جائحة فيروس كورونا التي نشأت في الصين والتي أصبحت أكثر ضرراً وإنتشاراً بسبب تستر وأكاذيب الحزب الشيوعي الصيني كانت بمثابة دعوة للمجتمع الدولي لكي يستيقظ و يرى طبيعة النظام الصيني على حقيقتها. واتخذت الولايات المتحدة زمام المبادرة في مواجهة الصين، بطريقة ثنائية الحزبين في تلك السنة الانتخابية، وجعل الرئيس الأمريكي ترامب مواجهة الصين بمثابة الأولوية القصوى بالنسبة إلى إدارته.

حدوث حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة والصين قد بدأ الآن. ولكن من المدهش أن هذه الحرب لم تحدث من قبل، حيث أن كلا البلدين كانا في حالة تصادم مستمرة لبعض الوقت، ولكن الإدارات الأمريكية المختلفة قامت بوضع الملف الصيني تحت البساط. والآن في التقرير الذي صدر لتوه عن “النهج الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه جمهورية الصين الشعبية”، الذي وقعه الرئيس ترامب وأرسل إلى الكونغرس، يُقال أن الولايات المتحدة كانت ساذجة خلال الأربعين عامًا الماضية في التفكير بأن الصين ستنفتح اقتصاديًا وسياسيًا. و يضيف التقرير بأن الصين قد أساءت بمشاركتها في تشكيل نظامنا لصالحها، بينما كانت تقوم بتوسيع قوتها ونفوذها بطرق خبيثة.

في وقت سابق من هذا العام، اعتقد مخططو البنتاغون بأن الموارد العسكرية الأمريكية المحدودة، بما فيها السفن الحربية وأنظمة صواريخ باتريوت، يجب أن تُكرس لأولويات أخرى غير الشرق الأوسط، و منها أن يتم تكريس هذه الجهود لمواجهة توسع النفوذ العسكري الصيني في آسيا. و الدليل على ذلك هو أن الولايات المتحدة قامت مؤخرًا بإزالة بعض صواريخ باتريوت المضادة الخاصة بها من المملكة العربية السعودية. و نظراً لأنها إعتبرت إيران كقضية عسكرية أقل أهمية، فإن الصين صعدت إلى قمة قائمة التهديدات.

لذا، فإن أمريكا تزيد ضغوطها العسكرية على الصين: على مدى الأسابيع القليلة الماضية، قامت السفن البحرية الأمريكية وقاذفات B-1 التابعة للقوات الجوية بمهام تهدف إلى إرسال رسالة واضحة للغاية إلى بكين و على العلن، مفادها أن الجيش الأمريكي يعتزم بالحفاظ على وجوده في المنطقة، بالإضافة إلى طمأنة حلفائه.

تدعم السفن الحربية الأمريكية ماليزيا ضد ضغط الصين عليها في بحر الصين الجنوبي. ومن بين أمور أخرى، تتهم واشنطن بكين بإجبار الدول الأصغر على تطوير موارد بحرية. و في المنطقة، زادت الصين من تسلطها على تايوان، التي تعتبرها تابعة لها، حيث قامت على الأرجح بشن هجوم إلكتروني ضد الرئيسة تساي إنغ ون عند بدءها لفترة ولايتها الثانية. وفي الوقت نفسه، وافقت الولايات المتحدة على بيع 18 طوربيدًا ثقيلًا لتايوان مقابل 180 مليون دولار.

وفي هذا السياق، اقترح السيناتور الأمريكي توم كوتون تشريعًا بقيمة 43 مليار دولار أسماه “قانون تشكيل المقاومة العملياتية للتوسع الصيني “، حيث سينفق السيد كوتون مليارات الدولارات لبناء قدرات عسكرية مشتركة مع الحلفاء في المنطقة لمواجهة الصين، وهو أمر تحتاجه الولايات المتحدة بشدة. حيث أنه على مدى العقد الماضي و في الحرب الأمريكية ضد الصين، خسرت الولايات المتحدة في كل مرة تقريبًا.

في حالة نشوب حرب مع الصين، سيتم تعطيل أقمار التجسس والاتصالات الأمريكية على الفور، و سيتم إستهداف القواعد الأمامية في غوام واليابان بصواريخ دقيقة وبكثافة شديدة، وستضطر حاملات الطائرات الأمريكية إلى الإبحار بعيدًا عن الصين هربًا من الهجوم، ولن تصل طائرات F-35 الحربية الأمريكية إلى أهدافها لأن ناقلات التزود بالوقود التي يحتاجونها سيتم إسقاطها. وبالتالي، فإن ذلك الهجوم سيكون مخالفاً للمنطق السليم، حيث أن بكين لها الأفضلية الأكبر في هذه الحرب وحتى على المستوى العسكري، وسوف تستخدم ذلك لمواصلة توسعها وتسلطها على الدول الأخرى.

ولم تضيع الصين أي وقت، حيث قامت بكين بالاستيلاء على السلطة في هونغ كونغ، والتي تعهدت بالحفاظ عليها بهذا الشكل حتى عام 2047.

قالت السلطات الصينية لأول مرة إن مكاتبها التمثيلية في المنطقة يمكنها “الإشراف” على الشؤون الداخلية لهونغ كونغ، مما يقوض استقلالية الجزيرة. ورداً على هذا التدخل العدواني الصيني في هونغ كونغ خلال العام الماضي، قدم عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون حزبي من شأنه أن يفرض عقوبات على مسؤولي الحزب الصيني والكيانات الذين ينفذون القوانين الجديدة في هونغ كونغ وسوف يعاقب البنوك التي تتعامل مع الكيانات.

هجوم أمريكي آخر ضد سلوك الصين المارق يجري في قطاع التصنيع. يقول البنتاغون أن جائحة كوفيد-19 تؤكد الضعف الناتج عن الاعتماد على المصانع الآسيوية. ولذلك، فإن الولايات المتحدة تقوم بإعادة ترتيب عوالم التصنيع بعيداً عن الصين.

حيث يسعى الرئيس ترامب وصانعو الرقائق الأمريكية، بما في ذلك شركة إنتل (Intel) العملاقة، إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الرقاقات الإلكترونية.

وبالفعل، أعلنت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (TSMC)، و هي أكبر شركة تقوم بتصنيع رقائق السيليكون، عن خططها لبناء مصنع رقائق متطور بقيمة 12 مليار دولار في أريزونا، نظرًا لأن مخاوف الولايات المتحدة تتزايد ليست فقط بشأن اعتمادها على آسيا من أجل التكنولوجيا الحساسة، ولكن أيضًا بشأن خطر استيلاء الصين على تايوان في مرحلة ما.

في ظل تفشي فيروس كوفيد-19، يريد السيناتور كوتون أيضًا تسهيل الأمر على شركات الأدوية والمستلزمات الطبية من أجل نقل التصنيع خارج الصين وإلى الولايات المتحدة بالتحديد. كما يقترح مدير المجلس الاقتصادي الوطني لاري كودلو علناً أن تقوم الحكومة بالدفع لجميع الشركات المصنعة الأمريكية من أجل مغادرتها للصين وإعادة سلاسل التوريد إلى الوطن.

كما اتخذت أمريكا زمام المبادرة في معاقبة شركة هواوي الصينية العملاقة المرتبطة بالحزب الشيوعي الصيني. وبالنسبة لشركة الاتصالات العملاقة، فإن قيام إدارة ترامب بإحباط وصولها إلى أشباه الموصلات سيضر بقدرتها على الحفاظ على شبكات الاتصالات حول العالم وطرح تكنولوجيا شبكات الجيل التالي.

لن يكون التصعيد بين الولايات المتحدة والصين، سواء كان عسكرياً أو اقتصادياً أو مالياً، مجرد مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية، بل ستكون مسألة محلية أيضاً. لقد تضررت صورة الصين بشكل كبير، حيث أن ثلثي الأمريكيين الآن لديهم نظرة سلبية تجاه بكين. ستكون الصين قضية ضخمة بالنسبة للإنتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، وقد بدأ كلا المرشحين بالفعل في تصوير نفسيهما على أنهما سيكونان شديدين تجاه بكين.

مصدر الصور: storyblocks