في 22 مارس/آذار وفي خطوة منسقة، أقدمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على بعض المسؤولين الصينيين.

وبموجب هذه العقوبات تجمد أصولهم ويتم منعهم من السفر. وقد اتخذ هذا القرار كعقاب للصين على معاملتها المريعة لأكثر من مليون مسلم إيغوري. ومع العلم أن العقوبات محدودة لناحية النطاق ومطلوب عقوبات أقسى إلا أن هذه البداية، المشكلة الوحيدة تكمن في كون الاتحاد الأوروبي الحلقة الأضعف وتعلم بكين ذلك.

 

في اللقاء الأول الذي جمع إدارة بايدن مع النظام الصيني في أنكوريج، لم ترتدع الولايات المتحدة عن انتقاد الصين. وفي سلسلة تصريحات حادة، صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن “الجانب الأمريكي سيناقش مخاوفه العميقة بشأن الإجراءات الصينية في شينجيانغ وهونج كونج وتايوان فضلًا عن الهجمات الإلكترونية على الولايات المتحدة والإكراه الاقتصادي للحلفاء.”

 

حسب بلينكن، فإن هذه التصرفات “تهدد النظام القائم على قواعد والذي يضمن الاستقرار العالمي”.

 

ردت بكين ودبلوماسيوها الصاع صاعين على لسان يانغ جيتشي وهو دبلوماسي صيني رفيع المستوى. وقال جيتشي “الصين تعارض بشدة التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية للصين. أعربنا عن معارضتنا الشديدة لتدخل كهذا، وسنتخذ إجراءات حازمة للرد”.

 

من جهته دعا الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” إلى ضرورة التعاون مع الدول الصديقة حول العالم من أجل مواجهة القوة المتنامية للصين، بينما تقوم الدول الغربية بتوحيد صفوفها ضد بكين.

وأضاف ستولتنبرغ أن الصين تستخدم سياسة الإكراه ضد جيرانها، وربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو أن الصين دولة “لا تشارك الغرب في قيمه“.

وقال بلينكن إن الولايات المتحدة لن تجبر حلفاءها على الاختيار بينها وبين الصين. إلا أنه حذر من أن على الغرب أن يثبت للدول الديكتاتورية أن الديمقراطية تعلو كل شيء.

ويبدو أن بريطانيا تتفق مع ذلك إذ أن المراجعة المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية شددت على أن الصين لديها قيم مختلفة عن قيم بريطانيا وتمثل تحديات لها.

وبالتالي يدفع النواب في بريطانيا تجاه فرض عقوبات إضافية على المسؤولين الصينيين لمزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في شينجيانغ والتبت وذلك بعد صدور تقرير يزعم أن العمالة بالإكراه تقضي على هوية وحضارة التبت.

ومع انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإن الولايات المتحدة الأمريكية خسرت حليفها الأهم. وعلى الرغم من العلاقات الجيدة مع إدارة بايدن الجديدة إلا أن الاتحاد الأوروبي متخفظ تجاه المواقف الأمريكية العدائية ضد الصين.

ولعل الدليل على ذلك هو الصمت المطبق من قبل الوزراء الأوروبيين في بروكسل عندما دعا بلينكن إلى الاتحاد بوجه الصين والضغط عليها. ورفضت بروكسل وصف المعاملة مع مسلمي الإيغور بـ “الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية” حسب ما صرحت وزراة الخارجية الأمريكية على لسان مايك بومبيو وبلينكن.

وفي موقف غير مستهجن، عبّر مسؤول أوروبي في آسيا عن قلقه إزاء امتلاك الولايات المتحدة أجندة مختلفة ضد الصين.

ولم تختلف وجهة نظر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي صرح في الشهر الفائت بأن “هذا سيناريو لأكبر قدر ممكن من النزاع.”

وبدون شك فإن عملاقي الاتحاد الأوروبي: ألمانيا وفرنسا يسعيان إلى توازن استراتيجي مع بكين وواشنطن بما يضمن أن الاتحاد الأوروبي ليس متحالفًا بشكل وثيق مع إحدى القوتين الكبيرتين في العالم لدرجة أنه مبتعد عن الأخرى.

وعلى الرغم من الموقف المتساهل ناحية بكين عند فرض العقوبات إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هدد الأوروبيين بدفع ثمن “غبائهم وغطرستهم”.

وأضاف أن تصرف الاتحاد الأوروبي هو بمثابة تدخل صارخ بالشؤون الداخلية للصين ويقوّض علاقات الصين والاتحاد الأوروبي.

 

والجدير بالذكر أن الصين لم تنتقم إلا من الاتحاد الأوروبي وفرضت عقوبات على 10 أوروبيين، من بينهم 5 أعضاء في البرلمان الأوروبي.

 

ومن المستغرب أن المتحدث لوّح بإلغاء صفقة الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين التي تم إبرامها في ديسمبر/كانون الأول بعد 7 سنوات من المفاوضات. وللعلم فإن الصين هي المستفيد الأكبر من الاتفاقية.

 

كان هذا المشروع المفضل للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي سعت إليه, لأن ألمانيا من أكبر الشركاء التجاريين للصين في أوروبا وتمثل ثلث إجمالي التجارة في القارة.

 

وبينما كان الاتحاد الأوروبي يصر على أن الصفقة مع الصين سينتج عنها المعاملة بالمثل، إلا أن العكس حدث. تعزز الاتفاقية مكانة الصين في الحرب الإعلامية. بينما تبقي بكين سوقها مغلقاً أمام مستثمري وسائل الإعلام الأوروبية، يفتح الاتحاد الأوروبي أبوابه أمام الدعاة الصينيين، الذين يُسمح لهم بشراء الخدمات الإخبارية أو وكالات الأنباء في غالبية دول الاتحاد الأوروبي.

 

وللمصادفة، يتعين على صفقة الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين أن تمر عبر البرلمان الأوروبي أولًا. الأمر الذي يبدو مستبعدًا بعد فرض بكين عقوبات على 5 أعضاء في البرلمان الأوروبي.

 

وتعرف بكين أن الاتحاد الأوروبي هو الحلقة الأضعف في الغرب. في الواقع ، تتمتع الصين بنفوذ هائل خصوصا بين شركائها التجاريين الكبار أي ألمانيا وإيطاليا. بل أكثر من ذلك، تتمتع بكين بنفوذ كبير في مجموعة 17 + 1، التي أنشأت في العام 2012. وتتألف بأغلبها من دول الاتحاد الأوروبي في وسط وشرق أوروبا وتعزز العلاقات التجارية والاستثمارية مع الصين.

 

وعلى الرغم من استعراض العضلات من قبل الأوروبيين كقول وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي كليمنت بون لرئيس البرلمان الأوروبي ديفيد ساسولي إن أوروبا ليست مستضعفة ولا يمكن إخافتها، إلا أن الصين تعرف أن هذا لا يتعدى كونه مسرحية.

 

الاحتمال ضئيل أن تدفع الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي للموافقة على مزيد من العقوبات ضد بكين خصوصًا أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان شدد على أن العقوبات التقليدية وحدها لا تكفي مع قوى مثل الصين.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن