كانت خطوة تاريخية عندما وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل اتفاقية تطبيع العلاقات بينهما في واشنطن في شهر أغسطس الماضي برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقد أثارت تلك الاتفاقية ردود فعل مختلفة ومتباينة لدى مختلف الأوساط السياسية العربية والأجنبية.

ووفقا لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش فإن الإمارات تريد سلاما دافئا وهذا الاتفاق كان رسالة سلام أكثر منه اتفاق سلام.

والاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي تم التوقيع عليه في واشنطن نص على ضرورة إبرام اتفاقيات ثنائية في مجالات عدة أبرزها الرعاية الصحية والعلوم والتكنولوجية والاستخدام السلمي للفضاء والسياحة والطاقة بالإضافة إلى التعليم والاتصالات والزراعة والأمن الغذائي.

ومع أن الاتفاقية ثنائية وتخص الدولتين الموقعتين عليها إلا أن لها آثارا بعيدة المدى على الشرق الأوسط كله وليس فقط على الدولتين اللتين وقعتا الاتفاق.

بعد أيام من الاحتفال بالتوقيع الرئيسي وقعت الدولتان مجموعة اتفاقيات تتعلق بتأشيرات الزيارة والطيران المدني والتعاون الاقتصادي وحماية الاستثمارات بالإضافة إلى اتفاقيات تتعلق بالنقل البحري والتعاون بين موانىء البلدين وغيرها من الاتفاقيات التي تخدم مصالح البلدين. فالإمارات تولي القطاع العلمي والبحوث أهمية كبيرة وكذلك الأمر في إسرائيل ولذلك ستكون نتائج التعاون الثنائي في هذا القطاع ذات نتائج إيجابية ومهمة للجانبين.

يمكن لدولة الإمارات أن تستفيد من التفوق التكنولوجي الإسرائيلي. فالصادرات التكنولوجية الإسرائيلية تشكل أربعين في المئة من مجمل صادرات إسرائيل ودولة الإمارات تسعى لكي تكون قوة فاعلة في مجال التكنولوجيا خاصة وان خمسة وثلاثين في المئة من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط تتمركز في الإمارات.

لذلك يمكن المواءمة بين التفوق التكنولوجي الإسرائيلي والوفرة الإماراتية في مجال الطاقة والثروة وهذا سيخلق منصة للنشاط المشترك الذي يخدم مصالح الجانبين وينعكس بصورة إيجابية على مجمل منطقة الشرق الأوسط التي ستستفيد حتما من نتائج هذا التعاون.

المجال الآخر الذي يهم الإمارات هو الزراعة وتقنية تحلية المياه. معروف عن إسرائيل تفوقها في تكنلوجيا الزراعة الذكية. وفي ظل تحديات الجوع المحتملة يصبح مثل هذا التعاون في المجال الزراعي أمرا مرغوبا تتعدى نتائجه الإيجابية الدولتين ويمتد لكل شعوب المنطقة.

ولان الإمارات تركز على هذا الجانب من الزراعة الذكية لمواجهة تحديات المناخ وشح المياه وقلة المساحات القابلة للزراعة فإنها تنظر باهتمام إلى تنمية التعاون في هذا المجال. كما تنظر الإمارات باهتمام إلى تقنية التحلية المتوفرة في إسرائيل حيث توجد عشرات الشركات المتخصصة في تحلية مياه البحر وهو ما تحاج إليه الإمارات لتلبية حاجاتها من المياه العذبة.

تتطلع دولة الإمارات إلى فرص التعاون في التقنيات الطبية. لذلك جرى الاتفاق على التعاون في الأبحاث المتعلقة بلقاح كورونا وإنتاج فحص للكشف عن الفايروس يكون سهلا ويعطي نتائجه بسرعة.

أما في مجال الطاقة ولان جميع دول الشرق الأوسط تسعى لتنويع مصادر الطاقة من خلال الطاقة البديلة والطاقة المتجددة فان التعاون بين إسرائيل والإمارات سيوفر الطاقة للدول التي تحتاجها وبأسعار مخفضة.

كانت هناك أيضا اتفاقية لحماية الاستثمارات ولذلك فان عددا من البنوك الإسرائيلية ستفتح فروعا لها في الإمارات خصوصا بعد أن تم توقيع اتفاق بين بنك الإمارات دبي الوطني أكبر بنوك الإمارات وبنك هبوعليم أحد أكبر البنوك الإسرائيلية.

ستكون بداية التبادل التجاري بحدود خمسمئة مليون دولار قد تصل إلى أربعة مليارات أو خمسة مليارات دولار خلال سنوات قليلة. وسيتم وفق الاتفاق إنشاء صندوق للاستثمار تحت مسمى “الصندوق الإبراهيمي” لتوفير ثلاثة مليارات دولار على الأقل لتمويل الاستثمارات في القطاع الخاص وتطوير مبادرات التعاون الاقتصادي الإقليمي والازدهار في الشرق الأوسط.

دولة الإمارات مركز راسخ في مجال التجارة واللوجستيات والإعمار والسياحة ولذلك تسعى دولة الإمارات وفق ما قاله وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله المري إلى أن تكون بوابة بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا لكي تسهم في حرية انتقال الأعمال والاستثمارات والكفاءات والخبرات. وسيقود هذا الاتفاق النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط ويمهد الطريق للتعاون الاقتصادي بين البلدين وبالتالي سيعزز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فدولة الإمارات العربية تشكل بوابة تسويقية لكثير من دول آسيا وأفريقيا وستفتح المجال واسعا لتبادل تجاري بين البلدين يكون كبيرا.

من الواضح أن مجالات التعاون الاقتصادي والمالي ستكون كبيرة وهناك إمكانية لفتح رابع أكبر سوق في العالم للتصدير الإسرائيلي وبحسب مصادر اقتصادية فان الاتفاق سيفتح المجال للتعاون بين إسرائيل وباقي الدول العربية خصوصا في مجال المواصلات والنقل البحري والطيران.

لكن الأهم سيكون بناء خط سكة حديد يصل ما بي حيفا ودبي مرورا بالأردن والسعودية وفي حال إنجاز هذا الخط وتشغيله فسيكون بمثابة ثورة حقيقية في علاقات دول الشرق الأوسط بعضها ببعض ويحدث تغييرا جذريا في طرق التجارة ويعزز الدور الكبير لكل من دبي وأبو ظبي كمركزين ماليين كبيرين في الشرق الأوسط.

أما في البحر فسيكون هناك مسار بحري من ميناء إيلات إلى ميناء جبل علي عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي. وتصبح الإمارات بوابة للمنتجات الإسرائيلية إلى الشرق وتكون إسرائيل بوابة للمنتجات الإماراتية للغرب ودول حوض المتوسط.

وإذا ما علمنا أن اتفاقا تم توقيعه بين البلدين يسمح فيه لرعايا كل دولة بدخول الدولة الأخرى بدون تأشيرات فإن هذا يكشف عن فرصة كبيرة لشعبي البلدين بالتعرف على البلد الآخر وهذا سيساعد على ترسيخ السلام في المنطقة.

من ميزات الاتفاق مع دولة الإمارات أنها دولة تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي ومن هنا سيساعد الاتفاق دولة الإمارات لكي تقوم بدور في تقريب الفلسطينيين والإسرائيليين من بعضهما البعض لأجل استئناف عملية السلام. ويرى مختصون أن الاتفاق سيكون مفيدا للفلسطينيين على المستوى الاقتصادي وسيجلب لهم المنافع الاقتصادية لكن الأمر قد يحتاج بعض الوقت.

إذا ما تحققت الآمال المعقودة على هذا الاتفاق وتم تنفيذ أجندته فسيكون التغيير في الشرق الأوسط تغييرا جوهريا طويل الأمد.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن