أخبار الآن | عمان – الأردن ( مقال رأي)

برغم ارتفاع حدة التوتر بين الصين والهند عند المنطقة الحدودية شمالي الهند القريبة من كشمير وحشد الدولتين قوات عسكرية على جانبي الحدود إلا انهما أكدتا أكثر من مرة انهما لا تريدان توسعة النزاع بل تسعيان إلى التهدئة والسلام وعدم التصعيد. لكن الوقائع على الأرض تشير إلى صورة أخرى إذ واصلت الدولتان التأكيد على استعدادهما لما هو أسوأ.

وفي الإعلام اتهمت كل منهما الأخرى بافتعال النزاع. وعلى صعيد ترضية كبرياء شعبها قالت الصين أنها مستعدة لكل الاحتمالات. أما رئيس وزراء الهند فقال انه لا يمكن لأحد أن يمنع الهند من الدفاع عن سيادتها ووحدة أراضيها الإقليمية. ومضى يقول وكأن الجانبين يستعدان لحرب أن تضحيات جنود الهند لن تذهب هباء. وإذا جرى استفزازها فإن الهند تعرف كيف ترد وبماذا ترد.

الخلاف الحدودي بين الهند والصين خلاف قديم منذ ترسيم الحدود أيام الاستعمار الإنجليزي في القرن التاسع عشر واستمر بعد خروج الإنجليز من الهند. واشتبك البلدان في حرب قصيرة في العام ألف وتسعمئة واثنين وستين.

هناك احتقان في العلاقات الهندية الصينية ومنذ فترة طويلة يحاول الطرفان تغيير الوقائع على الأرض. الصين من جانبها قامت بشق طرق سريعة على الجانب الصيني من الحدود من شأنها دعم التحركات العسكرية الصينية. وتقول الهند أن الصين قامت بضم حوالي ستين كيلومترا مربعا من منطقة الحدود المتنازع عليها. أما الذي يستفز الصين فهو قيام الهند بإجراءات تطوير وتنمية البنية التحتية في المنطقة وجلب ألوف العمال لتوطينهم فيها.

الاشتباكات على الحدود قد تكون مجرد انعكاس لصراع أكثر عمقا وأكبر أثرا. فالزعيمان الهندي والصيني كلاهما طموح ويسعى لكي تتبوأ بلاده مكانة عالية وان يكون لكل منهما دور مهم على الساحتين الإقليمية والدولية.

الغريب في الاشتباك الأخير هو توقيته والتصعيد الإعلامي الذي رافقه. فقد اهتم الإعلام الغربي كثيرا بهذا الاشتباك وحذرت مجلة ناشونال انترست الأميركية من تطور الحال إلى حرب نووية بين الجانبين تكون أكثر الصراعات تأثيرا وتدميرا في العالم.

عندما ينفجر صراع بشكل مفاجئ من دون أسباب علنية واضحة بعد سنوات من الهدوء فالأمر يستدعي القلق والخوف من خروج الأمور عن السيطرة. بعض الخبراء مثل كريستيان لوبريخت من جامعة كوينز الكندية يرى أن لا شيء من تصرفات الدول الكبرى غير مخطط له. وهو يرى أن الصين قد تستغل مثل هذه الحوادث الحدودية مع عدو تقليدي مثل الهند لإلهاء شعبها الذي بدأ يلومها على طريقة استجابتها لفايروس كورونا.

الاستراتيجيون في الهند يتوقعون على الدوام صراعا على جبهتين واحد مع الصين والآخر مع باكستان. لكن هذا السيناريو يظل بعيدا عن الواقع حتى الآن. فالصراع الهندي الباكستاني والعداء المستحكم بينهما دفع باكستان لكي ترتبط بتحالف مهم وقوي مع الصين. حتى أن معظم الدول المحيطة بالهند والتي تخشى قوتها الإقليمية وطموحاتها ترتبط بشكل أو باخر بالصين وتجد في هذا الارتباط حماية ضد ما تراه أطماعا هندية. أما الهند فقد وجدت نفسها مضطرة للارتباط بالاتحاد السوفياتي والآن روسيا لكي تقف في وجه الصين حليفة عدوتها باكستان.

لذلك فالعداء التاريخي بين الهند وباكستان له الأثر القوي في تصاعد التوتر بين الهند والصين. وترى الهند أن الصين هي التي ساعدت باكستان على امتلاك القنبلة الذرية.

وقد استثمرت الصين حوالي ستين مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في باكستان وتخشى الهند من تطور هذه العلاقات إلى درجة تسمح للصين باستخدام أحد الموانىء الباكستانية المطلة على بحر العرب فتستغله ضد الهند المطلة في سواحلها الغربية على ذلك البحر أيضا. ويرى المفكر الاقتصادي الأردني الدكتور جواد العناني في لقاء خاص معه أن الصين بالفعل تسعى إلى هذا الهدف لأنها لا تملك موانىء على المحيط الهندي وليس لها أي طريق للوصول إلى مياه الخليج العربي وأسواقه إلا عبر باكستان.

الصراع بين الصين والهند له أسباب ومظاهر أخرى. فالتحول الصناعي في الهند بات يلفت الأنظار وقد يهدد موقع الصين التي تتمتع بالمرتبة الأولى صناعيا. فالاقتصاد الصيني هو ال أول في العالم بينما الهندي هو الثالث عالميا. انتشار فايروس كورونا في الصين وتداعياته التي نراها الآن أضر بسمعتها كمصدر رئيسي للصناعات يعتمد عليه العالم وربما هذا سيؤدي إلى تحول العالم إلى الصناعة الهندية. فهل هذا سيرضي الصين؟ يرى المفكر الاقتصادي جواد العناني أن الصين أصلا قد تتخلى عن الصناعات الاستهلاكية الخفيفة لأنها ستنتقل إلى الصناعات الثقيلة في الطاقة والطائرات والقطارات والصناعات الفضائية وكذلك التكنولوجية والبرمجيات. وكذلك تفعل الهند إلى جانب أنها ستستحوذ على الصناعات الاستهلاكية وتأخذ الدور السابق الذي أخذته الصين في تلك الصناعات.

ويرى خبراء أن الهند سارعت إلى محاولة ملء الفراغ الذي ترتب عليه تشوه سمعة الصين بسبب الفايروس. وقد نسب إلى وزير هندي قوله إن موقف الصين الضعيف قد يساعد الهند في جذب الاستثمارات الأجنبية. وتحاول الهند إقامة منطقة صناعية حرة لاستقبال الصناعات الأجنبية التي قد تخرج من الصين.

والصين من جانبها تسعى لتصبح قوة عالمية مهيمنة تأخذ دور الولايات المتحدة وتحاول أن تفرض هيبتها الإقليمية من خلال الوقوف في وجه الهند الحليف التقليدي لروسيا، والصديق المخلص للولايات المتحدة. وعند وقوع الاشتباكات الحدودية ومع أن الصين لا ترغب في تطورها إلى حرب واسعة ومفتوحة فإنها تستغلها في محاولة فرض هيبة قوة عالمية على قوة إقليمية كمقدمة ومناورة لفرض الهيبة والهيمنة الصينية على مناطق أوسع.

الوسيلة الأخرى التي تمارسها الصين في فرض هيمنتها على دول في آسيا وخارج آسيا      هي ما يعرف باسم مبادرة الحزام والطريق التي انطلقت في عام ألفين وثلاثة عشر لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في العالم لأهداف جيوسياسية قد تولد تحالفات من نوع آخر.

قد يرى البعض أن الصين والهند قوتان متكافئتان لكن الحقيقة ليست كذلك على الأقل في الوقت الحاضر. فالاقتصاد الصيني أكبر واقوى من الاقتصاد الهندي بخمس مرات كما أن الصين دولة عظمى ذات إمكانيات هائلة يحكمها نظام مركزي قوي ولذلك فميزان القوى بالتأكيد في صالح الصين. وفي الوقت الذي قد يقف فيه حلفاء الصين معها ضد الهند فإنه من المستبعد أن تقف روسيا والولايات المتحدة حليفتا الهند معها ضد الصين ولذلك لا بد للهند أن تعيد حساباتها الآن وكما يرى الدكتور العناني فان البلدين اللذين يمتلكان قوة ردع نووي ليس أمامها إلا التوصل إلى التفاهم المتبادل المبني على المصلحة المشتركة.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقفموقع أخبار الآن

المزيد:

إيران وغزة: دعم السلاح وإهمال الإنسان