مقال رأي

تصريح رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز الذي نشرته صحيفة الغارديان البريطانية في الأسبوع الماضي بأن حكومته قد تنظر بإيجابية إلى حل الدولة الواحدة في حال تعذر الوصول إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر حل الدولتين فتح باب النقاش واسعا لمناقشة الحل البديل.

برزت فكرة حل الدولتين التي تعني إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل في قرار التقسيم الأممي 181عام سبعة وأربعين لكنها ترسخت في بيان مؤتمر أنابوليس الذي رعاه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عام ألفين وسبعة. وبينما واصل الجانب العربي التمسك بالفكرة والدعوة إليها تجاهلتها إسرائيل وظلت تغير الحقائق على الأرض.

تغيير الحقائق على الأرض جعل حل الدولتين ضربا من الخيال. فالضفة الغربية التي كان يمكن أن تقام عليها الدولة الفلسطينية لم تعد كما كانت ولم يبق منها سوى اقل القليل بيد الفلسطينيين. والمستعمرات الإسرائيلية تنتشر بصورة تكاد تغطي كل الأراضي المحتلة بما فيها القدس وبعدد من المستوطنين يصل إلى سبعمئة وسبعين ألفا.

مسيرة المفاوضات تمخضت عن إعلان وعود بالحل توجت بالدعوة إلى حل الدولتين ووصلت الآن إلى طريق مسدود. لذلك تبدو الأطراف المعنية متوجهة إلى الخيار البديل مثلما المح رئيس الوزراء الأردني وكذلك صائب عريقات عام ألفين وخمسة عشر وهو خيار الدولة الواحدة. لكن فكرة الدولة الواحدة قد تختلف بين جهة وأخرى. الفلسطينيون كانوا يريدون دولة واحدة تكون عربية خالصة بينما كانت الحركة الصهيونية تريد كل فلسطين دولة يهودية خالصة. لكن الجانبين اصطدما بواقع عنيد قسم فلسطين فعلا بينهما ثم وحدهما بالاحتلال عام سبعة وستين. لكن هذا الجمع القسري بين ما عرف بإسرائيل وما عرف بالضفة الغربية لم يحل المشكلة.

يحمل حل الدولتين أكثر من إشكالية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. فإقامة دولة فلسطينية ولو على ثلث الضفة الغربية يناقض تماما الحلم الفلسطيني بتحرير فلسطين ولن ترقى إلى مستوى الدولة كاملة السيادة. وسيكون الثمن الحقيقي للدولة الفلسطينية التخلي عن ثمانية وسبعين في المئة من ارض فلسطين التاريخية وهي المساحة التي أقيمت عليها دولة إسرائيل. وبالنسبة لإسرائيل فإن إقامة دولة فلسطينية مهما كان تصنيفها ولو على جزء يسير من ارض فلسطين يناقض الحلم الصهيوني بإقامة الدولة اليهودية على كامل ارض فلسطين.

أما الدولة الواحدة اليوم فتعني أيضا تنازلات قاسية من الطرفين. فلسطينيا إذ أنها ستجسد القبول بالحق القانوني لليهود في فلسطين وبالتالي التخلي عن عروبتها الخالصة وهو الأمر الذي ظل الفلسطينيون والعرب يقاومونه منذ حوالي مئة سنة وسيكون من الصعوبة بمكان أن يهضم الفلسطينيون فكرة أن يشاركهم اليهود وبإرادتهم في أرضهم كذلك يخشى الفلسطينيون من الفصل العنصري المتوقع الذي سيحرمهم من حقوقهم.

أما إسرائيليا. فلم تقبل إسرائيل يوما بحق الفلسطينيين فيما تعتبره أرض إسرائيل كذلك ترفض فكرة الدولة الواحدة ليس فقط لأنها متمسكة بالعقيدة الصهيونية التي تريد فلسطين كلها وبدون سكانها العرب بل لأنها تخشى من التفوق الديموغرافي الذي يعمل لصالح الفلسطينيين وهذا سيجعل اليهود أقلية وقبول هذا الحل بالنسبة لإسرائيل معناه الانتحار.

التذكير بحل الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية يذكر بمقولة ياسر عرفات بهذا الشأن لكن ما كان يدعو إليه عرفات وكذلك برنامج النقاط العشر لمنظمة التحرير الفلسطينية هو أن تكون الدولة فلسطينية ويسمح فيها لليهود الذين كانوا في فلسطين قبل الانتداب أن يعيشوا فيها مواطنين كاملي المواطنة. أما الدولة الواحدة التي يشار إليها اليوم فهي الدولة الإسرائيلية التي يسمح فيها للعرب الفلسطينيين أن يعيشوا فيها مواطنين لا يعرف أحد إن كانوا كاملي المواطنة أم سيكونون تحت نظام فصل عنصري.

الدولة الواحدة لا بد أن تعني بالضرورة سيادة مشتركة فلسطينية إسرائيلية على كامل الأرض الفلسطينية ومياهها ومواردها وحدودها وهذه السيادة المشتركة تعني أيضا إعادة تنظيم الحياة السياسية والمشاركة في الحكومة والبرلمان.  كذلك تعني حرية الحركة للشعبين وبالتالي يمكن أن يتحقق حلم العودة للفلسطينيين في الشتات. ولا بد أن يرافق ذلك مشروع تنموي كبير للبناء والإعمار وإعادة توطين سكان المخيمات.

الدولة الواحدة بميزان القوى الحالي الذي هو لصالح إسرائيل بالتأكيد تعني أن يكون الفلسطينيون تحت جناح الدولة الإسرائيلية المسيطرة فعليا مثلما هو الحال داخل الخط الأخضر حيث الفلسطينيون هناك يخضعون للحكم الإسرائيلي المباشر. وسيكون من الصعب دمج العرب واليهود في دولة واحدة يتمتع فيها اليهود بالسيادة ويأتي العرب لأنهم الطرف الأضعف في المرتبة الثانية من حيث المواطنة وفي هذه الحالة ستكون الكلمة العليا للإسرائيليين.  ولأن الهاجس الأمني لدى إسرائيل عميق جدا ومخاوفها في هذا المجال يصعب تهدئتها أو تبديدها وبالنظر إلى مدى هذه المخاوف فقد يحرم العرب الفلسطينيون من حقوق كثيرة مثل المشاركة في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية ويبقون مجرد أيدي عاملة رخيصة لصالح الاقتصاد الإسرائيلي.

كثير من المفكرين والسياسيين يرون الآن أن حل الدولتين قد فات أوانه وانه يترنح بانتظار إعلان وفاته. وهو حل لم يعد مجديا مع كل التغييرات التي قامت بها إسرائيل على ارض الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويرى هؤلاء أن الفلسطينيين والإسرائيليين ينزلقون ببطء وهدوء ولكن باطراد أيضا باتجاه دولة واحدة ولكن بصورة غير رسمية لأنه على ما يبدو فإن الوضع الراهن سيستمر مدة طويلة جدا تجعل الدولة الواحدة أمرا واقعا لا يمكن الانفكاك منه ولكن لا يمكن تقنينه أيضا لكي تكون حقوق الجانبين واضحة ومثبتة.

عندما يمتد الصراع فترات طويلة جدا مثلما هو حال الصراع العربي الإسرائيلي فان انعدام الحل يكمن في ضعف الوسائل الإجرائية وافتقاد الإبداع في الحلول الممكنة التي تحقق العدالة. ولا يمكن الوصول إلى المصالحة التاريخية ما لم يقتنع الشعبان بأن وجودهما على أرض واحدة صار أمرا واقعا ولا يمكن لأحدهما إلغاء الآخر ولا بد للطرفين من التعامل مع هذه الحقيقة كما هي.

لذلك يحتاج الفلسطينيون وكذلك الإسرائيليون قادة جدد يفكرون بطريقة غير مألوفة. قد يحتاج الفلسطينيون زعيما مثل نيلسون مانديلا يحقق المصالحة التاريخية ولكن الإسرائيليين هم الأكثر حاجة لمثل هذا الزعيم الذي يمكنه إنقاذهم من قادتهم الحاليين.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن