أخبار الآن | عمان – الأردن (الفرد عصفور)

لسنوات طويلة ركز العالم ناظريه على محاولات إيران بناء قوة نووية تهدد محيطها وجيرانها في حال اكتمالها. لكن العالم لم ينتبه إلا حديثا على ما يبدو إلى قوة أخرى يمكن لإيران استخدامها في أي وقت وهي قوة الميليشيات الموالية لها خارج حدودها التي تخوض معاركها نيابة عنها.

منذ السيطرة على الحكم في إيران ونظام الملالي يسعى لتصدير الثورة وإقامة تحالفات مع دول يجعل منها تابعة له. وقد نجح ذلك النظام بالفعل في تحقيق جزء من أحلامه وصار له أنصار وأنظمة وميليشيات مؤيدة وتابعة وتفعل ما تؤمر به من طهران.

تدرك إيران أنها لا تستطيع خوض أي مجابهة مباشرة لا مع الولايات المتحدة ولا مع غيرها لذلك تخوض معاركها عبر وكلائها في الخارج وهم الميليشيات الممولة منها والموالية لها.

الآن ثمة ساحات عديدة تلعب فيها إيران وتحاول أن يكون تأثيرها حاسما. وتستغل إيران تلك الميليشيات للعمل نيابة عنها. لبنان هي احدى هذه الساحات المهمة التي اخترقتها إيران من بداية الثمانينات وتكرست بتفجير السفارة الأميركية في بيروت بعد الغزو الإسرائيلي عام اثنين وثمانين. وأداة إيران في هذا الاختراق هي حزب الله وغطاؤه مقاومة إسرائيل. ومن خلال حزب الله في لبنان وصلت إيران إلى شواطئ المتوسط وتوسعت في انتشارها الأفقي في منطقة وصفت يوما بأنها الهلال الشيعي.

يتبع حزب الله في لبنان ما بين ثلاثين إلى أربعين ألف مقاتل معظم تمويلهم وتسليحهم من إيران. وهم يتحكمون في مفاصل الحياة في الضاحية الجنوبية وباقي الجنوب اللبناني ويمكنهم السيطرة على بيروت في أي وقت يشاؤون مثلما حاولوا سابقا في أحداث السابع من أيار عام ألفين وثمانية.

وكما تفعل في لبنان تفعل في العراق. وفي الفترة الأخيرة وعشية زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى الولايات المتحدة عملت إيران على دعم وتعزيز الميليشيات الموالية لها في العراق. وفي الأسابيع الأخيرة كانت هناك عشرات الهجمات الصاروخية على أهداف أميركية منها السفارة في بغداد والقوافل العراقية التي تقدم الدعم اللوجستي للقوات الأميركية. ومع أن تأثيرات هذه الهجمات باهتة وغير فعالة إلا أنها تخلق ضجة إعلامية وتثير مشاعر البسطاء.

كانت ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران والموالية لها والتي تطالب بانسحاب القوات الأميركية من العراق احدى التحديات الكبرى التي تواجه رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي. وكان أبرز إجراء قام به الكاظمي وتسبب في إثارة غضب الحشد هو إبعاد ميليشياته عن المعابر الحدودية حيث كان يحمي التهريب ويفرض الإتاوات على التجار. وهذا ما قد يوسع الفجوة بين الكاظمي والقوى المدعومة من إيران في العراق مما يهدد بقاء حكومته التي لم تتشكل لولا الدعم الإيراني برغم انه مقرب للولايات المتحدة. يتبع إيران في العراق أيضا ميليشيات ما يعرف بكتائب حزب الله وعصائب الحق ومنظمة بدر ولدى هذه الميليشيات ألوف المقاتلين.

ميليشيات حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق ليست الوحيدة التي تتبع إيران خارج حدودها. فقد قامت إيران وعبر سنوات طويلة بدعم أو تبني أو تأسيس ميليشيات موالية لها في أكثر من بلد. لكن العلاقات ليست قوية معها جميعا. من بين الميليشيات المدعومة بقوة من إيران وتتمتع معها بعلاقات قوية جدا ما يعرف في أفغانستان باسم لواء الفاطميين ويتبعه عشرة آلاف مقاتل وأكثر. وفي باكستان ميليشيات تعرف باسم “الزينبيون” ويعدون ما بين ألفين إلى خمسة آلاف مقاتل. وفي غزة حركة الجهاد ولها ألف مقاتل وأكثر، وحركة الصابرين ولها ما بين أربعمئة إلى ثلاثة آلاف مقاتل. وفي سوريا تتبع إيران ما تعرف بقوات الرضا التي تعد ثلاثة آلاف مقاتل ولواء الباقر ويعد ثلاثة آلاف مقاتل. وإلى ذلك هناك حركة الحوثيين في اليمن وعدد مقاتليها ما بين عشرة آلاف إلى ثلاثين ألفا.

بسخاء تنفق إيران على ميليشياتها في الخارج في الوقت الذي يعاني فيه الإيرانيون الفقر والبطالة والأمراض حيث النظام الصحي متهالك. وتشير مراكز الدراسات العالمية التي تتابع الأوضاع الإيرانية ومنها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن في تقريره الأخير (نوفمبر 2019) إلى أن إيران أنفقت على مشاركتها في الحرب في سوريا ما يقرب من ثلاثين مليار دولار في الحد الأدنى وفي الحد الأعلى قد يكون مئة مليار دولار. وقد اعترف بذلك أحد أعضاء البرلمان الإيراني وهو النائب حشمت الله فلاحت بيشة في حديث إلى الموقع الإلكتروني لصحيفة اعتماد الإيرانية (اعتماد أونلاين).

وقد أنفقت إيران حسب معهد الدراسات على حزب الله ما بين 700-830 مليون دولار سنويا، وعلى حركة حماس والجهاد 100 مليون دولار وعلى الميليشيات في العراق 150 مليون دولار كما أنفقت على حركة الحوثيين في اليمن ما يقرب من مليار دولار كما تدفع الفي دولار شهريا لكل مقاتل غير يمني يقاتل مع الحوثيين.

تشكل هذه المليشيات أذرعا مهمة لنفوذ إيران في الخارج وتستخدمها لتحقيق أهداف لا تخص الشعوب التي تنتمي إليها هذه الميليشيات بقدر ما تخص أهداف إيران ومعركتها مع الولايات المتحدة. وهذا معناه بالتأكيد الابتعاد عن أهداف ومصالح الشعب الإيراني الحقيقية والتركيز على أهداف النظام في التوسع والتمدد.

في انتفاضة ألفين وتسعة وانتفاضة نوفمبر ألفين وتسعة عشر كان من بين الشعارات التي رفعها المنتفضون “اتركوا غزة واتركوا لبنان واعملوا لإيران”. وقد انطلقت هذه الشعارات نتيجة معاناة الشعب الإيراني من سوء إدارة النظام للبلاد حيث النظام الصحي متدهور وكذلك النظام البيئي والموارد المائية مستنزفة والقدرات الاقتصادية متدهورة والان مع تفشي فايروس كورونا زادت الأمور سوءً ومع ذلك تواصل إيران تدخلاتها في الخارج والإنفاق على اتباعها وميليشياتها بسخاء.

ولكن إلى متى تستطيع إيران مواصلة الدفع بسخاء؟ فالعجز في موازنة إيران السنوية يتزايد بسبب العقوبات والحصار وانخفاض أسعار النفط. والولايات المتحدة تسعى لاستئناف العقوبات الأميركية التي أوقفتها الاتفاقية النووية، كما أن التململ الشعبي والرفض للتدخلات في الخارج في ازدياد ملحوظ ولا بد أن يتحقق يوما المطلب الشعبي الإيراني بوقف التدخلات في الخارج والالتفات إلى المصالح الحقيقية للشعب الإيراني.