لم يكن مفاجئاً أن تلعب إيران بورقة تصدير الغاز الطبيعي إلى العراق، للضغط على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي بدأ باعتقال عدد من قادة الميليشيات التي تدعمها طهران.. وانتقاما من المناطق الجنوبية التي انتفضت ضد التدخل الإيراني واهمها ذي قار والبصرة.

قرار شركة الغاز الإيرانية بقطع الغاز عن العراق بحجة أنّه مدين بخمسة مليارات دولار للشركة، أثار ردود فعل عراقية غاضبة على طهران تارةً، وعلى السياسيين الفاسدين الذي جعلوا العراق يقبع تحت رحمة النظام الايراني تارةً أخرى.

الغاز أعاد إلى الواجهة الحديث عن ملفات الفساد في وزارة الكهرباء وملفات الغاز المصاحب والطبيعي أيضاً، الذي يحرق عبثاً من دون الإستفادة منه بسبب التقاعس والإهمال والفساد.

إذا اطلعنا على أحدث تقرير صدر عن البنك الدولي نشر في يوليو الماضي، يذكر فيه أنّ العراق يحتل المركز الثاني عالمياً للسنة الرابعة على التوالي بعد روسيا بين أعلى الدول إحراقاً للغاز الطبيعي، إذ تشير بيانات البنك الدولي إلى أنّ العراق أحرق عام 2016 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب من الغاز، ثمّ ارتفع ذلك عام 2019 ليصل إلى 17.91 مليار متر مكعب يحرق في الأجواء.

ولن يتوقف الأمر على ذلك، فكمية الغاز التي يحرقها العراق يومياً وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية تكفي لإمداد ما لا يقل عن ثلاثة ملايين منزل بالطاقة الكهربائية التي يعاني العراقيون من شحّها منذ أعوام.

وزارة النفط تعزو هذا الحرق والتبذير في الغاز الطبيعي، الذي أنعم الله به على العراق، إلى أن قطاع الغاز يعتبر معقداً ويحتاج إلى تكنولوجيا حديثة ذات كلفة مرتفعة جدّاً.. “أعذار وصفها اقتصاديون بالهزيلة”، في حين تتعالى الأصوات لاستثمار الغاز الطبيعي الحر في حقول “عكاز” بمحافظة الأنبار و”سيبة” في البصرة، و”المنصورية” في ديالى.. لكن من دون جدوى، فالإهمال في استثمارها متعمّد لتبقى رهينة إيران.

النائبة عن لجنة الطاقة والنفط النيابية زيتون الدليمي خرجت عن صمتها وكشفت الفساد في عقود استيراد الغاز الإيراني، مؤكّدةً أنّ بغداد تشتريه بأربعة أضعاف السعر الذي تطرحه دول أخرى، فهناك أياد للفاسدين والموالين لإيران مهمتهم أن يبقى العراق مُكبّلاً إزاء ملف استيراد الغاز.

وإذا عدنا إلى العام 2011، فقد وقّعت بغداد عقود تطوير حقل غاز المنصورية والسيبة وعكاز، ثم وقعت عقداً مع شركة شل مشاركةً لإنتاج الغاز من الجنوب. وصرح آنذاك حسين الشهرستاني عندما كان يتولى منصب مستشار لرئيس الوزراء، أنّ العراق سيصدر الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الفساد وهدر الثروات كان أكبر من هذه الصفقات.. حقائق وأرقام لابدّ لنا أن نستذكرها ليعي الشعب العراقي التبذير والفساد الذي يطال ثرواته.

هذا عن الغاز، فماذا عن الفساد الذي ينخر إنتاج الكهرباء؟ فحدث ولا حرج.. وهنا نتساءل: هل سيخرج العراقيون في احتجاجات على تردّي واقع الكهرباء قريباً؟ الجواب بالتأكيد نعم، فقد أصبح ذلك ظاهرة سنوية حتى الحكومة اعتادت عليها. لكن لا مجيب لهم.

ويقول الخبير الاقتصادي باسم انطوان إنّ أربعين إلى خمسين مليار دولار صرفت على توليد الكهرباء خلال السنوات الماضية، ومن المفترض أن يتمّ إنتاج أربعين إلى خمسين ألف ميغاواط، لكن واقع الإنتاج هو 25 ألف ميغاواط فقط.. وهناك 160 إلى 170 ألف منتسب في وزارة الكهرباء، والقاعدة الأساسية تقول إنّ كل ثلاثة لآف منتسب يولدون ألف ميغاواط، أي خمسة أضعاف السعة التوظيفية.

أزمة الكهرباء التي لم تهز الطبقة السياسية بل أنّ إهمالهم لهذه الخدمة الأساسية يدل على أنّهم غير معنيين بخدمة المواطن، والتي هي أساس وظيفتهم التي انتخبوا من أجلها. فالأحزاب مهمتها أن تتلاعب بملفات الكهرباء كلٌّ بحسب مصلحته، وهناك أحزاب تريد أن تتربح من هذه الوزارة وأحزاب أخرى تريد أن تدعم إيران لترضى عليها الأخيرة وتدعمها.. ويبقى المواطن العراقي بين هاتين الكفتين يعاني الأمرين والخسارة.

الفساد في العراق أصبح قصّة يحكى عنها في كلّ المحافل، حيث احتل المرتبة المئة وثمانية وستين عالمياً ضمن الدول الخمسة الأكثر فساداً في العالم. لذلك فإنّنا نقول إنّ المعضلة كبيرة والفساد أكبر عائق أمام تحسّن واقع الكهرباء، كما أنّ الوثائق التي تنشر بين فترة وأخرى تكشف عجز الحكومات المتعاقبة في توفير الكهرباء رغم إنفاق عشرات مليارات الدولارات، والتي كانت تكفي لبناء أحدث الشبكات الكهربائية في العالم.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن