أخبار الآن | عمان – الأردن (الفرد عصفور)

يعيش الشارع الإيراني إرهاصات تشير إلى عدم الارتياح لما يجري من أحداث في البلاد في الوقت الذي يواصل فيه ناشطون ونواب التحذير من اضطرابات مستقبلية ناجمة عن استمرار الضغوط على الشعب بسبب العقوبات الأمريكية والفساد وقرارات النظام العشوائية. ويزيد من تفاقم الأوضاع استمرار تفشي الكورونا وارتفاع أعداد الإصابات والضحايا.

الفقر والبؤس والجوع مع الأمراض ضيقت مساحة العيش الكريم للشعب الإيراني. بينما سياسة الإخفاء والتعتيم بالنسبة للحكومة كانت وسيلتها للتعامل مع المعارضة.

يعتقد متابعون للشأن الإيراني أن الضغوط الاقتصادية والمطالب الاجتماعية والسياسية ستخلق موجة من السخط على النظام ما لم تُعٍد الحكومة النظر في سياساتها. بركان الغضب الشعبي قد يثور في أي وقت. لذلك يتوقع هؤلاء المتابعون أن الأمر لا يحتاج أكثر من مجرد شرارة لتشتعل النيران.

فالأحوال المعيشية في إيران عموما وطهران على وجه الخصوص تتدهور. الأسعار في ارتفاع متزايد. أسعار السكن مثلا ارتفعت بنسبة تزيد عن مئة وعشرين في المئة الأمر الذي يزيد الضغوط على الشباب الذين يريدون تأسيس أسر جديدة.

في الجانب الاقتصادي ارتفعت نسبة التضخم مع ارتفاع حاد في سعر صرف الدولار وصل إلى عشرين ألف ريال الأمر الذي دفع السلطات إلى طبع المزيد من الأوراق النقدية التي لا غطاء لها مما يفاقم الأزمة المالية ويؤدي إلى نتائج غير مرغوبة.

يزيد من الضغط على الاقتصاد الإيراني انخفاض مبيعات النفط من مئة مليار دولار 2018/2019 إلى تسعة مليارات بعد جائحة كورونا. كذلك فان السياحة مغلقة ومراكز الترفيه والنقل العام شبه معطلة والبطالة مرتفعة وهذا يعني انخفاض حاد في دخل الأسر وارتفاع معدلات الفقر. كذلك تراجعت الصادرات غير النفطية بنسبة 44 في المئة. ويتوقع خبراء الاقتصاد أن ينخفض النمو الاقتصادي إلى 6 سالب وهذا مؤشر خطير.

كذلك فإن تداعيات وباء كورونا على النظام الصحي وفق ما يقوله حاكم محافظة مزدران السابق غلام رضا أنصاري ستكون بعيدة المدى وعميقة وأكثر خطورة من الوباء نفسه مع استمرار ارتفاع أعداد المصابين.

المعطيات التي تؤشر إلى خطورة الأوضاع في إيران كثيرة لكن أبرزها إلى جانب ارتفاع معدل البطالة بين الشباب انخفاض الإنتاجية في مختلف قطاعات الدولة وزيادة ملحوظة في الواردات وارتفاع نسبة التضخم. وقد رافق ذلك تعميق الفوارق الطبقية مما زاد من حال الغضب ورسخ القناعة بأن رجال النظام يعملون لمصلحتهم الشخصية وليس لمصلحة البلاد.

الغضب وصل إلى الفنانين الذي رفعوا احتجاجات إلى الرئيس حسن روحاني يعترضون فيها على تدخلات جهات متنفذة في تبريز قامت بإغلاق المتاحف والمراكز الثقافية.

ترفض المعارضة الإيرانية أن تصدق ما يصرح به المرشد عن إنجازات تراها مجرد تجميل يتباهى به النظام للتغطية على تقصيره. وتصف المعارضة حال الغضب الكامن في الشارع الإيراني بانه قنبلة موقوتة وان انفجارها بات مؤكداً.

التحذيرات من انتفاضة جديدة في إيران لا تأتي فقط من المعارضة ولكن من مسؤولين في النظام نفسه. بالتأكيد مرجعيتهم هي الخوف على النظام وليس الشعب وهدفهم حماية النظام لكن تحذيراتهم جدية ولا بد أنها مستندة إلى معلومات متداولة على مستوى النخبة الحاكمة.

رئيس تحرير صحيفة الجمهورية الإسلامية الرسمية ابدى مخاوفه من الأوضاع السائدة وحذر من الذين تمتلىء جيوبهم بالمال ولا يأبهون للناس. وأشار إلى أن المشاركة الشعبية في الانتخابات الأخيرة لم تزد عن عشرة في المئة وعلى المسؤولين أن يأخذوا الأمر بجدية كافية ويدرسونه بإمعان.

البرلمان الإيراني نفسه والمليء بالمعارضين للرئيس روحاني يعمل على لوم الرئيس وتحميله مسؤولية كل مشكلات الدولة. ويحذر البرلمان مما يسميه الطوفان ويرى أن التململ في الشارع الإيراني سيقود إلى انتفاضة شعبية. لذلك يخشى البرلمان من زحف الفقراء على مراكز الدولة وإسقاط النظام.

حتى خطباء الجمعة الذين يفترض انهم الأكثر ولاء للنظام وخصوصا في سيستان وبلوشستان نبهوا إلى أن النظام يتحمل مسؤولية أي تطورات سلبية لان كل المشكلات في رأيهم سببها النظام.

هذه التنبيهات والتحذيرات شديدة الوضوح وتؤشر على ما يعانيه الشارع الإيراني من إرهاصات قد تقود إلى انتفاضة. “وعندما يحدث الطوفان لن تكونوا قادرين على وقفه” هذه كانت الجملة الأخيرة في رسالة مهمة أرسلها نواب في البرلمان الإيراني إلى الرئيس روحاني يحثونه فيها على الالتفات لمشكلات الناس البسطاء.

بالتأكيد لو حدث الطوفان والانتفاضة فإن الحرس الثوري سيكون جاهزا للقمع بكل قوة وعنف. في التظاهرات التي وقعت في نوفمبر الماضي كانت الأوامر إطلاق النار بقصد القتل وكانت النتيجة أكثر من ألف وخمسمئة قتيل الأمر الذي فرض الهدوء لكنه الهدوء المؤقت. وكان الهدف إلى جانب القمع ترهيب الناس ومنعهم من الاحتجاج مستقبلا.

كذلك كانت الأحكام القضائية القاسية سواء بالسجن المؤبد أو الإعدام احدى وسائل النظام في القمع بهدف بث الرعب في المجتمع ومنع الاحتجاج مهما كلف الثمن. واختفى الكثير من السجناء ولكن المعارضة تقول انه تم إعدامهم سرا. وقد طلبت منظمة العفو الدولية من إيران الكشف عن حقيقة مصير كثير من المعتقلين السياسيين. من بين هؤلاء معارض سياسي يدعى هدايت عبد الله وباحثة فرنسية من أصل إيراني اتهمت بالعمل ضد الأمن القومي الإيراني.

في السجون الإيرانية الآن الكثير من السجناء السياسيين المضربين عن الطعام احتجاجا على ظروف اعتقالهم السيئة. منهم المعتقلة الكردية سكينة بروانة المعتقلة في سجن قرجك وهي مضربة عن الطعام وقد اعتقلت في العشرين من فبراير، بالإضافة إلى المحامين الذين اعتقلوا لأنهم قاموا بالدفاع عن معتقلين سياسيين.

المتابعون للشأن الإيراني يرون أن المرشد وقيادة الحرس والدولة العميقة في إيران يدركون حقيقة أن أي صدمة قوية قادمة ستقود حتما إلى اضطرابات وانتفاضة شعبية. لذلك جاءت التغييرات الأخيرة في قيادة بعض كتائب الحرس الثوري الأمر الذي يشير بوضوح إلى وجود مخاوف فعلية تتجسد في الخشية من تحول المطالب الشعبية والاجتماعية والاقتصادية إلى مطالب سياسية.

مع تفاقم نتائج جائحة كورونا وزيادة الضغوط الأميركية وقساوة العقوبات التي أدت إلى انهيار العملة يبدو الشارع الإيراني متأهبا لانتفاضة ضد النظام. فالشعب الإيراني الذي يشعر بالقهر بسبب استمرار القمع الذي تمارسه السلطات من خلال الحرس الثوري يتذكر القمع الذي قوبلت به انتفاضة 2009 ولكن ازدياد الضغط سيولد الانفجار بغض النظر عن النتائج.

  • تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن

مصدر الصورة: Reuters
للمزيد:

الهند والصين: بوادر صراع مبكر على مكاسب غير واضحة