مقال رأي

ربما اعتقد البعض في السنوات الأخيرة أن “المجاعة” صارت كلمة من الماضي لكن جائحة كورونا وما نتج عنها من إغلاقات وخسائر وتعطل في الإنتاج إلى جانب أسباب أخرى مهمة قد تعيد إحياء الكلمة وبصورة أكثر بشاعة وقسوة. لذلك فقد تكون جائحة الجوع هي الجائحة الثانية التي تضرب عالم القرن الحادي والعشرين.

الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة المعنية بمتابعة أمور الغذاء والزراعة وجدت أنه بعد خمس سنوات من التزام العالم بإنهاء الجوع بحلول العام ألفين وثلاثين أن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال وصعب التحقق.

في التقرير السنوي عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لسنة 2020 الذي تصدره بصورة مشتركة أكثر من وكالة أممية متخصصة أبرزها برنامج الغذاء العالمي تحذير جدي بأن الوفيات التي ستنجم عن الجوع قد تصل إلى ثلاثين مليونا إلى جانب الفوضى التي ستنشب جراء ذلك وقد تمتد إلى البلدان الغنية وستكون لها نتائج قاسية. وقدر التقرير إن من سيعانون من المجاعة في السنوات القريبة المقبلة سيتراوح عددهم ما بين 135-250 مليون شخص وقد يزيدون وسينضم هؤلاء إلى حوالي ستمئة وتسعين مليون شخص يعانون الآن فعلا من المجاعة. وحدد التقرير عشر دول هي الأكثر عرضة لخطر المجاعة خمسة منها في أفريقيا.

يطالب برنامج الغذاء العالمي دول العالم بالتحرك قبل فوات الأوان حتى لا يصبح الجوع جائحة عالمية يصعب تدارك نتائجها فالمجاعات المتوقعة قد تحدث في وقت أقرب من كل التوقعات وقد تكون بقسوة مجاعات العصور الغابرة.

والمجاعة لن تكون وحدها إذ سترافقها حالة من الفقر المدقع قد يطال أكثر من مئة وخمسة وسبعين مليونا من البشر أغلبهم من النساء والمهاجرين واللاجئين.

يعزو الخبراء هذا التراجع الذي سيعتري الاقتصاد العالمي إلى جائحة كورونا بما سببته من انكماش وتضخم وإغلاقات وانقطاعات عن العمل أدت إلى توقف دخول الملايين من العمال الذي يعتمدون على أجورهم اليومية للحصول على قوتهم.

لكن التقرير لا يغفل عن الأسباب الأخرى وهي أسباب حقيقية أيضا تؤدي إلى استفحال الفقر والجوع وهي أسباب لا تخفى على أحد وأبرزها الصراعات المسلحة التي تدفع الدول إلى تخصيص الجزء الأكبر من مواردها المالية لشراء السلاح ووضع الزراعة في أولويات متأخرة. والسكان في مناطق الصراعات هم الأكثر عرضة للوقوع في براثن جائحة الجوع.

وللأسف فإن الأطراف المتصارعة تحاول السيطرة على مصادر الغذاء وتستخدمه سلاحا ضد خصومها كما أنها تسعى للسيطرة على المساعدات الغذائية التي تصل وتوزعها على مقاتليها قبل أن يأخذ الناس حصتهم. وفي هذه المناطق سيكون الوقت متأخرا جدا لاي إصلاح أو تعديل في توزيع الغذاء الأمر الذي سينتج عنه مصاعب ونكسات لا يمكن تفادي تداعياتها المدمرة.

في هذه المناطق وكذلك المناطق التي تخضع لأنظمة حكم شمولية وأيديولوجية سيضطر السكان إلى تقليص وجباتهم وتقليل حصصهم الغذائية لأن تلك الأنظمة لن تكون مستعدة لتقليص نفقات السلاح لأجل نفقات الطعام ويكون الخاسر الأكبر هم الناس الجوعى.

ستكون قارة آسيا الأكثر عددا من حيث الذين يعانون من المجاعة بوجود أكثر من ثلاثمئة وثمانين مليون جائع يليها أفريقيا بمقدار مئتين وخمسين مليون جائع ثم أميركا اللاتينية بمقدار ثمانية وأربعين مليون جائع. ولكن وفق ما يرى الخبراء فان القارة الأفريقية وبحلول العام ألفين وثلاثين ستضم نصف جوعى العالم لان الجوع يتنامى فيها بكيفية سريعة جدا.

في الماضي القريب ظلت أعداد الوفيات الناجمة عن الجوع في تراجع لكن الأمر قد يصبح مختلفا بعد جائحة الكورونا. فقد عمقت هذه الجائحة هشاشة العالم تجاه الجوع. ومع أنه من المبكر تحديد حجم الأثر الذي ستحدثه كورونا على حالة الغذاء والجوع في العالم فإن بعض التقديرات تشير إلى أن مئة وثلاثين مليون إنسانا سيدخلون في قوائم الجائعين بنهاية العام الحالي وسيترتب على دولهم الكفاح جديا من أجل تامين لقمة العيش لهم.

التزايد المتوقع لحالات الجوع لا يعزى فقط إلى التغير المناخي أو الفقر الناجم عن تعطل المصالح ولكن أيضا إلى عجز الدول وخصوصا الدول النامية عن توفير المخصصات اللازمة لتطوير الزراعة وإنتاج الغذاء. وهذه الدول المتورطة في الصراعات المسلحة تفضل أن تنفق أجزاء من موازناتها على السلاح وليس على الغذاء. فالإنفاق على السلاح في هذه الدول قد يصل إلى ما بين 15 إلى 25 في المئة موازناتها السنوية.

وعلى مستوى العالم فان الإنفاق على السلاح وصل في العام ألفين وتسعة عشر إلى1917 مليار دولار حسب تقرير معهد ستوكهولم لبحوث السلام العالمي بزيادة مقدارها 3,6 في المئة عن إنفاق العام ألفين وثمانية عشر.

وإذا كانت الدول العظمى صاحبة الناتج القومي الهائل تنفق كثيرا على السلاح من وفرة ما لديها فان الدول النامية والصغيرة تقترف جريمة بحق شعوبها عندما تجعل السلاح أولوية قبل الغذاء. فأفريقيا على سبيل المثال تنفق ما يقرب من 42 مليار دولار على السلاح سنويا واستمرار الحال على ما هو عليه سيزيد من تعميق مشكلة الجوع باتجاه كوارث لا تعرف نتائجها.

إنفاق الدول الصغيرة والنامية على الزراعة وتطوير البحوث الزراعية يكاد لا يذكر إذ لا يزيد ما ينفق على الغذاء والزراعة عن إثنين في المئة من إنتاجها القومي مع أنها تملك أراضي خصبة ومصادر مياه تسمح بإنتاج زراعي يكفي شعوبها. وبينما تملك الدول الصناعية الكبرى ما يمكنها من مساعدة مواطنيها واستحداث طرق حديثة لتطوير الزراعة التي ستوفر الغذاء ولكن المشكلة ستكون لدى الدول الفقيرة التي لا تملك شيئا وتنفق من القليل الذي لديها على شراء السلاح وتمويل الحروب.

الجوع في العالم قديم لكن جائحة كورونا ضاعفت مخاطره وزادت أعداد الذين يعانون منه. ومنذ عشرين عاما تقريبا لم تتغير الأحوال الزراعية نحو الأحسن إن لم تكن اتجهت نحو الأسوأ وعلى العالم أن يتصرف بسرعة ولكن بحكمة والإنسانية الآن بانتظار القرارات الصائبة في الوقت المناسب قبل فوات الأوان.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن

اقرأ أيضا: حالات الإصابة بكورونا تتجاوز 14.38 مليون والوفيات 601961 على مستوى العالم