أخبار الآن | عمان – الأردن (الفرد عصفور)

عندما ألغى المرشد الإيراني علي خامنئي خطابه السنوي في الحضرة الرضوية في عيد راس السنة الفارسية في شهر مارس الماضي مستعيضا عنه بخطاب إذاعي أثار ذلك تساؤلات بشأن صحته المتدهورة منذ أن أجريت له عملية جراحية قبل بضع سنوات. فصحة الرجل الأول ومرضه ليس أمرا عاديا في دولة يحكمها نظام الولي الفقيه فهذا مدعاة لقلق أنصاره وخصومه على السواء. ومسألة خلافته بدأت تثور على سطح الجدل السياسي في إيران وهذا ما أدى إلى صراع خفي بين أقطاب السياسة والحكم بما يفتح الباب واسعا أمام القوى السياسية الإيرانية للتصرف بطرق مختلفة.

منصب المرشد في إيران ليس منصبا عاديا فهو أكثر المناصب إثارة للجدل لأن المرشد يعتبر الولي الفقيه والحاكم الأول صاحب السلطة المطلقة وكلمته هي العليا بنص الدستور الذي حدد مهامه وصلاحياته وكيفية انتخابه وكيفية عزله مشترطا فيه الكفاءة والحصافة والتقوى والرؤيا والتدبر. وهو رأس الدولة في إيران واعلى سلطة فيها والقائد الأعلى للجيش.

في عام واحد وثمانين تلقى دعم الخميني لرئاسة الجمهورية فتولي الرئاسة ثماني سنوات. وعندما أراد مجلس الخبراء انتخاب مرشد بعد الخميني سرب هاشمي رفسنجاني الذي كان عضوا في المجلس أن الخميني كان يرغب أن يخلفه خامنئي فصوت المجلس على ذلك مؤيدا.

للخامنئي الذي ينسب نفسه لآل البيت جذور قوية في الثورة الإيرانية التي قادها الخميني وكان له مساهمة كبرى في نجاحها فساعده ذلك ليكون عضوا في مجلس قيادة الثورة وممثلا للخميني في مجلس الدفاع وقائدا للحرس الثوري. يتمتع خامنئي الذي يتربع على رأس قائمة المحافظين المعادين للغرب بعلاقة قوية جدا مع الحرس الثوري وقد ساعده على توسيع نفوذه مقابل أن يدعمه دون حدود أو قيود.  وهذا قد يشجع الحرس على تأييد ودعم انتخاب شخصية متشددة من مدرسة خامنئي لخلافته عند وفاته. وبذلك يضمن الحرس الثوري الذي يضم مئة وعشرين ألف مقاتل تعزيز سيطرته على إيران ويصبح القوة المهيمنة فيها ويدفعها نحو مزيد من التشدد والمزيد من محاولات تمدد نفوذها إلى الخارج.

مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني في غارة أميركية أوائل العام الحالي فتح الباب للنقاش العلني بشأن خلافة خامنئي. يعد سليماني مهندس النظام وكان يمكنه ترتيب الخلافة بالتفاهم مع خامنئي عبر دعم شخصية محددة يضمن تأييدها للحرس وبالتالي يحافظ على استقرار النظام.

يميل ميزان القوى السياسية في إيران لمصلحة المتشددين الذين ينتشرون في كل مؤسسات الدولة. أما المعتدلون الإصلاحيون الذين يمثلهم الرئيس الأسبق محمد خاتمي وبصورة اقل الرئيس الحالي حسن روحاني فان كلمتهم مازالت ضعيفة.

ومع مقتل سليماني ووفاة محمود الهاشمي الشهرودي الذي كان مرشحا من خامنئي نفسه لخلافته في منصب المرشد فلا توجد في إيران شخصية محددة قادرة على حسم الأمر ولذا فإن المشهد في إيران مرشح لصراع بين مراكز القوى التي تتجمع في تيارين متنافسين تيار المعتدلين الإصلاحيين وتيار المتشددين.

يرفض الإصلاحيون وكذلك الحرس الثوري مبدأ التوريث ولذلك فان محاولات فرض النجل الثاني لخامنئي سيد مجتبى المراد حسيني الخامنئي البالغ من العمر واحدا وخمسين عاما ليكون خليفة والده لا يبدو أمرا محبذا مع أن بعض الجهات تحاول الإيحاء أن مجتبى خامنئي مرشح من قبل والده.

يمسك مجتبى بجهاز الأمن الإيراني ويسيطر على قوات الباسيج التي قمعت الانتفاضة الشعبية في العام الماضي، وقد اعتبر مهندس نجاح احمدي نجاد في انتخابات الرئاسة في ألفين وخمسة وألفين وتسعة. لكن ما يقال عن سيطرته على صفقات السلاح قد لا يكون في صالحه خصوصا من جهة الحرس الثوري الذي قد يدعمه فقط إكراما لوالده وقد ينقلب عليه في وقت لاحق.

هناك أيضا سيد حسن الخميني وهو حفيد الخميني البالغ من العمر سبعة وأربعين عاما وهو القيم على ضريح جده ويدرّس في حوزة قم ولكن ليس له أي منصب رسمي وفرصه تبدو ضئيلة. فتراث جده بقدر ما يكون حافزا لإكسابه قوة فقد يكون حملا ثقيلا عليه وبالتالي لن يقدر على تبعات المنصب.

بعض الجهات تشير وبقوة إلى صادق لاريجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام وهو من المتشددين المؤيدين والمتوافقين تماما مع خامنئي الذي عيّنه ومع الحرس الثوري وقادته ويعتمد أيضا على قوة أسرته وتجذرها في الكثير من مؤسسات الدولة.

جهات أخرى تشير إلى رئيس السلطة القضائية أو قاضي القضاة سيد إبراهيم رئيسي وهو أيضا نائب رئيس مجلس خبراء القيادة وقد ترأس حتى العام 2019 إحدى أكبر وأغنى المؤسسات الدينية الإيرانية في مشهد المسماة “العتبة الرضوية المقدسة” وعلاقته قوية مع الحرس الثوري.

في معسكر الإصلاحيين المعتدلين يبرز اسم الرئيس حسن روحاني والرئيس الأسبق سيد محمد خاتمي. وبينما تبدو فرص خاتمي شبه معدومة لغيابه عن الساحة السياسة بسبب توجهه للمعارضة فإن فرص روحاني تبدو أفضل. فرصة روحاني ستتعزز إذا كان لا يزال رئيسا عند وفاة المرشد لأنه عند ذلك سيكون ضمن لجنة ثلاثية مهمتها إدارة أعمال المرشد إلى حين انتخاب خليفته. فيما عدا ذلك فان عدم كونه من آل البيت وعدم نيله لقب آية الله وبالدرجة الأولى دعواته الإصلاحية ومواقفه المعتدلة تضعف شعبيته لدى المتشددين. كما أن روحاني على خلاف مع خامنئي بشأن بعض المسائل ولا يتمتع بتأييد مباشر وقوي من الحرس الثوري وكذلك على خلاف مع مجلس خبراء القيادة المنوط به انتخاب خليفة للمرشد.

يرى الإصلاحيون في إيران أن منصب المرشد المطلق الصلاحيات يكرس الاستبداد ويطالبون بان يكون خامنئي آخر مرشد للجمهورية. وبحسب الإصلاحيين فانه إن كان لا بد من انتخاب مرشد فإن عليه إخراج إيران من عزلتها الحالية وهذا قد يكون من خلال تحويل منصب المرشد إلى منصب شرفي بروتوكولي وليس منصبا قياديا فاعلا.

ولان الذي يختار المرشد هو مجلس خبراء القيادة ولان معظمهم من الموالين للمرشد ويسيرون على نهجه وطريقته فانهم سينتخبون من يسير على نهجه وطريقته ومن هو مثله من حيث التوجهات والأفكار والمواقف.

على مجلس الخبراء المؤلف من ثمانية وثمانين عضوا أن يجتمع فور شغور منصب المرشد لانتخاب خليفته. ويدعو الدستور الإيراني إلى التوافق على اختيار خليفة المرشد وإذا لم يتم التوافق تواصل اللجنة الثلاثية عمل المرشد إلى حين إيجاد حل.

ماذا سيكون الحال إذا ما استمر الخلاف إلى درجة تعذر معها الوصول إلى إجماع على انتخاب مرشد جديد؟ هذا الأمر سيضع الجمهورية الإسلامية في مأزق وقد يجرها إلى صراع يؤدي أما إلى وصول من هو متشدد أكثر من خامنئي أو انه سيجعل من خامنئي المرشد الأخير للجمهورية وتعاد صلاحياته إلى رئيس الجمهورية.

  • تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن