انتهز الرئيس الإيراني حسن روحاني مناسبة عيد رأس السنة الفارسية لكي يشكو في خطاب متلفز من أن العام الذي مضى كان الأسوأ في تاريخ بلاده ولم يمر على البلاد أصعب منه.

لكنه أراد أن يبدو متفائلا ويرسم صورة زاهية لحال البلاد عندما بشر شعبه بان القادم أفضل وأنه يجب النظر إلى المستقبل بنظرة استراتيجية بعيدا عن الإحباط والنزاعات.

ومع أن العالم كله يدرك ما يجري في إيران أصر الرئيس على أن الديمقراطية في إيران رصيد وطني يجب حمايته من اليأس والخوف.

لكن لم تمض أربع وعشرون ساعة على خطاب روحاني المتفائل بالسنوات المقبلة حتى كان أكثر من مئة من الشخصيات الإيرانية المعارضة يوجهون رسالة قوية إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالبه بالعمل على أن تقوم المنظمة الدولية بإجراء ورعاية ومراقبة استفتاء أممي في إيران لأجل تحقيق حكم ديمقراطي عبر انتقال سلمي للسلطة بدلا من حكم الملالي وتحويل الدستور الإيراني إلى دستور ديمقراطي مدني علماني.

لا يزال رموز المعارضة الإيرانية يشبهون الحال في إيران بما كان سائدا في جنوب إفريقيا حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي.

وهذا التشبيه يستدعي المقاربة بما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في ذلك الوقت وهو ما يطالب به رموز المعارضة الآن أن يحدث مع نظام طهران.

في ذلك الوقت عمل العالم الحر معا وبإرادة موحدة بالضغط على النظام العنصري للتخلي عن الحكم وانتقال السلطة إلى أهل البلاد الأصليين وبالتالي سادت الديمقراطية وانتهى نظام الفصل العنصري.

كذلك استطاع العالم الحر قبل ذلك أن يستجمع قواه ويضغط على النظام الفاشي في تشيلي ويسقط حكم الجنرال بينوشيه الذي اضطر للخضوع للإرادة الدولية وإعادة الديمقراطية إلى البلاد.

مطالبة المعارضة الإيرانية التي قالت إنها تمثل ملايين الإيرانيين الذين يعانون في ظل سلطة استبدادية لا يمكن تفسيرها إلا بأن الحال في إيران وصل حدا لم يعد فيه بإمكان المعارضة الداخلية برغم كل ما تحاول القيام به أن تكسر حواجز القمع والاضطهاد التي تمارسها السلطات الإيرانية.

فانتهاكات حقوق الإنسان بلغت حدا غير مسبوق في البلاد، ولم يعد إطلاق النار على المتظاهرين هو المظهر الوحيد للقمع وهناك العديد من أساليب التضيق على الناس حتى في مصادر رزقهم.

المشهد الإيراني على الدوام يحمل مفاجآت، فالرئيس الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي الذي تمنعه السلطات الإيرانية من الظهور في وسائل الإعلام سرب تسجيلا مصورا يدعو فيه قادة إيران لتغيير سياساتهم والاعتذار للشعب عن التقصير والإخفاق في معالجة المشكلات التي وعدوا بمعالجتها.

وقد بدأ خاتمي بنفسه مقدما اعتذاره للشعب الإيراني عما لم يستطع إنجازه، لكنه دعا أولئك الذين يملكون السلطة ولكن لا يمارسون أي وظيفة محددة، قاصدا المرشد، أن يكونوا البادئين في الاعتذار.

لم يستطع خاتمي طوال ثمان سنوات من حكمه ما بين أعوام 1997-2005 أن يرسخ مؤسسات إصلاحية دائمة وما أن ختم فترة رئاسته الثانية حتى جاء الرئيس محمود أحمدي نجاد من تيار المحافظين فأعاد البلاد إلى حكم التشدد والقمع.

ومثله مثل باقي قادة التيار الإصلاحي طالب خاتمي بانتخابات حرة ونزيهة إلا أن هذا الطلب على ما يبدو سيظل مجرد أمنيات.

فالأجهزة الرسمية مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام لن يعطي الضوء الأخضر لأي مرشح إصلاحي لا يتفق نهجه مع نهج المرشد، لكن تسجيل خاتمي لم يعجب التيار المحافظ الذي انتقده بشده وخصوصا عبر صحيفة كيهان المقربة من المرشد واتهمته بانه جزء من مشكلات إيران وأن ما تعانيه البلاد اليوم هو نتيجة لسنوات حكمه.

لكن خاتمي يظل بشكل أو بآخر غير قادر على مواجهة المرشد ومعارضته بصورة جدية. وقد حاول أن يتودد للمرشد أواخر العام الماضي عبر رسالة خطية مطولة يدعوه فيها لأخذ زمام المبادرة لحل مشكلات البلاد.

فالمرشد على ما يبدو غاضب على خاتمي إلى درجة أنه رفض استقباله من بين المهنئين بعد العملية الجراحية التي أجراها بل إنه لم يرد على برقية التهنئة التي أرسلها خاتمي بعد ذلك.

تتزامن هذه الأحداث في إيران مع رأس السنة الفارسية التي تشكل للشعب الإيراني فرصة للمراجعة واستعراض الإنجازات.

ولكن في الحقيقة لا توجد أي إنجازات حقيقية فكل شيء في تراجع واكتملت مآسي الشعب الإيراني بجائحة كورونا التي تتخبط الدولة في محاولة احتوائها.

ما يزيد الضغط على الحكومة الإيرانية والسلطات الحاكمة، انطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو إلى حكومة مدنية وتوحيد صفوف المعارضة لإسقاط حكومة الملالي تحت شعار “لا للجمهورية الإسلامية”.

هذه الحملة يشارك فيها ستمئة من الناشطين ينتمون لمختلف التيارات المعارضة التي تحاول تخليص البلاد من شعارات النظام وقيمه وأيديولوجيته.

ترى المعارضة الإيرانية أن الحكم في إيران طغى وخصوصا في تماديه في تنفيذ أحكام الإعدام بحق المعارضين السياسيين وسجناء الرأي.

وتشير مصادر المعارضة الإيرانية في الخارج إلى أنه في الاثني عشر شهرا الماضية تم إعدام مئتين وتسعة وأربعين معارضا في محاكمات غير عادلة، بالإضافة إلى قيام الشرطة بقتل مئة من المعارضين خلال تظاهرات ومسيرات معارضة وبينهم سبع نساء.

لم يصدر عن أمين عام الأمم المتحدة رد فعل رسميا على رسالة المئة التي دعته إلى حث المنظمة الدولية على تبني رعاية استفتاء أممي لإقرار دستور ديمقراطي جديد وإسقاط حكم المرشد لكن مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في دورته العشرين التي انعقدت في جنيف استنكر عدم تعاون السلطات الإيرانية مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان وعدم تطبيقها القرارات الدولية بهذا الشأن ورفضها زيارة مسؤول دولي من المجلس.

يرى كثيرون من الذين يتصدون لنظام المرشد ومن بينهم الرئيس الأسبق خاتمي أن تقييد خيارات الشعب الإيراني في الانتخابات دمرت كل رصيد سياسي كان يمكن للنظام استخدامه للترويج لنفسه.

أما المعارضة السياسية في الخارج فترى أن الشعب الإيراني يستحق نظام حكم تعدديا قائما على احترام حقوق الإنسان وليس على الاستبداد.

الآن تعيش إيران مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية في يونيو المقبل وما لم تتوحد صفوف الإصلاحيين للاتفاق على مرشح قوي فإن خسرانهم سيكون مؤكدا، وتغرق إيران في ظلام سياسي واجتماعي قد يفقد الإصلاحيين قوتهم وفرصهم لسنوات عديدة قادمة.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن