أخبار الآن | عمان – الأردن (الفرد عصفور)

غريبة هي العلاقات الإيرانية الصينية فهي تجمع نظامين هما نظريا على طرفي نقيض. فما الذي يضطر إيران ذات نظام الولي الفقيه التي تعتمد الدين والإيمان لإقامة علاقات متميزة مع الصين التي تعتمد الأيديولوجية الشيوعية المناهضة للدين فكيف يجتمع النقيضان؟

بعد سقوط الشاه ومعاناة إيران من العزلة كانت الصين من أوائل الدول التي اعترفت بالنظام الجديد. ومع تزايد العزلة زادت فرص الصين لتكون اللاعب الرئيسي في إيران.

ما يجمع الصين وإيران هو العداء للولايات المتحدة أو عداء الولايات المتحدة لهما. وتعززت العلاقات أكثر بزيارة علي خامنئي عندما كان رئيسا للجمهورية بكين عام تسعة وثمانين والتقى الرئيس الصيني الذي تعهد له بتعزيز العلاقات مع إيران وتوسيعها وقد تجسد ذلك بارتفاع ملحوظ في حجم التجارة بين البلدين.

تحاول الصين الظهور بمظهر الدولة العظمى التي تسعى البلدان للتحالف معها بينما تسعى إيران لكي تبدو الدولة الإقليمية الكبرى المعتمدة على دولة عظمى عبر علاقات تجارية واقتصادية وكذلك استراتيجية وعسكرية. فالصين داعم ومساند قوي لإيران ولمشروعها النووي وصناعاتها العسكرية. فالتوجه الإيراني نحو الشرق أي نحو الصين ليس ترفا وإنما ضرورة استراتيجية بحسب ما ترى طهران انه مصلحتها.

منذ أن بدأت العقوبات على إيران أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإيران والنفط الإيراني وجد سوقا في الصين. وخلال العقدين الماضيين زاد الارتباط الاقتصادي بين الجانبين بصورة كبيرة. وصار لإيران دور مهم في تعزيز طريق الحرير الذي تحاول الصين إحياؤه.

وهناك حديث عن صفقة اقتصادية وأمنية بقيمة أربعمئة مليار دولار منها مئتان وثمانون مليار دولار لتطوير صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات ومئة وعشرون مليار دولار لتطوير البنى التحتية. ومن هنا تنظر الصين بعين واسعة إلى المصلحة التي ستجنيها في وقت لاحق تتعلق بإمكانية الوصول إلى مياه الخليج العربي وإنشاء موطىء قدم لها هناك.

الجديد في امر العلاقات الإيراني الصينية هو الكشف عن مباحثات تتعلق بعقد معاهدة تعاون وشراكة استراتيجية شاملة طويلة الأمد بين البلدين بالرغم من أن الصيغة النهائية للمعاهدة لم تتبلور بعد.

لقد كان وزير الخارجية الإيراني واضحا عند الإعلان عن هذه المعاهدة في البرلمان الإيراني في الخامس من يوليو الماضي عندما قال إن حكومته بثقة واقتناع تتفاوض مع الصين على اتفاق استراتيجي مدته خمسة وعشرون عاما. كما ينسب إلى رئيس الأركان الإيراني قوله أثناء زيارة للصين في سبتمبر الماضي أن العلاقات الصينية الأميركية قد تمت ترقيتها إلى علاقات استراتيجية.

التشابه بين إيران والصين من حيث النظام الشمولي والارتهان إلى الأيديولوجية وسياسة القمع للحريات يقربهما من بعضهما. وكانت حاجة كل نظام منهما للآخر سببا في دفعهما للتعاون الحثيث منذ الحرب العراقية الإيرانية التي كانت فرصة ذهبية خدمت علاقة البلدين ببعضهما. فالفضل في صمود إيران أثناء الحرب هو الدعم الصيني العسكري والاقتصادي. إذ لم تلتزم الصين بقرار حظر بيع السلاح إلى إيران وكان ذلك مدخلا واسعا لتعزيز العلاقات بين البلدين.

قدمت الصين لإيران مساعدات تمثلت في تدريب قيادات عسكرية ذات مستوى عال وتقديم مساعدات تقنية. كما زودت إيران بصفائح تستخدم في صناعة الصواريخ. كذلك زودت الصين إيران بالمواد الكيماوية الخاصة بصنع الأسلحة الكيماوية. كما ساعدت الصين في تعزيز صناعات عسكرية صاروخية وأنظمة رادار طائرات حربية وقوارب هجومية سريعة كما زودتها بصواريخ مضادة للسفن الأمر الذي يسمح لإيران تهديد الملاحة في مضيق هرمز.

هذه المعاهدة في حال نفاذها ستجلب النفوذ الصيني إلى إيران ومعنى ذلك وصول هذا النفوذ إلى مياه الخليج العربي. وتنظر الجهات المعنية في البلدين للمعاهدة بانها خارطة طريق للمدى الطويل.

في أواخر العام الماضي 2019 شاركت إيران بصورة غير مسبوقة بمناورات بحرية مع روسيا والصين في المحيط الهندي بهدف التعاون في مواجهة التهديدات وبعدها تسربت أنباء عن نية إيران بموجب المعاهدة تأجير جزيرة كيش في الخليج العربي إلى الصين. المعاهدة المقترحة قد تعطي الصين الحق في إقامة قواعد عسكرية في إيران مع انتشار معلومات عن قيام الصين باستخدام فعلي لقواعد جوية إيرانية ومرافق بعض الموانىء على الخليج الأمر الذي يعني تغيرات استراتيجية بشكل كامل في المنطقة وهذا سيشكل تحديا غير مسبوق لنفوذ الولايات المتحدة ومصالحها.

أما مجال التعاون الأخطر بين الصين وإيران فهو في الميدان النووي. في الثمانينات من القرن الماضي بدأ التعاون النووي الإيراني مع الصين عندما ساعدت الصين إيران على بناء مسارع نووي للأبحاث وزودتها بمسارعين آخرين. كما تقوم الصين بمساعدة إيران على تخصيب اليورانيوم في أحد المفاعلات قرب أصفهان. كما تساعدها في بناء مفاعل طاقة بالقرب من أصفهان.

لكن اكتشاف الأمر من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام واحد وتسعين أدى إلى انخفاض في حجم هذا التعاون وان لم يوقفه. وفي العام 2005 كانت هناك خمس شركات صينية تزود إيران بما يلزم من معدات تقنية تخدم مشروعها النووي.

بسبب استمرار العقوبات الأميركية على إيران ومعاناتها الشديدة جراء ذلك يحتاج النظام الإيراني حليفا بحجم الصين يستند إليه لضمان بقائه في السلطة. ويشترك النظامان بمعاداتهما للديمقراطية التي تشكل خطرا على بقائهما فهما نظامان يتشابهان في الاستبداد والالتزام بأيديولوجية الحكم الشمولي. والصين أيضا هي مصدر إيران للمعدات الأمنية المستخدمة مهم للمعدات الأمنية تستخدمها لقمع المظاهرات وهذا ما حدث فعلا في انتفاضة ألفين وتسعة وفي انتفاضة نوفمبر الماضي.

الصين الآن هي المستثمر الأكبر في إيران بوجود أكثر من مئة شركة صينية تعمل في المجالات الصناعية والمعدات الثقيلة والصناعات النفطية والبتروكيماويات والطاقة. وحاجة الصين إلى النفط سمحت بتعزيز العلاقات مع إيران. فقد واصلت الصين شراء النفط الإيراني برغم العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة مع أنها حاولت التقليل من حجم المستوردات النفطية حتى لا تغضب واشنطن. لكن بعض الشركات الصينية لا تزال تخرق الحظر الأميركي.

بموجب المعاهدة الجديدة المقترحة ستكون الصين المستثمر الأكبر في مشروعات البنية التحتية في إيران. وقد سمحت الصين لإيران أن تكون عضوا في البنك الأسيوي للاستثمار في البنية التحتية في قطاعات النقل والموانىء والطاقة والصناعة والخدمات بالإضافة إلى وجود فرص كبيرة بإقامة مناطق حرة خاصة. وهناك مفاوضات لضم إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون كعضو كامل العضوية.

لقد جاء الإعلان عن معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين إيران والصين في وقت تشهد فيه العلاقات الصينية الأميركية تدهورا كبيرا بسبب جائحة كورونا. فما يهم إيران والصين من هذه المعاهدة هو مواجهة النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ومحاولة إنشاء منظومة سياسية عسكرية اقتصادية بهدف وضع حد لهذا النفوذ وتحكمه في السياسة الدولية.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن