ربما كان الإيرانيون أكثر الشعوب شوقا لانتهاء سنة كانت فيها معاناتهم غير مسبوقة بسبب سياسات النظام وتضارب قراراته بهدف الحفاظ على نفسه بعيدا عن مصلحة المواطنين. وكل ما تعرضت له إيران من أحداث كانت نتائجها سلبية على المواطنين.

في أوائل العام تلقى النظام ضربة قوية بقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني الذي إليه تنسب أكثر العمليات الخارجية خصوصا في سوريا والعراق.

كانت العملية سريعة وخاطفة واعتبرتها واشنطن بديلا عن ضربة عسكرية كبيرة كان الرئيس ترامب يرغب بتنفيذها. ومع أن الرد الإيراني استهدف قواعد أمريكية في العراق لم توقع خسائر بشرية إلا أن هذا القصف كان نهاية المطاف.

لكن عدم اليقين وفوضى القرارات وتضاربها ظل سائدا في إيران والارتباك كان واضحا فلم يميز الحرس الثوري طائرة ركاب أوكرانية كانت أقلعت لتوها من مطار طهران فأسقطها ظنا بانها صاروخ معادي؛ ولم تعترف إيران بمسؤوليتها عن ذلك إلا بعد أن كشف العالم الحقيقة.

الضربة القوية الثانية تلقتها إيران في أواخر العام باغتيال البروفسور المختص بالشؤون النووية محسن فخري زادة في عملية نوعية وجهت فيها أصابع الاتهام إلى إسرائيل، لكن إيران هذه المرة لم ترد واكتفت بالتهديد.

وبعد أن كانت إيران قلقة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض وجدت أن مجيء المرشح الديمقراطي جو بايدن قد يسهم في انفراج العلاقات وهو الذي وعد بإحياء الاتفاق النووي ومن هنا ساد التفاؤل في أوساط الرئاسة الإيرانية.

الملف النووي كان واحدا من بين ملفات عديدة هي موضع خلاف وسبب للصراع السياسي بين الرئيس حسن روحاني الإصلاحي وتيار المتشددين المدعوم من المرشد والحرس الثوري. وبينما سمحت حكومة روحاني بزيارة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبعض المنشآت النووية الإيرانية لإبداء حسن النية أصدر البرلمان الذي يسيطر عليه المتشددون قرارا بزيادة تخصيب اليورانيوم ومنع المفتشين من زيارة إيران.

هذا الصراع الذي صعد إلى السطح بعد رفض روحاني الاجتماع برئيس البرلمان الذي زار مصابين بالكورونا دون أخذ احتياطات مناسبة، له سبب جوهري آخر وهو انتخابات الرئاسة المقبلة؛ فالرئيس يقضي الآن آخر شهور ولايته الثانية والتيار المحافظ يسعى لإيصال مرشحه إلى سدة الرئاسة بأي ثمن.

وقد بلغت شدة عداوة التيار المتشدد للرئيس روحاني ذروتها عندما حاول البرلمان استجوابه بحجة إخفاقاته المتتالية في المجال الاقتصادي.

طوال العام ظلت تصريحات المسؤولين الإيرانيين المتناقضة تدل على مدى التخبط في الإدارة العامة ومحاولات إخفاء الحقائق المتعلقة بالواقع الاقتصادي.

تفاقمت عزلة إيران وزادت معاناتها بعد أن فرض عليها الرئيس ترامب عقوبات جديدة فتردى الحال الاقتصادي ووصل إلى حد أن يوصف بأنه يحتضر؛ فالأرقام السلبية تتصدر مؤشرات الأسواق مع تزايد تقلص القدرة الشرائية للإيرانيين بصورة غير معهودة ومدخراتهم تآكلت ويعانون من تراجعات ملموسة في الدخل ومستوى المعيشة، بالإضافة إلى انخفاض صادرات النفط ومغادرة العديد من الشركات الأجنبية السوق الإيرانية وتراجع استثماراتها.

الفوضى والاضطراب في الاقتصاد الإيراني هذا العام دفعا بقطاع الخدمات إلى حد الانهيار كما اضطر السلطات إلى إحياء مشروع كوبونات الطعام حيث زاد عدد الفقراء والعاطلين عن العمل وارتفعت نسب البطالة بصورة غير مسبوقة كما ارتفعت كلفة المساكن وزاد التضخم والكساد فضلا عن اختفاء العديد من السلع عن رفوف الأسواق.

ومع الانكماش الشديد في الاقتصاد الإيراني تعرضت العملة الإيرانية إلى تراجع ملموس في سعر الصرف أفقدها ما يقارب من نصف قيمتها الأمر الذي دفع الحكومة لاقتراح إلغاء أربعة أصفار من العملة وتحويلها إلى التومان ليصبح مساويا لعشرة آلاف ريال.

على صعيد المرشد لم تتوقف الشائعات عن تدهور صحته؛ وجاء نقل بعض صلاحياته إلى ابنه مجتبى في الأسابيع الماضية تأكيدا على أن صحته ليست على ما يرام وأن الحديث عن خلافته صار أمرا محتما وتقريب نجله من مركز القرار ونقل بعض الصلاحيات إليه يبدو إيحاءً لمجلس الخبراء برغبة الخامنئي بأن يخلفه ولده؛ وهذا بالتأكيد سيثير حنق الإصلاحيين الذين يريدون أن يصبح منصب المرشد منصبا شرفيا وليس منصبا فاعلا وصاحب نفوذ.

أما في العراق فتلقى النفوذ الإيراني ضربتين، الأولى كانت المظاهرات المناهضة للوجود الإيراني والمطالبة بخروج السياسيين المؤيدين لإيران من الحكومة، والثانية انتخاب رئيس وزراء يتمتع بعلاقات خاصة مع الولايات المتحدة وتقارب مع الأردن ومصر؛ وسكوت إيران على هذا الاختيار معناه رسالة تهدئة من طهران إلى واشنطن كما يشير إلى ضعف نفوذ إيران في العراق وبداية انكساره.

لكن إيران برغم كل ذلك واصلت تحدي الولايات المتحدة وجيرانها والعالم من خلال الإعلان عن أسلحة جديدة كان أبرزها تجربة صاروخ بمدى سبعمئة كيلومتر أطلقت عليه اسم ذو الفقار بصير.

كذلك أعلنت عن إطلاق قمر صناعي للاتصالات العسكرية باسم نور 1،  كما واصلت القيام بمناورات عسكرية في مياه الخليج وسمحت لقواربها العسكرية بالتحرش بالسفن الحربية الأمريكية في المنطقة.

وفي المناورات تعرضت سفينة للبحرية الإيراني لقصف من صاروخ تابع لبحرية الحرس الثوري الأمر الذي يدل بصورة واضحة إما على الفوضى والاضطراب أو على التنافس غير الشريف بين الحرس الثوري والجيش الإيراني.

في هذا العام شهدت طهران ومدن أخرى احتجاجات شعبية كان أبرزها احتجاجات عمال المصافي في عبادان الذين تأخرت رواتبهم لكنها جوبهت بقمع قاس وشديد من ميليشيا الحرس الثوري التي أعطيت الأوامر باستخدام القوة المفرطة لقمع الاحتجاجات.

أما الضربة الأكبر التي تعرضت لها إيران هذا العام وكان لها التأثير الحاسم فهي جائحة كورونا التي لم تستطع الدولة أن تتعامل معها تعاملا يخدم مواطنيها بل كان تعاملا من باب الاستهتار وإخفاء المعلومات وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة مبكرا الأمر الذي فاقم من انتشار الفايروس وازدياد أعداد المصابين وبالتالي أعداد الوفيات.

مع نهاية العام وحسب الإحصاءات المعلنة زادت أعداد الإصابات عن مليون ومئتي ألف إصابة مع أن أرقاما غير رسمية تشير إلى أن العدد الحقيقي يصل إلى ثلاثة أضعاف ذلك.

لقد اهتم النظام الإيراني بزيارات موسم النيروز وإجراء الانتخابات النيابية ورفض إغلاق المزارات فساهم بزيادة انتشار الفايروس.

تفاقم تأثيرات جائحة كورونا ضاعف من الأزمة الاقتصادية وزاد من الغضب الشعبي ضد النظام مما خلق حالة من الاحتقان تنذر بانتفاضة شعبية برغم كل إجراءات القمع التي يحاول الحرس الثوري القيام بها.

هكذا كانت سنة ألفين وعشرين في إيران كئيبة وحزينة فكيف ستكون السنة القادمة في بلد تحكمها دوغما الملالي وولاية الفقيه وتصدر عن إداراتها قرارات متضاربة تقود البلاد نحو مزيد من الفشل بينما الشعب هو الذي سيدفع الثمن.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن