أخبار الآن | عمان – الأردن

منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني في الثامن من مايو عام ألفين وثمانية عشر والاتفاق يتأرجح. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحب منه تنفيذا لتعهد انتخابي ورغبة في تعديله إذ يرى وكذلك الجمهوريون في الكونغرس أن الاتفاق يحابي إيران كثيرا ولا يمنعها على المدى البعيد من صنع السلاح النووي. لكن إيران لم تنسحب من الاتفاق معتمدة على دعم الدول الموقعة عليه التي رفضت الموقف الأميركي.

مع احتدام المعركة الانتخابية بين الرئيس الأميركي ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن يعود النقاش حول الاتفاق إلى الساحة السياسية إذ يريد الرئيس ترامب استكمالا للانسحاب من الاتفاق إعادة فرض العقوبات التي رفعت عن إيران بموجب الاتفاق المذكور. بينما يرى منافسه الديمقراطي الذي كان نائب رئيس عندما تم التوصل إلى الاتفاق انه أفضل ما يمكن التوصل إليه وتعهد بالإبقاء على الاتفاق والعودة إليه في حال فوزه بالرئاسة الأميركية في انتخابات الثالث من نوفمبر القادم.

وقد طلبت إدارة ترامب من مجلس الأمن في الشهر الماضي إصدار قرار يعيد العقوبات لكن مشروع القرار لم ينجح بينما هددت إيران بالانسحاب من الاتفاق أو إلغائه إذا ما أعيد فرض العقوبات. وبرغم التهديدات المتفرقة بشأن الاتفاق فقد سربت إيران عبر وكالات أنباء عالمية أن القيادة الإيرانية “مصممة على مواصلة التقيد بالاتفاق” على أمل أن يخسر ترامب الانتخابات فتعمل مع الإدارة الديمقراطية الجديدة على إعادة إحيائه.

كان الاتفاق من اهم إنجازات الرئيس باراك أوباما واعتبر في حينه حدثا تاريخيا حظي بترحيب دولي لأنه قيد نشاط إيران النووي وحرمها إمكانية امتلاك قنبلة نووية وفرض عليها نظام تفتيش صارم.

أما مكاسب إيران فكانت التخلص من عبء العقوبات الاقتصادية والإفراج عن أرصدتها المجمدة وفتح الأسواق لنفطها وتدفق تجارتها تصديرا واستيرادا. وقد فتح الاتفاق في حينه الباب أمام الشركات الأجنبية للدخول إلى إيران وبدء أعمال تجارية فيها وضخ استثمارات كبيرة لكن هذا كله لم يتحقق مع مجيء ترامب إلى الرئاسة. وكان مطلب الرئيس ترامب هو تفكيك المنشآت النووية الإيرانية وليس فقط تحديد وتخفيض حجم إنتاج اليورانيوم المخصب حتى لا تظل إيران تهد جيرانها من خلال امتلاكها إمكانية صنع السلاح النووي.

تصر الولايات المتحدة على منع إيران من استخدام التكنولوجيا النووية خشية استعمالها في إنتاج سلاح نووي. وللولايات المتحدة أسبابها. فمستوى التكنولوجيا في إيران وان كانت تستطيع تخصيب اليورانيوم ضمن حدود فإنها لا تستطيع إدامة المنشآت بصورة سليمة وآمنة. فهذه المنشآت تتعرض لحوادث غامضة تصفها إيران بانها تخريبية لكنها قد تكون ناتجة عن سوء التشغيل. وكان آخرها حريق في مفاعل ناتانز التي قالت إيران انه عمل تخريبي.

وقد أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية بهذا الحادث حيث أن طهران تبدو على الدوام متعاونة مع الوكالة وقد واستضافت في الشهر الماضي المدير العام للوكالة وتبع ذلك زيارة تفتيشية لوفد من الوكالة لمنشأتين نوويتين إيرانيتين إحداها منشأة ناتانز.

منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق لم يكن الالتزام الإيراني مثلما كان من قبل فيما يتعلق بكمية اليورانيوم التي يتم تخصيبه إذ عاودت إيران التخصيب بنسبة عشرين في المئة وأصبح لدى إيران الآن كميات كافية من اليورانيوم المخصب وإن كان لا يزال غير كاف لصنع سلاح نووي مثلما كان الأمر قبل الاتفاق.

يعرف الاتفاق اختصارا بالاتفاق النووي الإيراني وهو خطة عمل شاملة مشتركة تم التوقيع عليها في يوليو من العام ألفين وخمسة عشر بين إيران والدول الخمس الكبرى والاتحاد الأوروبي وألمانيا.

لكن استمرار بقاء الولايات المتحدة خارج الاتفاق أدى إلى ما يشبه تجميده وجعل إيران تعود إلى التخصيب من جديد. وتقول مصادر أوروبية إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب أصبح ثمانية أضعاف الحجم الذي سمح به الاتفاق بالرغم من أن مستوى التخصيب أقل بكثير من المستوى اللازم لصنع أسلحة نووية.

بهذه الطريقة تسعى إيران للضغط على الولايات المتحدة وتسمي ذلك بالصبر الاستراتيجي إلى أن تتبدل الأحوال في البيت الأبيض وعند ذلك سيكون كما ترى إيران لكل حادث حديث.

كان يمكن لإيران أن تنسحب من الاتفاق عندما قتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس لكنها لم تفعل. فأوضاعها الاقتصادية والمعيشية صعبة للغاية ولا تتحمل المزيد من الصراع مع الولايات المتحدة. ومع ذلك تواصل إيران رفض التفاوض مع الولايات المتحدة على إعادة النظر في الاتفاق برغم أن الرئيس ترامب هدد باستخدام القوة ضدها. ويتساءل الإيرانيون هل يمكن للرئيس ترامب أن يفتح جبهة جديدة مع إيران؟ أو يسمح لإسرائيل بفتح هذه الجبهة؟

الواضح أن واشنطن لا ترغب بفتح جبهة إيران في الوقت الحاضر على الأقل ولا تبدو مستعدة لذلك في الوقت الذي تقترب فيه انتخابات الرئاسة، كما أن التداعيات الناجمة عن جائحة كورونا وظروف العالم الحالية سيجعل أي حرب أميركية أو إسرائيلية ضد إيران ذات نتائج غير مقبولة لا للعالم ولا للأميركيين.

بعد اجتماع الأطراف الموقعة على الاتفاق ما عدا أميركا في فيينا في الأسبوع الماضي خرجت رئيسة الاجتماع وهي ممثلة الاتحاد الأوروبي وقالت إن الأطراف كلها متحدة في موقفها الداعي للمحافظة على الاتفاق وسيعملون على إيجاد وسيلة تضمن مواصلة التزام إيران الكامل به.

مصير الاتفاق الآن بيد الأوروبيين الذين رفضوا الانسياق وراء الرئيس ترامب في الانسحاب منه ويعملون على إقناع إيران بالبقاء ملتزمة على أمل تغيير الإدارة الأميركية وإعادة النظر بالاتفاق ليصبح فاعلا ويؤتي نتائج إيجابية لمصلحة الجميع.

ولكن في حال عودة ترامب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية القادمة فمن المرجح أن تنسحب إيران من الاتفاق إن لم تجد دعما أوروبيا لإعادة إحيائه كما هو بدون تعديل. فلم تعد إيران تجد لها مصلحة في الاتفاق طالما أن الإدارة الأميركية لا تريد الالتزام به لأنها في هذه الحالة لن تتمكن من الاستفادة من النتائج التي كانت تتطلع إليها.

لقد اعطى الاتفاق إيران حوافز اقتصادية مقابل أن تكبح جماح طموحاتها النووية. وتدرك أوروبا أن بقاء الاتفاق سيسهم في تغيير أحوال إيران بصورة تتيح تحسين معيشة الشعب الإيراني وهذا يفقد النظام الكثير من الحجج التي يستخدمها لتبرير سياسة القمع والاضطهاد التي يمارسها.

المصير النهائي للاتفاق لن يتبدى قبل ظهور نتائج الانتخابات الأميركية فإما اتفاق وإما أزمة جديدة وعند ذلك سيدخل الجانبان في حلقة مفرغة من الجدل والنقاش والتفاوض وتضيع مزيد من السنوات قبل الوصول إلى اتفاق جديد.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن.