أزمة لبنان الاقتصادية

صرّح أمين عام جامعة الدول العربية بأن إنقاذ لبنان يُعتبر أولوية بالنسبة للدول العربية. ومع أنّ هذا التصريح لم يُترجم بخطوات عملية، إلا أنه توجه بالكلام إلى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري داعيًا إياه لوضع الانقسامات السياسية جانبًا من أجل الحؤول دون خراب البلد. وهذا تقييم منصف لما آلت إليه الأمور في لبنان في السنة الماضية.

لبنان غارق في أكبر أزمة اقتصادية بتاريخه بالإضافة إلى جائحة كورونا وزد على ذلك الأزمة السياسية التي تبقي على البلد بلا حكومة منذ أغسطس / آب. ولا يبدو أن لذلك أي تأثير، فأقل ما يقال عن الحكومة الفاسدة أنها لم تكن ذات نفع.

تُظهر المؤشرات الاقتصادية والمالية أن لبنان كان يعيش بمستوى يفوق قدراته في العقود الثلاث الماضية. اليوم، وصلت الأمور إلى طريق مسدود.

تعثر البلد عن سداد ديونه للمرة الأولى في العام 2020 حين وصلت نسبة الدين الكارثية إلى 170% من إجمالي الناتج المحلي. أما الليرة اللبنانية فقد وصلت قيمتها إلى مستوى الـ 10،000 مقابل دولار أمريكي واحد. وللعلم فإن سعر الصرف الرسمي ظل 1،507 لمدة 23 عامًا.

يقبع اليوم 55% من سكان لبنان تحت خط الفقر بالمقارنة مع 28% في عام 2018، بينما يعاني 23% من الفقر المدقع بالمقارنة مع 8%.

يعيش في لبنان 1.5 مليون لاجئ سوري مما يزيد من العبئ الاقتصادي في بلد يقطنه اليوم 6.5 مليون نسمة.

وفي الرابع من أغسطس / آب من عام 2020، دوى انفجار مهول في مرفأ بيروت، كان كفيلاً بتدمير أغلب العاصمةة وقتل 207 أشخاص وجرح 6،500 آخرين. وقد شكل هذا الانفجار القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للشباب اللبناني الذين هاجروا إلى أوروبا أو أمريكا أو إفريقيا عند أول فرصة. أما العاجزون عن فعل ذلك فقد دفعهم الإحباط إلى الهجرة بشكل غير شرعي وسط ظروف مرعبة إلى أوروبا.

هذا ولم نأت على ذكر فشل “التحقيقات” في التوصل إلى السبب وراء انفجار الرابع من أغسطس / آب. فالتحقيقات التي كان من المفترض أن تبين مسؤولية شخصيات بارزة في الطبقة الحاكمة، أخفقت، وشكلت صفعة جديدة على وجه الضحايا وأسرهم واللبنانيين أجمع. لقد سلبت الطبقة السياسية من اللبنانيين أي بارقة أمل.

بعض الأصدقاء المقربين من لبنان يحاولون تغيير المعادلة من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي انخرط بقوة بالأزمة اللبنانية. وقد حاول التوسط بغية تشكيل حكومة ذات مصداقية إلا ان الطبقة السياسية لم تعر هذه الجهود أي أهمية.

وإقرارًا منه بهزيمته، قال ماكرون في مؤتمر صحافي إنه “يشعر بالخزي من زعماء البلد” ووصف ما حدث “بالخيانة الجماعية.”

وندد ماكرون بـ “نظام من الفساد يتمسك به الجميع.”

وكانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد فرضت عقوبات على “جبران باسيل” وهو صهر رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس كتلة التيار الوطني الحر، في مسعى لتهميش حزب الله ومعالجة الفساد.

إلا أنه وعلى الرغم من الضغوطات الخارجية، فإن بيروت يحكمها المال والأعمال، كالعادة. حيث تستمر الأوساط الثرية بافتعال الإشكالات بتجاهل تام للمحنة التي يمر بها الشعب.

وفي فضيحة جديدة وعلى أعين برنامج التلقيح الممول من قبل صندوق النقد الدولي، تلقى 10 نواب و5 مساعدين و10 مستشارين للرئاسة اللقاح قبل الوقت المحدد لهم.

وتبقى الهيمنة الإيرانية والتنظيم الإرهابي الشيعي حزب الله حجر العثرة الأكبر لأي نوع من التقدم في لبنان. ففي أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2019، عندما غصت شوارع البلد بالمظاهرات المناهضة للحكومة، كُسر حاجز الصمت مع خروج مظاهرات نادرة في معاقل حزب الله منتقدة الحزب وزعيمه المبجل حسن نصرالله.

وبعد انفجار مرفأ بيروت، دعا بهاء الحريري وهو ابن رئيس الحكومة المغتال رفيق الحريري قاتلي أبيه  – أي حزب الله –  إلى الخروج من السياسة اللبنانية والسماح للبلد بالنهوض مجددًا. وللمفارقة فإن أخيه سعد الحريري تمت إعادته إلى السلطة من قبل حزب الله.

وعلت بين المتظاهرين بعد انفجار بيروت صرخات تنعت حزب الله بالإرهابي. حتى أن بعض المتظاهرين علقوا دمى تجسد زعيم حزب الله حسن نصر الله وقد لُف حبل المشنقة حول رقبته. ومن النادر رؤية هكذا مظاهر احتجاج في لبنان حيث يعبر كثر عن خوفهم من التعرض للأذى بسبب هكذا انتقاد. وللدليل، فإن المفكر الشيعي الشجاع لقمان سليم والمعروف بمعارضته لحزب الله وُجد مقتولًا في فبراير/ شباط من هذا العام وبدم بارد على الأرجح على يد سفاحين مستأجرين من حزب الله. إذ عُثر على رصاصة في ظهره و4 في رأسه.

وفي خطاب أمام الآلاف، اتخذ البطريرك الماروني بشارة الراعي موقفًا شجاعًا وجاهر بمعارضة الطبقة السياسية لاسيما التيار المسيحي الأكبر التابع لرئيس الجمهورية ميشال عون المتحالف مع حزب الله. واستنكر الراعي انقلاب حزب الله ودعا إلى مؤتمر برعاية الأمم المتحدة ليقدم حلًا للطريق المسدود الحالي سواءً حلًا ماليًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا. وهذا أمر مرفوض بشدة من قبل حزب الله. وعلى ضوء الاغتيالات السياسية المرتبطة بـ حزب الله، فإن الراعي يخاطر بحياته في سبيل ما يؤمن به.

لم يجلب حزب الله إلى اللبنانيين سوى الدمار وهو الذي يحكم لبنان منذ سنوات من خلال طبقة سياسية فاسدة. وقد دفع هذا الوضع بالكثيرين للمجازفة وركوب قوارب المهربين من أجل العبور إلى أوروبا. وكبرهان على أن لبنان وصل مرحلة من اليأس، برزت ظاهرة إقدام اللصوص على سرقة فتحات الصرف الصحي من أجل بيعها كصلب علمًا أن سعره ارتفع بشكل جنوني. قبل سنوات مضت، لم يكن هذا المشهد المؤلم ليخطر على بال أحد. فماذا حل بسويرا الشرق يا ترى؟

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن