خلال الأشهر القليلة الماضية، هيمنت الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا وعواقبه على باقي الأخبار. لقد حظيت القضايا الجيوسياسية مثل الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة والصين بتغطية واسعة، ولكن هناك قنبلة موقوتة محتملة تم تجاهلها بالكامل، وهي المعركة على خطوط أنابيب النفط في البحر الأبيض المتوسط. في الواقع، من المحتمل أن تكون هذه المسألة أهم قضية متعلقة بالطاقة بالنسبة لأوروبا في العقود القبلة ، وقد تؤدي إلى صراع بين تركيا وجيرانها.

يعد النقل الحالي والمستقبلي للغاز إلى أوروبا من البحر الأبيض المتوسط مسألة جيوسياسية كبيرة، وهي على المحك، من الربح الهائل إلى السلطة. تشمل الدول المشاركة بعضًا من أكبر بلدان العالم، من روسيا إلى الولايات المتحدة، إلى الاتحاد الأوروبي وتركيا واليونان ومصر ولبنان وقبرص وإيطاليا وفرنسا.

المشروعان المتنافسان هما خط الأنابيب التركي-الروسي المسمى “Turk Stream  ” الذي تم تشغيله في يناير، بينما كلا البلدين في حالة حرب في ليبيا، والآخر هو مشروع “EastMed “، وهو خط أنابيب بطول ٢٠٠٠ كيلومتر ينقل الغاز المكتشف قبالة شرق البحر الأبيض المتوسط عبر قبرص ثم اليونان ثم إيطاليا ثم إلى بقية أوروبا. طلبت فرنسا في يناير الفائت الانضمام إلى منتدى غاز شرق البحر المتوسط “إيست ميد”، كما طلبت الولايات المتحدة أن تصبح مراقبًا دائمًا.

ومن المثير للاهتمام أن الدولة الرئيسية في هذه المنافسة الفتاكة بين خطي الأنابيب هي ليبيا. لذلك، ليس من قبيل الصدفة أن تكون تركيا قد انخرطت بنشاط كبير في ليبيا، حيث أن حماية ” Turk Stream  ” وتخريب “EastMed ” بأي ثمن كانا من بين الأسباب الرئيسية. لذلك وقعت أنقرة في نوفمبر ٢٠١٩ اتفاقًا مثيرًا للجدل مع حكومة الوفاق الوطني – حكومة ليبيا الإسلامية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة – التي ادعت أن مناطق واسعة من البحر الأبيض المتوسط هي لتركيا. تخلق مذكرة التفاهم هذه منطقة اقتصادية حصرية تشمل الجزر اليونانية بما في ذلك جزيرة كريت وجزر رودس. تزعم تركيا أن هذا يمنحها الحق في التنقيب عن الهيدروكربونات في المناطق التي تغطيها مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق الوطني.

وقالت تركيا أيضًا إن مذكرة التفاهم تعطيها الحق في إعاقة خط أنابيب الغاز الذي يمكن أن يعبر المناطق التي تغطيها مذكرة التفاهم. في الأساس، أعلنت تركيا وليبيا وجود حدود بحرية جديدة في المنطقة التي يتعين على “ميد إيست” عبورها، ما يمنح أنقرة حق النقض (الفيتو). ومنطقيًا، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي. مذكرة التفاهم بأنها “استفزازية وغير مفيدة”.

منذ العام الماضي، كانت تركيا تقوم بعمليات تنقيب قبالة قبرص بشكل غير قانوني. في نوفمبر ٢٠١٩، أكد الاتحاد الأوروبي أن التنقيب الذي تقوم به أنقرة غير قانوني، قائلاً: “على الرغم من دعوات الاتحاد الأوروبي المتكررة لوقف أنشطتها غير القانونية في شرق البحر الأبيض المتوسط، واصلت تركيا عمليات التنقيب داخل المياه الإقليمية القبرصية. وكرر المجلس التأثير السلبي المباشر والخطير لهذه الإجراءات غير القانونية عبر مجموعة من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. وهكذا فإن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات ضد تركيا، ما يعني أموالًا أقل، وقروضًا أقل من بنك الاستثمار الأوروبي، فضلًا عن تجميد محادثات اتفاقية الطيران. في يناير ٢٠٢٠، إضافة إلى صوت بروكسل، نددت اليونان وقبرص ومصر والإمارات العربية المتحدة وفرنسا بمحاولات التنقيب التركية غير القانونية، والتي بلغ عددها ٦, في أقل من عام واحد في المناطق البحرية التابعة لقبرص.

على الرغم من هذه المعارضة الدولية بعد عدد كبير من الانتصارات العسكرية الحاسمة في ليبيا ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، قال وزير الطاقة التركي في ٣١ مايو إنه يخطط لبدء التنقيب عن المواد الهيدروكربونية في شرق البحر الأبيض المتوسط في الأشهر الثلاثة إلى الأربعة المقبلة، في خطوة أغضبت الاتحاد الأوروبي وجيران أنقرة.

في الوقت الذي كانت فيه تركيا تتخذ كل هذه الخطوات العدوانية لتطوير مشاريع الطاقة الخاصة بها، كانت أنقرة تهدد أيضًا قبرص واليونان ومصر، مدعية أن هذه الدول لا تستطيع إنشاء خطوط نقل الغاز الطبيعي في هذه المنطقة.

إضافة إلى ذلك، رفض وزير الخارجية التركي اتفاقية ٢٠١٣ بين مصر وقبرص بشأن التنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط.
من ناحية أخرى، ممثلو “ميد إيست” لا يقفون مكتوفي الأيدي على هذه البلطجة. وقعت اليونان للتو على اتفاق للحدود البحرية مع إيطاليا لتسوية الحقوق السيادية بموجب قواعد الأمم المتحدة، وتحديد المناطق الاقتصادية بين البلدين، وتهدف إلى تعزيز موقفها في نزاع إقليمي مع تركيا. ومن المتوقع أن تفعل أثينا الشيء نفسه مع القاهرة قريبًا لمنع التوسع التركي غير القانوني في البحر المتوسط.

مع انتصارات تركيا في ليبيا، قد تكون أنقرة على وشك الوصول إلى أكبر منتج للنفط في إفريقيا. بعد أن منحه المجتمع الدولي إذنًا مجانيًا للسيطرة على معظم ليبيا، يسعى أردوغان بكل جرأة لتحقيق أهدافه في مجال الطاقة. علاوة على ذلك، فإن السيطرة على البحر الأبيض المتوسط هي الجائزة الكبرى التي تتنافس عليها أنقرة وموسكو.

مصدر الصورة: (Photo by Emrah Yorulmaz/Anadolu Agency via Getty Images)

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن