أخبار الآن | عمان – الأردن (مقال رأي)

في شهر إبريل الماضي شهدت مياه الخليج تصعيدا إيرانيا بقيام زوارق الحرس الثوري الإيراني بتحدي البحرية الأمريكية والاقتراب منها مسافة عشرة أمتار في حركة استفزازية استدعت تحذيرا أمريكا واضحا بأن أي اقتراب للزوارق الإيرانية لمسافة مئة متر من السفن الأمريكية سيعني تهديدا وان الأوامر صدرت للبحرية بتدمير أي سفينة إيرانية تقترب لمثل هذه المسافة. وعند كل تحذير أمريكي يرد الحرس الثوري بتحذير مضاد وهذه المرة هدد الحرس الثوري بتدمير السفن الحربية الأمريكية إذا ما تعرض للتهديد. لكن المفارقة هي أن الإيرانيين كانوا دائما بعد كل تهديد يلتزمون بالتحذير الأمريكي الأمر الذي يعني أن تحذيرات الحرس هي لمجرد حفظ ماء الوجه أمام الشعب الإيراني.

ترصد البحرية الأمريكية في الخليج تصرفات إيران خشية أن يؤدي سوء تقدير للموقف من الجانب الإيراني إلى صدام مسلح سيعطل الملاحة ويعيق السفن التجارية.  فاحتمال وقوع أخطاء تؤدي إلى صدام أمر ممكن لعدم وجود اتصالات مباشرة بين الطرفين والاتصالات الحالية بين الجانبين تتم عبر أجهزة الراديو وهذا يعيق التفاهم وقد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة لا يريدها الجانبان في الوقت الراهن.

التوتر الإيراني الأمريكي انتقل إلى البحر الكاريبي بعدما أرسلت الولايات المتحدة بوارج حربية لإعاقة ناقلات النفط الإيراني إلى فنزويلا في عمل تصفه واشنطن بانه خرق للعقوبات بينما ترى إيران أنها لا تلزمها. وهدد وزير الدفاع الإيراني بالرد على أي تعرض لناقلات النفط الإيراني سواء في الخليج أو تلك المتجهة إلى فنزويلا. وهو ما تعتبره إيران استفزازا خطيرا وعملا من أعمال القرصنة بحسب وزير الخارجية الإيراني. كما هدد الحرس الثوري أيضا بأن الرد الإيراني سيكون صارما.

فهل تستطيع إيران فعلا أن تكون على قدر التهديدات التي تصدر عنها؟

قد تشعر إيران بقدرتها على إيذاء المصالح الأمريكية اعتمادا على ما تملكه من أسلحة وقد تستخدم ميليشياتها المنتشرة في المنطقة لذلك الغرض.

ولكن بالنظر إلى ميزان القوى بين الجانبين فالأمر مختلف على أرض الواقع.

فالقدرات الأمريكية تفوق بدرجات عديدة واضحة القدرات الإيرانية برا وجوا وبحرا كما تمتلك الولايات المتحدة أسلحة غير تقليدية رادعة بالإضافة إلى أكثر من ثمانين ألف جندي منتشرين في المنطقة وجاهزين للتحرك.

القدرات الإيرانية قد تبدو للإيرانيين أنفسهم كبيرة وقديرة لكن نظرة فاحصة تكشف سوء هذا التقدير فهي بالتأكيد ليست موازية للقدرات الأمريكية وهي ليست من النوعية التي يمكن السيطرة عليها وضبطها.

وقد كان حادث البارجة كونارك في بحر عُمان التي تعرضت لصاروخ من قبل بحرية الحرس الثوري أثناء قيام بحرية الجيش بمناورة ومقتل تسعة عشر بحارا من بحارتها دليلا على ضعف القدرات التقنية لدى الجانب الإيراني. وقد تضاربت البيانات الإيرانية المتعلقة بهذا الحادث لكن المرجح أن يكون الخطأ التقني في توجيه الصاروخ هو السبب.

أثار الحادث بلبلة دعت الجيش الإيراني لإصدار نفي رسمي حول ما يتردد بأن البارجة تعرضت إلى قصف متعمد من بحرية الحرس. لكن عندما يقول الرئيس وكذلك المرشد انه لا يجوز تكرار هذه الحادثة ويدعو إلى مزيد من الانضباط في القوات المسلحة مع الدعوة إلى محاسبة المقصرين الذين تسببوا في الحادث ففي هذا إشارة ولو خفية إلى وجود مشكلة.

التضارب في البيانات والازدواجية في السلطات توحي بوجود انقسام في صفوف القيادة الإيرانية. وعند التدقيق في التفاصيل يمكن اكتشاف أن الجيش الإيراني أكثر تعقلا وهو يدرك حجمه الحقيقي وعدم قدرته على الدخول في مواجهة مع الأمريكين. وتدرك إيران أو العقلاء فيها على الأقل أنها غير قادرة على مواجهة الولايات المتحدة بل وتخشى هذه المواجهة. وتعلم إيران من حوادث سابقة أن بمقدور الولايات المتحدة أن تدمر قدرات إيران تدميرا شاملا مثلما حدث في العام ثمانية وثمانين عندما دمرت الولايات المتحدة القدرات البحرية الإيرانية بعد تعرض بارجة أمريكية للغم إيراني في مياه الخليج.

أما هذه المرة فإن أي مواجهة مسلحة ستكون مؤلمة لإيران ومفيدة للرئيس الأمريكي على المستوى الانتخابي. ستؤدي ليس فقط إلى تدمير القوة الإيرانية بل ربما مع تفشي وباء كورونا والوضع الاقتصادي المهدد بالانهيار فان الدولة الإيرانية بكاملها قد تتعرض للسقوط وهذا ليس الوقت المناسب لذلك وحتى الولايات المتحدة لا تريده وهي مقبلة على انتخابات وتعاني من تداعيات وباء الكورونا.

بعد مقتل سليماني أعادت إيران ترتيب أوراقها. وبغض النظر عن التهديدات التي يطلقها الحرس الثوري فالانتقام الأمريكي بقتل سليماني ردا على قتل الميليشيات الموالية لإيران في العراق مقاولا أمريكيا فاجأ طهران وصدمها ودعاها لإعادة حساباتها والجنوح للتهدئة والاعتراف بمحدودية قدراتها.

بهدوء خفضت إيران درجة التوتر مع الولايات المتحدة التي تفهمت الموقف الإيراني. وقد يكون التراجع الإيراني عن التصعيد نتيجة ترتيبات تم التوصل إليها ودفعت إيران إلى محاولة استرضاء الولايات المتحدة. وليس غريبا أن تلك الترتيبات والتفاهمات ظهرت في سلسلة من الأحداث بعد قتل سليماني.

ظهر التعاون واضحا من خلال توافق الجانبين على قبول رئيس وزراء جديد للعراق معروف بعلاقاته مع الأمريكين. كما أمرت الميليشيات الموالية لإيران في العراق بوقف نشاطاتها المعادية للأمريكين وهذا يؤكد وجود قنوات خلفية للاتصال بين طهران وواشنطن اظهر الجانبان عبرها عدم سعيهما للمواجهة المفتوحة أو الحرب الواسعة.

كذلك سمحت الولايات المتحدة للعراق عدم الالتزام بمقاطعة إيران وهذا سيعود على إيران بمزيد من العملات الصعبة التي تحتاجها. كما تساهلت الولايات المتحدة مع استخدام إيران لبعض أرصدتها المجمدة في الخارج.

عرضت إيران من جانبها أيضا التفاوض بشأن تبادل معتقلين. وعلى أرض الواقع أوقفت استفزازاتها في مياه الخليج. الجانبان الأمريكي والإيراني بحاجة الآن إلى التهدئة. تحتاج إيران إلى تحسين سلوكها أمام مجلس الأمن الذي سيجتمع في أكتوبر القادم لإعادة النظر في حظر الأسلحة المفروض عليها وهي لا تريد إغضاب المجلس في هذا الظرف.

يمكن للرئيس الإيراني حسن روحاني أن ينصت إلى صوت العقل ويبتعد عن حماسة الحرس الثوري المندفع والى الآن قد ينجح في إبعاد شبح الحرب والمواجهة لكن الخلاف سيبقى فإلى أي مدى يستطيع الرئيس حماية مصالح إيران الحقيقية ويجنبها الدمار والانهيار بعيدا عن التصرفات المتهورة للحرس الثوري؟

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

إقرأ المزيد:

أين يتجه الشرق الأوسط إن ضمت إسرائيل الضفة الغربية؟