بعد الإمارات والبحرين والسودان، أصبحت المغرب الدولة العربية الرابعة التي أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل برعاية إدارة ترامب. هذا الاتفاق الأخير كان ينبغي أن يكون أقل مفاجأة من الاتفاقات الـ 3 التي سبقته، إذ قال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إن للمغرب تاريخ مهم مع جاليته اليهودية، لم يسمع به من قبل في أي دولة عربية أخرى”. كانت تلك الجالية اليهودية المغربية تمارس ضغوطًا منذ سنوات من أجل هذا الاتفاق، ولا بد أن تعزز الرابطة العاطفية بين اليهود المغاربة وبلدهم الأم هذا الاتفاق لجعله دائمًا.

لقد بنى مجتمع عمره 2500 عام رابطة لا مثيل لها في العالم العربي. اليهود من أصل مغربي لديهم علاقة اندماجية مع المملكة المغربية، بما في ذلك التاريخ والتقاليد واللهجة والفن والموسيقى والشوارع في مدن مثل الدار البيضاء وفاس ومكناس وطنجة، جميعها عناصر تدل على أهمية الجالية اليهودية في المملكة. تتغلغل الثقافة العبرية المتميزة في كل مدينة تقريبًا اليوم، ونجدها في أسماء الشوارع العبرية المعربة والمعابد والأحياء والمقابر اليهودية والمجوهرات البربرية والعربية المستوحاة من تصاميم يهودية، ولربما الكثير من المغاربة سيقولون إن هذا ليس تراثًا يهوديًا فقط بل إنه تراث مغربي.

أمينة المتحف اليهودي بالدار البيضاء زهور رحيل، والذي تأسس عام 1997، قالت: “لدينا في المغرب حياة يهودية من المهد إلى اللحد”. على سبيل المثال، حفل الحناء الذي لا يزال يُقام اليوم بين العائلات اليهودية المغربية، هو حفل حيوي للغاية يقام في المغرب في منزل العروس قبل يوم أو يومين من زفافها، وخلال الأمسية الاحتفالية، يتم وضع الحناء الشبيهة بالطين من قبل والدة العروس أو جدتها  أولاً على كف العروس والعريس ثم على كفوف الضيوف، إذ يقال إن الحناء في هذه الطقوس تحمي الزوجين من الحسد وتباركهما وتجلب لهم التوفيق والصحة والخصوبة.

أيضًا، ما كان يحدث خلال عيد الفصح اليهودي خير مثال على الانسجام بين الأديان، في كثير من الأحيان كان اليهود المغاربة يقدمون كل ما تبقى من الدقيق والخميرة والحبوب في عيد الفصح إلى جيرانهم المسلمين. في المقابل، في نهاية عيد الفصح، خلال ما يعرف باسم عطلة الميمونة الخاصة بالمغرب، كان المسلمون غالبًا أول من يزور جيرانهم اليهود، ويجلبون لهم الحلويات وغيرها من المواد الغذائية المسموح بها. وفي المقابل، تفتح بيوت اليهود في المغرب أبوابها في كثير من الأحيان، وتدعو المسلمين للاستمتاع بالأطعمة الشهية. الآن أصبح يقام احتفالًا كبيرًا بمناسبة عيد الميمونة في إسرائيل أيضًا.

في مثال آخر في قرية أرازان الصغيرة، احتفظ رجلان مسلمان عجوزان بمفاتيح الكنيس التي سلمها إليهما آخر اليهود الذين غادروا المدينة في الستينيات، وحافظوا على المعبد دون أن يمسه أحد لأنهم اعتقدوا أن “بركة” اليهود يجب أن لا تزول.

التراث اليهودي المغربي عزز اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل

صورة أرشيفية قدمها القصر الملكي المغربي في 15 يناير 2020 تظهر الملك محمد السادس أثناء زيارة إلى Maison de la Mémoire ، وهو متحف مخصص للتعايش بين اليهود والمسلمين، في الصويرة

لا يمكن التقليل من أهمية العلاقة الوثيقة بين المغرب وإسرائيل منذ تأسيسها، وذلك بسبب الجالية اليهودية الكبيرة المؤثرة التي مثلت أكثر من 10٪ من إجمالي سكان المغرب في أواخر الأربعينيات. على سبيل المثال، كانت مدينة الصويرة، المعروفة سابقًا باسم موغادور، المدينة الوحيدة في الأراضي الإسلامية التي يمثل اليهود غالبية سكانها، كما أنها ذات أهمية خاصة بسبب الحاخام حاييم بينتو، وهو شخصية مرموقة بالنسبة ليهود المغرب. يوجد حوالى مليون إسرائيلي من أصول مغربية اليوم. ومن المثير للاهتمام، أنه من بين الأجيال الأكبر سنًا، كان الكثير من اليهود المغاربة يتحدثون العربية أكثر من العبرية. تحدث كل من مستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات ووزير التجارة عمير بيرتز في الآونة الأخيرة باللهجة المغربية بطلاقة مع نظرائهم العرب، وفي شرح لتلك العلاقة الخاصة، قال ملك المغرب الحسن الثاني بشكل واضح: “عندما يغادر مواطن يهودي المغرب نفقد مواطنًا، ولكن في نفس الوقت نحصل على سفير”.

عندما يغادر مواطن يهودي المغرب نفقد مواطنًا، ولكن في نفس الوقت نحصل على سفير

في الواقع، لليهود المغاربة أيضًا ارتباط وثيق بالنظام الملكي، وبمرور الوقت، كان لدى ملوك المغرب مستشارون يهود. وفضلًا عن ذلك، لم ينس اليهود أن جد الملك الحالي، السلطان محمد الخامس، قدم الحماية لعدد كبير من السكان اليهود خلال الحرب العالمية الثانية عندما احتلت البلاد من قبل حكومة فيشي الفرنسية. وقال مقولته الشهيرة: “لا يوجد يهود في المغرب. لا يوجد سوى رعايا مغربيين”. وكان لابنه الملك الحسن الثاني عددًا من المستشارين اليهود الرئيسيين، وكانت له علاقة جيدة بإسرائيل.

التراث اليهودي المغربي عزز اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل

ضريح محمد الخامس والحسن الثاني

الدليل على هذا الارتباط بالنظام الملكي هو حقيقة أن العديد من اليهود المغاربة يصلون بانتظام للملوك الحاليين والسابقين، كما يزورون ويصلون في ضريح محمد الخامس والحسن الثاني، وأقيم في عسقلان قرب تل أبيب تمثال للملك محمد الخامس عام 1986، ويوجد شارع الحسن الثاني في رحوفوت والعديد من المنتزهات سميت باسمه أيضًا. كان للملك محمد السادس دور فعال في استمرار تقليد احترام اليهود وحمايتهم، وقرر في عام 2010 الشروع في برنامج لترميم المعابد والمقابر والمعابد اليهودية، بعدما تم الكشف عن أكثر من 160 مقبرة يهودية مع الآلاف من شواهد القبور وتنظيفها وجردها بتمويل من المملكة. و بالإضافة إلى المعابد، تم تجديد المدارس اليهودية السابقة بدعم من الملك، وتم إعادة الأسماء الأصلية للأحياء اليهودية حيث أقيمت العديد من هذه المعابد لعدة قرون.

تم افتتاح المتحف اليهودي في الدار البيضاء في عام 1997، مع وجود الامرأة المسلمة زهور رحيل كمقيمة ومؤسس مشارك، والتي لا ترى ما يدعو للدهشة حيال هذا المتحف. حاليا يتم بناء متحف يهودي ثان في فاس. لذلك، سيكون في لمملكة متحفان يهوديان.

اليوم، يبلغ عدد اليهود المغاربة الذين يعيشون في المملكة حوالي 4000. أشاد وزير الخارجية المغربي بوريطة بالاستقلال الديني والمجتمعي الذي يتمتع به اليهود، مشيرًا إلى أن دستور المملكة لعام 2011 هو الوحيد في العالم العربي الذي يعترف بجميع الديانات الإبراهيمية، مشيرًا إلى تراثها اليهودي. وقال “الجالية اليهودية في الدار البيضاء لديها محكمة دينية خاصة بها وكنيس يهودي، وأتباعها يتمتعون بالحرية الكاملة في ممارسة الشعائر الدينية”.

أخيرًا، وفي علامة إيجابية للغاية، سيصبح التاريخ والثقافة اليهودية في المغرب جزءًا من المناهج الدراسية قريبًا.

المنظمة المغربية غير الحكومية “ميمونة” والتي تعمل على تعزيز الوعي بالثقافة اليهودية في البلاد منذ عام 2007، أعلنت أن المناهج الدراسية لطلاب المدارس الابتدائية تركز على “المكون الثقافي اليهودي والعبري المنصوص عليه في الدستور، والزيارة الملكية التاريخية إلى بيت دكيرة (مساحة تراثية لليهودية المغربية التي يقع مقرها في الحي اليهودي التاريخي في الصويرة)، وتركز أيضًا على تاريخ اليهود المغاربة.

بعد أيام قليلة من الاتفاق على اقامة علاقات دبلوماسية كاملة، قرر لاعب التنس الفرنسي المغربي اليهودي إليوت بنشيتريت تحويل ولائه الرياضي إلى المغرب موطن والده. سيمثل المملكة في جميع المسابقات، بما في ذلك كأس ديفيز والألعاب الأولمبية. وفي حالة أخرى، يمكن أن يكون لاعب كرة القدم الشاب يانيف إديري أول لاعب إسرائيلي ينضم إلى فريق كرة القدم الوطني المغربي، وبعد الاتفاق اتصل به أعضاء من الاتحاد الملكي المغربي لكرة القدم بشأن انضمامه إلى الفريق، وأعرب الرياضي الإسرائيلي المغربي عن حلمه بتمثيل أسود الأطلس. وقال إيديري: “أعتقد أيضًا أنه بغض النظر عن الدين الذي نعتنقه، مسلمون أو يهود أو مسيحيون، فنحن جميعًا مغاربة ونفتخر بذلك”.

التراث اليهودي المغربي عزز اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل

لاعب كرة القدم الشاب يانيف إديري

من المهم بالفعل أن 70 ألف يهودي مغربي يأتون كل عام من إسرائيل لزيارة المغرب، لا سيما خلال الأعياد اليهودية. وبعد الاتفاق، قد يصل هذا الرقم إلى 300 ألف، كما شهدت الإمارات العربية المتحدة تدفقاً هائلاً للإسرائيليين منذ الاتفاق.

ومن دون سذاجة، فإن سلامًا جديدًا ودافئًا مع 4 دول عربية يمكن أن يكون حافزًا لشرق أوسط جديد أكثر سلامًا.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن