أخبار الآن | عمان – الأردن ( مقال رأي)

في العام ألفين وأربعة حذر الملك عبد الله الثاني مما أسماه الهلال الشيعي الذي أصبح مصطلحا سياسيا يتم استحضاره كلما كثر الحديث عن مخاطر إيران ونفوذها المتعاظم في العراق وسوريا ولبنان وغزة وانعكاس ذلك المؤكد على منطقة الخليج. عندما أبدى العاهل الأردني مخاوفه تلك من الهلال الشيعي لم يؤخذ تحذيره على محمل الجد لكن الأيام أثبتت أن الأمر جدي بالفعل والتحذير كان في وقته وعدم أخذه جديا هو الذي أوصل المنطقة إلى ما وصلت إليه اليوم.

يعبر هذا المصطلح الذي أطلقه العاهل الأردني في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست عن قلق عالمي من نفوذ إيراني يستند إلى سلوك طائفي لتشكيل ما يشبه التحالف الذي يتستر بحجة المقاومة فيهدد ميزان القوى التقليدي في المنطقة ويشكل تحديا جديدا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.

تعتقد إيران أن بإمكانها أن تعود شرطي الخليج مثلما كان الحال أيام الشاه. وهي تعلم أنه ليس بإمكانها ذلك من دون بركة الولايات المتحدة. ومع ذلك فإنها تسعى لهدفها باستخدام أكثر من وسيلة. وهي تحاول الاستفادة من عدم وضوح الدور الأميركي في الخليج. كما تحاول الاستفادة من العزلة التي هي فيها لتدعيم صناعاتها الحربية وخصوصا في مجال الصواريخ.

يعطي النظام الإيراني الأولوية لتطوير قدرته العسكرية على حساب حاجات الشعب برغم قساوة الظروف المعيشية الناشئة عن العقوبات الأميركية وكذلك تداعيات جائحة كورونا التي عصفت بالنظام الصحي الإيراني وأسقطت عشرات الألوف من المصابين.

تعتقد إيران أن تقوية قدراتها العسكرية سيتيح لها سيطرة سهلة على الخليج فتحرك أدواتها الإقليمية بصورة ذكية. ومنذ سقوط نظام صدام حسين فتحت لها أبواب العراق للتدخل الواسع. وفي الآونة الأخيرة جعل الانسحاب الأميركي من العراق وبعض المناطق الأخرى في الخليج الأمور أكثر سهولة أمام إيران وأتاح لها فرصة لم تكن متوفرة من قبل.

تقيم إيران علاقات وطيدة مع كثير من الجماعات والشبكات في الشرق الأوسط مثل حزب الله في لبنان والجهاد الإسلامي في غزة وتهيمن على الكثير من السياسيين في العراق بالإضافة إلى إشرافها المباشر على ميليشيات موالية لها في العراق وسوريا واليمن.

ومع أن إيران تقيم علاقات جيدة مع روسيا والصين لكن ليس لها أي حليف قوي وليس لها أي علاقات ودية مع أي دولة في الشرق الأوسط عدا العراق وسوريا. وما يهم إيران اليوم هو حماية نفوذها ومصالحها في المنطقة ومنع خصومها من أن تكون لهم السيطرة على مياه الخليج.

لكن إيران تسعى بكل جهد ممكن للامتناع عن أي مواجهة مفتوحة ومكشوفة مع الولايات المتحدة لأنها تدرك عدم قدرتها على الخروج منتصرة من مثل هذه المواجهة. ولهذا السبب قد تتجه إيران إلى تحريض أدواتها واتباعها في المنطقة للاحتكاك والاشتباك مع مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

واستعدادا لمثل هذه المواجهات تحاول إيران أن تزيد من قدراتها العسكرية بفتح باب سباق التسلح في المنطقة. ولان حظر السلاح ما زال مفروضا عليها تحاول إيران الاعتماد على نفسها في التصنيع العسكري. ففي الشهر الماضي أعلن الحرس الثوري أن بحريته تزودت بمئة واثني عشر زورقا هجوميا يستخدم لإطلاق الصواريخ. وقال الحرس أن تلك الزوارق تتمتع بميزات السرعة العالية وإمكانية تفادي الرادار بالإضافة إلى إمكانية تحولها إلى زوارق هجومية. وفي فبراير الماضي كشف الحرس الثوري أيضا عن تزوده بصواريخ أرض ــ أرض جديدة وقاذفات صواريخ بالإضافة إلى إطلاق قمر صناعي لأغراض عسكرية. كما أعلنت إيران أنها تقوم بتصنيع طائرات درون بدون طيار وتستخدمها في اليمن.

في محاولاتها للهيمنة تقوم إيران بحشد قدراتها العسكرية وبناء قواعد صواريخ لاستخدامها عند الضرورة ضد أهداف أميركية أو أهداف حليفة لها. واعتماد إيران على قدرات صاروخية بعيدة المدى أو متوسطة المدى سببه الضعف العام الذي يعانه منه جيشها بسبب عدم امتلاكه أسلحة حديثة فكل مدرعاته قديمة أو تم تجديدها ولا تتمتع بقدرات تقنية ذات مستوى متقدم مثلما هو الحال في جيوش باقي دول المنطقة. كذلك تفتقد إيران إلى طيران حربي قوي وفعال حيث أنها لم تتزود بطائرات حربية حديثة منذ زمن بعيد.

أما الجيش وتعداده ثلاثمئة وخمسين ألفا ومع أنه يعد من اقوى الجيوش في الشرق الأوسط لكن الاعتماد ليس عليه وإنما على القوة الصاروخية. إذ تمتلك إيران آلاف الصواريخ وفق ما أعلنه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في ستوكهولم في أحدث تقرير له عن ميزان القوى في الشرق الأوسط.

أما بالنسبة للعمليات الخارجية فالاعتماد على فيلق القدس الذي تناط به مهمة التنسيق مع القوى العسكرية العاملة لمصلحة إيران في الخارج.

تبقى القدرات النووية الإيرانية غير المكتملة والتي جاء الاتفاق النووي مع الدول الكبرى ليحد منها. برغم عدم توفر معلومات دقيقة عن نشاط إيران النووي فان المؤكد أنها لا تملك حتى الآن رؤوسا نووية أو سلاحا نوويا لان الاتفاق مع الدول الكبرى وضع حدا لطموح إيران في هذا الشأن وان كانت تواصل الإيحاء بقدرتها على بناء قوة نووية رادعة.

حسب تقديرات مراكز دراسات اجنبيه يزيد حجم موازنة إيران العسكرية وإنفاقها على تطوير أسلحتها على ستة عشر مليار دولار على الرغم من الضائقة المالية والاقتصادية التي تعاني منها. ومع أن انخفاض أسعار النفط والعقوبات المفروضة عليها يجب أن تكون مدعاة لتخفيض إنفاقها العسكري إلا أن إيران لم تفعل الأمر الذي يؤكد نواياها في تعزيز قدراتها العسكرية لتحقيق أهدافها.

ولأن القدرات الحربية في المنطقة غير متكافئة فإن هذا سيمنع إيران من الدخول في حرب مباشرة لأنها لا تستطيع تحمل نتائج الدمار الذي قد يلحق بها من ضربة أميركية قاضية توجه لها بصورة مباشرة. لكنها قد تلجأ في حال انفجار الصراع إلى الإيذاء في المناطق السهلة والمقصود بذلك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

قد يؤدي حادث فردي أو احتكاك غير مقصود إلى إشعال حرب مثلما فعل ما يعرف بسيناريو سراييفو عندما قتل ولي عهد النمسا فاشعل الحرب العالمية الأولى. ومع بقاء احتمالات المواجهة قائمة إلا أن الفوز فيها أمر آخر!

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

إقرأ المزيد:

هل بمقدور إيران أن تكون بحجم تهديداتها في الخليج؟