مقال رأي

هناك أمر لا يتم تسليط الضوء عليه هذه الأيام ولا يحظى باهتمام كبير؛ ألا وهو تقدم داعش في جمهورية موزمبيق الغنية بالغاز. يرجع أحد أسباب ذلك أن الحكومة الموزمبيقية منعت الصحفيين والباحثين والمجتمع المدني من القيام بعملهم في مقاطعة كابو ديلجادو. لكم على الرغم من هذه الرقابة المفروضة، هناك معلومات مقلقة للغاية تشير إلى كيفية إحراز داعش تقدمًا في السيطرة على أراض استراتيجية تحت أنظار الحكومة المركزية.

في الحادي عشر من أغسطس الجاري، وبعد خمسة أيام من القتال العنيف، سيطر تنظيم داعش – المعروف محليًا أيضًا باسم حركة الشباب (لا علاقة له بالجماعة الإرهابية المرتبطة بالقاعدة والتي مقرها الصومال) – على ميناء موسيمبوا دا برايا الاستراتيجي، في مقاطعة كابو ديلجادو الغنية بالغاز، حيث قتل خمسة وخمسون جنديًا من الجيش الموزمبيقي وجرح تسعون آخرون.

ومن المثير للاهتمام أن الجيش لجأ لاستخدم الدعم من قبل الشركات العسكرية الخاصة، كمجموعة الفاغنر الروسية المرتبطة بالكرملين والتي لم تنجح في ذلك، والآن مجموعة دايك الاستشارية الجنوب أفريقية، إذ نفدت ذخيرة الجيش ولم يصل دعم المرتزقة في الوقت المناسب. منذ ذلك الحين، ظل الجيش المدعوم من الشركة العسكرية الخاصة يقاتل لاستعادة السيطرة على ميناء موسيمبوا دا برايا الرئيسي. الافتقار إلى الإمكانات واضح في الوقت الحالي، تمتلك موزمبيق مروحية هجومية واحدة فقط، وهي طائرة روسية الصنع من طراز  MI-8. لذلك يتعين عليهم استخدام طائرات الهليكوبتر التابعة لمجموعة دايك للاستشارات، والتي كان عليها في كثير من الحالات العودة لمسافة 100 كيلومتر للتزود بالوقود وبالتالي الاستمرار في تعطل مهامها.

هذه هي المرة الخامسة التي يتمكن فيها الجهاديون من الاستيلاء على بلدة موسيمبوا دا برايا المهمة، والمدهش هو أن المرة الأخيرة هذا العام كانت في 29 يونيو. حدث ذلك على الرغم من حقيقة أن قوات الأمن الموزمبيقية قتلت في نهاية شهر مايو قادة داعش في مقاطعة كابو ديلغادو.

وأدت الحرب المتصاعدة في شمال موزمبيق، والتي بدأت في أكتوبر عام 2017، إلى قتل حوالي ألف وخمسمئة شخص وتشريد مئتي ألف شخص حتى الآن. كانت هناك زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في عدد حوادث العنف في كابو ديلجادو في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 مقابل نفس الفترة من العام الماضي. وقال كبير الدبلوماسيين الأمريكيين لدى أفريقيا في وقت سابق من هذا العام إن داعش يشكل في موزمبيق نفس نوع التهديد الذي تشكله بوكو حرام في نيجيريا.

في الواقع، ومن حيث الأرقام، تقدمت داعش في موزمبيق بسرعة أكبر من بوكو حرام. في هذا السياق، وبعد طلب المساعدة من شركات الأمن الخاصة، تحولت موزمبيق إلى مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية.  في الوقت الحالي، رفضت مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية أي تدخل عسكري، لكن ورد أن جنوب أفريقيا تدرس نشر قوات مع مساهمات محتملة من زيمبابوي وأنغولا، وهي مهمة مكلفة للغاية بالفعل. أحد العوامل التي يمكن أن تمنع مشاركة جنوب أفريقيا هو أن داعش قد هددت بريتوريا على وجه التحديد إذا كانت ستنشر قوات لمحاربة الجهاديين في موزمبيق. ومع ذلك، قالت تنزانيا إنها ستشن بمفردها هجومًا ضد تنظيم داعش في الغابات على طول الحدود مع موزمبيق. في الوقت الحالي، يرى داعش العنف في موزمبيق على أنه منصة مثالية للتمرد، لكن لا توجد أي علامات على وجود انتقال العدوى إلى دول أخرى باستثناء ملاوي، حيث تم رصد خلايا جهادية.

الرهانات كبيرة جدًا في هذا الجزء من موزمبيق. في الواقع، محافظة كابو ديلغادو في مركز ضخم لاكتشاف الغاز، والذي سيجعل من البلاد بلدًا عملاقًا في مجال الطاقة. تقترب تقديرات الإيرادات القادمة من ستين مليار دولار، أي أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الحالي لموزمبيق.  وقعت شركة الطاقة الفرنسية توتال أكبر تمويل لمشروع للغاز في أفريقيا بقيمة 14.9 مليار دولار. وأكدت شركة توتال مؤخرًا أنها على وشك البدء في استغلال الغاز في عام 2024 من خلال منشأتها التي تبلغ 25 مليار دولار، والتي سيتم بناؤها في كابو ديلجادو. توتال لا تثق بالقوات المسلحة الموزمبيقية، وقد استأجرت بالفعل عدة جيوش خاصة لحماية موقعها وموظفيها.

بينما ألقى رئيس موزمبيق فيليب نيوسي اللوم على الأشخاص الذين يريدون تقسيم البلاد بسبب ثروتها في “الحرب” في كابو ديلجادو، فإن التفسير ليس مباشرا. ومن المثير للاهتمام أنه بعد استيلاء داعش على بلدتين في وقت سابق من هذا العام، بدا أن التنظيم بدأ في استمالة السكان المحليين الذين فقدوا الثقة في الحكومة وقوات الأمن. وبعد الاستيلاء على موسيمبوا دا برايا، سرق الجهاديون البنوك والمتاجر ووزعوا الأموال والطعام على السكان.

يجب على الحكومة أن تكسب قلوب وعقول السكان المحليين من خلال توفير الخدمات الأساسية مثل المياه والغذاء والرعاية الصحية، في مقاطعة تعد أيضًا مركزًا ضخمًا للهيروين، حيث يمر من هناك 25% – 30% من إنتاج أفغانستان.

من المؤشرات على الوضع المحزن في شمال موزمبيق أن المنظمة العالمية غير الحكومية “أطباء بلا حدود” قررت مغادرة كابو ديلجادو في ضوء المخاطر الأمنية الهائلة.  تنظيم داعش في موزمبيق في طريقه إلى أن يصبح جماعة جهادية رئيسية في أفريقيا تنضم إلى صفوف بوكو حرام والشباب والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. في الواقع، هذا الأمر يجعل وضع الأمن غير مطمئن في أفريقيا.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن