أخبار الآن | عمان – الأردن

يتضح من متابعة الشؤون العراقية أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ومنذ أن تسلم مهامه وضع لنفسه هدفين ظاهرين هما فرض الأمن والاستقرار في البلاد وإصلاح الاقتصاد ومكافحة الفساد. ولكن يبدو هناك هدف آخر قد لا يكون معلنا لكن المؤشرات العديدة الواضحة تدل عليه وهو العودة بالعراق إلى محيطه العربي والتخلص من النفوذ الإيراني.

تخليص العراق من النفوذ الإيراني وإنقاذه من الدوران في فلك ظهران طريق ذات اتجاهين. الاتجاه العراقي فيها أن ينسجم العراق مع جيرانه العرب ويسعى إليهم وهذا حدث في قمة عمان الثلاثية. أما الاتجاه الآخر فهو أن يتجه العرب إلى العراق عبر المستثمرين من دول الخليج العربي بالذات ويشاركوا بفاعلية في أعمال إعادة الإعمار بعيدا عن الحساسيات التقليدية.

ولكي تنجح خطة هذه الطريق ذات الاتجاهين بالإضافة الى تحقيق الهدفين المعلنين بدأت الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي بالعديد من الخطوات العملية. وكان أولها التصدي للميليشيات المدعومة من إيران والموالية لها. وقد تسلحت الحكومة العراقية بكل ما يلزم لمواجهة تداعيات هذا التصدي.

لا تريد الحكومة العراقية في الوقت الراهن المواجهة المباشرة مع الميلشيات التي كادت أن تصبح دولة داخل الدولة لذلك لجأت إلى طريقة ذكية تتمثل في تجفيف منابع تمويلها عندما أبعدتها بالقوة عن المعابر الحدودية حيث كانت تلك المليشيات تتغذى على التهريب والإتاوات والرشاوي.

منذ عشرين عاما والعراق ساحة صراع بين إيران والولايات المتحدة. تستخدم إيران فيها الميليشيات التي صنعتها وسلحتها ومولتها لكي تعمل بعيدا عن سلطة الدولة وتنفذ ما تؤمر به من طهران.

تفتقر هذه الميليشيات إلى الانضباط التنظيمي ولا تتمتع باي نفوذ سياسي أو مؤسسي لذلك يمكن لتصرفاتها أن تكون سببا للفوضى ومحاولات للفت الأنظار لكن النتائج غالبا ما لا تكون في صالحها.

تتقصد هذه الميليشيات الموالية لإيران في هجماتها مصالح أميركية وغالبا ما يأتي توقيت عملياتها عند تأزم العلاقات الإيرانية الأميركية أو عند اقتراب استحقاق ما في تلك العلاقات. ويكون الهدف منها التخريب على جهود رئيس الوزراء العراقي الذي يريد فرض الأمن والاستقرار في البلاد.

وجهت القوات الأمنية العراقية وبأوامر مباشرة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ضربة قوية إلى كتائب حزب الله العراقي بعد أن قامت ببعض العمليات التي استهدفت مصالح أميركية. لكن هذه الكتائب لم ترد على الضربة الأمر الذي يعني أنها فهمت الدرس بان أعمالها لن تمر دون عقاب وربما طلب منها عدم التصعيد وتفسير ذلك أن إيران لا تريد أن تتحدى الكاظمي في الوقت الراهن.

منذ العام ألفين وثلاثة والعراق ضحية الفشل الأميركي كما كان ضحية تدخلات إيران التي اعتبرته ساحة خلفية ومنطقة نفوذ تمارس فيه ما تريد. وفي عهد رئيس الوزراء نوري المالكي وصلت علاقات العراق بجواره العربي إلى أدنى مستوى ممكن بسبب ارتهان المالكي للنفوذ الإيراني.

والآن العراق بأمس الحاجة لاستعادة اندماجه مع محيطه العربي. وقد بدأ الكاظمي بأولى خطوات هذا الاندماج بالتنسيق العميق مع الأردن ومصر لكن هذا قد لا يكفي إذ انه لا يزال بحاجة إلى إقناع دول الخليج العربي بالعودة إلى الاستثمار في العراق. وعودة الاستثمار الخليجي إلى العراق قد لا تتم في الوقت الذي يستمر فيه النفوذ الإيراني والتدخلات المباشرة وغير المباشرة من جانب طهران.

الإصلاح ومكافحة الفساد واستعادة الأمن هي أفضل الوسائل التي تمكن العراق من استعادة عافيته وبهذا يمكنه أن يكون قويا في مواجهة النفوذ الإيراني ويتوجه بشجاعة نحو محيطه العربي ويضع بذلك حدا نهائيا لتدخلات إيران في شؤونه ويمنعها من استخدام الساحة العراقية منطلقا لأعمالها المناهضة للعالم العربي.

ولكن هل يتوفر للكاظمي الدعم العربي والأميركي الكافي لتحقيق أهدافه؟

حصل الكاظمي على أول دعم عربي عبر قمة عمان في الشهر الماضي التي أكدت على الوقوف إلى جانب العراق في تعزيز امنه واستقراره والحفاظ على وحدة ترابه واستقلاله السياسي والتصدي لكل محاولات التدخل في شؤونه الداخلية. وإشارة القمة إلى التصدي لمحاولات التدخل في شؤون العراق تعني بالدرجة الأولى تدخلات إيران ومعنى ذلك أن العراق عبر رئيس وزرائه في القمة المذكورة طرح عودة العراق إلى محيطه العربي ورغبته في التخلص من النفوذ الإيراني.

أما في الداخل فقد وعد الكاظمي انه سيلجم الميليشيات ويكافح الفساد ويعيد تنظيم الحكم. ولكن ما أن بدأت العجلة تدور حتى نشطت الجهات العديدة الموالية لإيران بالعمل المضاد. وحتى قبيل زيارته الأخيرة إلى واشنطن بدأت أعمال العنف تتصاعد وهي أعمال موجهة ضد المصالح الأميركية بهدف التخريب على الزيارة. والجهات التي نفذت تلك العمليات معروفة لدى السلطات العراقية. ويسعى الكاظمي ولكن بهدوء لكبح جماح هذه الميليشيات الموالية منها لإيران أو غيرها لكي يصبح العراق بالفعل دولة قانون وليس مجرد ساحة ميليشيات متصارعة أو عصابات تنفذ أجندات خارجية.

منذ مجيئه للسلطة بدا على الكاظمي انه ينأى بنفسه عن نفوذ إيران بل ويسعى لوضع حد لهذا النفوذ. ولذلك كان من الواضح انه مصر على ممارسة سلطته لاستعادة هيبة الدولة وفرض النظام وإعادة الاستقرار، وفي حديثه للصحافة الأميركية أثناء زيارته إلى واشنطن أكد الكاظمي موقفه من فوضى السلاح في العراق وقال إن احتكار السلاح سيكون للدولة فقط وأي جماعة تمتلك السلاح خارج منظومة الدولة ستكون خارجة على القانون وتعامل على هذا الأساس. وبهذا يحاول رئيس وزراء العراق الآن أن يؤسس لعراق جديد صاحب سيادة حقيقية على أرضه ويستعد لحرب شرسة ضد الفساد يتبعها إمساك قوي بالسلطة لأجل فرض النظام والقانون.

يتمتع الكاظمي بعلاقات قوية مع الولايات المتحدة وهذا يعني بالضرورة علاقات طيبة مع الجوار الخليجي الذي قد يقدم له الدعم اللازم لتحقيق أهدافه. فالمصلحة العربية تقتضي استقطاب العراق إلى المحيط العربي وهذا قد يتحقق من خلال هذا الدعم. ولان من مصلحة الولايات المتحدة أيضا أن تبتعد العراق عن إيران فإنها قد تقدم التطمينات اللازمة لدول الخليج بحماية استثماراتها المستقبلية في العراق. لكن هذه الحماية قد لا تكفي لإقناع دول الخليج ويبقى على حكومة الكاظمي أن تمنع الجهات العراقية المتعاونة مع إيران من التدخل في شؤون دول مجلس التعاون الخليجي الداخلية لكي تطمئن دوله تماما تجاه العراق.

مصطفى الكاظمي شخصية معروفة في دول الخليج وكان على الدوام موضع ترحيب فيها. ولهذا فهو يستطيع القيام بالدور المناسب لخدمة العراق وخدمة علاقاته بجواره العربي وقد يكون هو إن استمر على نهجه المعلن هذا بقوة واقتدار واستدامة أن يكون مخلص العراق ومنقذه.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن.