لكي يدعم الدول الإفريقية في مواجهة داعش.

ومع أن تنظيم داعش تعرض لهزيمة عسكرية في العراق وسوريا وتم قتل زعيمه في عملية استخبارية نوعية إلا أن هذه الهزيمة كانت حافزا للتنظيم للانتقال إلى أفريقيا التي تشكل جبهة رخوة وساحة يسهل اختراقها وبات تواجده في إفريقيا يشكل تهديدا جديا.

ومع أن تحقيق الخلافة كما يريد التنظيم بات أمرا بعيد المنال وأشبه بالمستحيل إلا أنه يظل حلما قد يجذب كثيرين.

قد تختلف إفريقيا عن غيرها من المناطق بأن فيها تنوعا ثقافيا وإثنيا كبيرا كما أن أغلب المنظمات الإسلامية الرسمية والمجتمعية تعارض تفكير داعش المتطرف من حيث المبدأ.

وبما أن داعش عادة ما يلعب على الأبعاد الطائفية فإن الطائفية التقليدية غير موجودة بقوة في إفريقيا ولذا يصعب استغلالها ويصعب على أيدولوجية داعش أن تجد داعمين كثيرين لها في إفريقيا.

ومثلما فقدت داعش بريقها في المشرق وفقدت حاضناتها في العراق وسوريا فإنه على الأغلب سيكون هكذا مصيرها في إفريقيا.

هزيمة داعش على المستوى العسكري ليست كافية لإزالة تهديده، قد يتم القضاء على قوته المادية وتهديده الأمني المباشر ووجوده لكن تأثيره الإيديولوجي قد يظل مؤثرا ما لم تتم مواجهته بأساليب غير تقليدية.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن