يقترب الصيف في إيران وتقترب معه استحقاقات مهمة ترافقها أحداث ستزيد من سخونته.

أهم تلك الاستحقاقات انتخابات الرئاسة في شهر يونيو القادم ومسألة الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والقوى الغربية وجائحة كورونا المستمرة وفوق ذلك الاضطرابات والاحتجاجات التي نشبت في بلوشستان وإذا امتدت إلى أكثر من مدينة إيرانية فقد يصعب السيطرة عليها وهذا ليس في مصلحة النظام الإيراني خصوصا قبيل الانتخابات الرئاسية.

التحضير للمعركة الانتخابية يجري على قدم وساق وبدأت تدخل على الساحة شخصيات وازنة ومهمة ستزيد من تعقيد المشهد الانتخابي وتشكل عقبة صلبة في مواجهة التيار الإصلاحي الذي يسعى للفوز لإكمال المسيرة الإصلاحية للرئيس روحاني الذي خدم فترتين متتاليتين. وقد كان للمحافظين الذين يسيطرون على معظم أركان الحكم دور في إعاقة الإصلاحيين من تجسيد وعودهم الانتخابية.

الآن يحتاج التيار الإصلاحي إلى دفعتين خارقتين لتعزيز حظه في الفوز بالرئاسة من جديد أولها العودة إلى الاتفاق النووي بصورة ترضي الشارع الإيراني والثانية رفع العقوبات الأمريكية بالكامل حتى يشعر المواطن الإيراني بفاعلية التيار في علاقاته الدولية.

فيما عدا ذلك يبدو التيار الإصلاحي ضعيفا في مقابل التيار المحافظ المدعوم بقوة من الحرس الثوري والمرشد. وما لم يشارك مؤيدو التيار الإصلاحي في الاقتراع بقوة وفاعلية فلا يمكن لمرشحهم أن يحقق الفوز المطلوب.

أما مرشحو التيار المحافظ فقد بدأوا يستعدون ويتقاتلون فيما بينهم لاستمالة الأنصار والمؤيدين، وقد طفا على السطح الخلاف بين الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد ورئيس البرلمان الأسبق غلام علي حداد وبدأ الاثنان يتقاذفان بالتهم والأوصاف سعيا لكسب رضا المرشد.

وقد تكون هذه الصراعات لمجرد أن يزن كل واحد منهم الآخر قبل بدء المعركة فعليا، ويستغل كل واحد منهم الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج لنفسه.

الصراع الشديد بين الكبار في التيار المحافظ قد يفسح المجال لمرشح إصلاحي معتدل مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي قد تزيد فرصه في الفوز إذا استطاع تحقيق النجاح في الملف النووي مع الغرب قبل الانتخابات.

ولا ينافس ظريف في معسكر الإصلاحيين سوى علي لاريجاني وفي هذه الحالة قد يعمل المحافظون على توحيد صفوفهم والإجماع على مرشح قوي وقد يكون رئيس المجلس القضائي إبراهيم رئيسي الذي يتمتع بفرصة كبيرة للفوز لأن لديه القدرة على تنظيم معسكر المحافظين وجعلهم ينضوون تحت رايته بسهولة.

أما الاستحقاق الثاني وهو الاتفاق النووي فقد بدأت تأخذ أبعادا جديدة والغارة الأمريكية على مراكز لفصائل مسلحة مؤيدة لإيران قرب الحدود السورية العراقية إحدى وسائل الضغط على إيران في هذا الاتجاه.

وثمة دلائل كثيرة تشير إلى أن الإدارة الأمريكية قد لا تعلن موقفها النهائي والحاسم قبل وضوح الرؤية بشأن انتخابات الرئاسة الإيرانية؛ فالإدارة الأمريكية لا تريد أن تقدم شيئا للرئيس روحاني الذي يمثل التيار الإصلاحي ثم يخسر تياره الانتخابات وتذهب المكاسب للمحافظين. فالإدارة الأمريكية تريد رئيسا إصلاحيا مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي يعرف كيفية مخاطبة الغرب وقد يسهل هذا عودة الحياة إلى الاتفاق لأجل دعم التيار الإصلاحي.

ولكن إذا ما جاء رئيس من التيار المحافظ فإن الموقف الأمريكي قد يكون مختلفا لأن التيار المحافظ قد يعقد الأمور مع أن إيران هي الأكثر حاجة إلى عودة الولايات المتحدة للاتفاق إلا أنها الأكثر عنادا وقد تخسر الرهان.

وإذا لم تكن مسألة الملف النووي قد حلت وقت الانتخابات فإنها ستكون مادة ساخنة في سجالات المرشحين وقد يتنافسون على تصعيد التوتر مع الولايات المتحدة ويضيعون فرصة أي حل سياسي لهذا الملف.

الاستحقاق الثالث في إيران هو الأمن والتعامل مع الاضطرابات التي نشبت في إقليم بلوشستان، ربما بدأت التظاهرات بصورة عفوية وتلقائية احتجاجا على مقتل عدد من سائقي صهاريج تهريب النفط عبر الحدود مع باكستان، لكن طريقة قمع الاحتجاجات والاستخدام المفرط للقوة والذخيرة الحية وارتفاع أعداد القتلى كلها مؤشرات إلى ما هو أبعد من مجرد احتجاجات عادية، فالنظام يخشى أن تكون هذه الاحتجاجات بداية انتفاضة شعبية وصفها بعض المعلقين الإيرانيين بانها شبيهة بانتفاضة نوفمبر 2019.

ما يميز هذه الاحتجاجات أنها تتزامن مع حالة اقتصادية مزرية يعيشها الإقليم مثلما هو حال بقية أنحاء إيران، وقد أعلن أحد نواب الإقليم في البرلمان الإيراني أن ثلاثة أرباع السكان بدون عمل وهم يعيشون تحت خط الفقر، وهذا بمثابة جرس إنذار للنظام بان كل محاولات القمع قد لا تجدي نفعا مع مواطنين لا يملكون ما يخسرونه إذا ما تطورت الانتفاضة.

فالغضب الشعبي كان كبيرا وهاجم المتظاهرون مراكز الشرطة وأضرموا فيها النيران واقتحموا مقر حاكم الإقليم وأحرقوه، وهذه الجرأة في المواجهات تفوق سابقاتها وينظر إليها معلقون على أنها قد تؤدي إلى ما هو أكبر خصوصا إذا ما تطورت وامتدت إلى أماكن أخرى في إيران.

لجأت السلطات إلى إغلاق خطوط الهاتف وتعطيل الإنترنت لمنع التواصل بين الناشطين الذين اعتقل منهم العشرات، وقد وصف مركز المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران ما حدث في بلوشستان بانه مذبحة وحشية.

ومع انتقاده لأسلوب القمع الدموي للسكان اتهم المركز الحكومة الإيرانية بأنها تحارب الناس في أرزاقهم، وقد أرسل المركز طلبا إلى الأمم المتحدة للتدخل وحماية الناس من البطش الدموي، وقد كان وصول الأمر إلى الأمم المتحدة إحراجا كبيرا للسلطات الإيرانية.

الاستحقاق الاقتصادي أمر آخر في غاية الأهمية، فالاقتصاد المنهار وتداعيات جائحة كورونا عليه يعني أن الرئيس الذي يمثل تيار الإصلاح سيسلم خلفه اقتصادا منهارا وعملة وطنية وصل سعر صرفها أمام الدولار إلى أدنى مستوى ممكن ومعدل بطالة هو الأعلى في تاريخ البلاد.

واضطر البنك المركزي الإيراني لطباعة أكثر من ثلاثين تريليون ريال لدعم الموازنة وهذا معناه تحميل الاقتصاد عبء هذا المبلغ من العملة الذي ليس له تغطية حقيقية الأمر الذي ضاعف من هبوط سعرها أمام العملات الأجنبية.

إيران الآن في حال لا تحسد عليه من كل النواحي وهذا أمر مضر للغاية بجهود التيار الإصلاحي الذي وعد الإيرانيين بحلول لمشكلاتهم لكنه لم يستطع أن يجد هذه الحلول.

ولذلك فالنظام الآن عليه أن يكافح بصعوبة بالغة لتسليم السلطة بعد الانتخابات بأقل الخسائر إن لم يفز مرشحه بالرئاسة أما إن فاز مرشحه بالرئاسة، وهذا مستبعد حتى الآن، فإن مهمة إعادة البناء والتعامل مع المرشد ومع الحرس الثوري ومع الخصوم من التيار المحافظ ستكون مهمات شاقة.

وما لم يملك النظام الجديد للرئيس الإصلاحي إن فاز القدرة على المواجهة بحنكة وذكاء فانه سيبقى يراوح مكانه وسيكون موضع تندر مثلما كان نظام حسن روحاني في فترته الثانية؛ لكن فوز مرشح التيار المحافظ لا يعني أن الحياة ستكون وردية بالنسبة للشعب الإيراني.

فوز تيار المحافظين في الرئاسة الإيرانية سيؤدي إلى مزيد من القمع ومزيد من التشدد في المواقف السياسية التي ستؤدي إلى توترات مع الدول الأخرى وهذا لن يكون في صالح النظام ولا في صالح الشعب الإيراني.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن