أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (مقال رأي) 

في ٩ أبريل ٢٠١٣، سمع العالم بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام” لأول مرة. كان دخولاً على الساحة دراماتيكياً. من حضر ذلك اليوم لم يصدق ما كان يحدث، ولم يُخيّل لأحد أن تنتهي الأمور في سوريا على هذه الحال. 

في ذلك الوقت، كان الحراك السوري في أوجه وكان يحقق انجازات كبيرة على الأرض بواسطة مختلف التكوينات التي كانت نواتها ومرجعيتها الجيش الحر. جبهة النصرة، بزعامة السوري أبي محمد الجولاني، كانت تُعرّف على أنها رديف للجيش الحرّ لها مرجعية إسلامية. وبالرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت صنّفتها على قائمة الإرهاب، إلا أن كثيرين في ذلك الحراك كانوا يشككون في وجود أي علاقة قد تربط بين هذه الجماعة المقاتلة وبين الإرهاب. 

وهنا، ألقى البغدادي القنبلة. 

في ذلك اليوم، صدرت كلمة صوتية لأبي بكر البغدادي وكان وقتها أميراً على ما يُسمى “دولة العراق الإسلامية.” في الكلمة التي عنوانها “وبشّر المؤمنين،” قال البغدادي إنه “انتدب” الجولاني “وهو أحد جنودنا” ومعه مجموعة من عناصر التنظيم حتى ينفذوا خططاً رسمها التنظيم لهم، ووُضع تحت تصرفهم مبلغ شهري يُقدر بنصف “بيت المال” لديهم. 

وقال البغدادي إنه لم يُعلن عن هذا العلاقة “لأسباب أمنية” أو “حتى يرى الناس حقيقة الدولة بعيداً عن تشويه الإعلام وتزويره.” وأعلن عن “إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وإلغاء اسم جبهة النصرة وجمعهمها تحت اسم واحد: الدولة الإسلامية في العراق والشام.” 

في البداية، اعتقد كثيرون أن هؤلاء “القاعدة” يريدون أن يركبوا موجة انتصارات الحراك السوري لا أكثر، على نحو ما حاول الظواهري مع الحراك المصري في ذلك الوقت ولمّا ينجح. 

لكن بعد ساعات، أكّد الجولاني ما كان يكذبه كثيرون. 

في كلمة صوتية قصيرة، مدتها سبع دقائق، أقرّ الجولاني بأنه قدم “مشروعاً” للبغدادي من أجل “نصرة” الشام. وأقرّ بأنه أمده بالمال والرجال. وقال إنهم لم يرغبوا في استعجال الإعلان عن العلاقة بين المجموعتين لا “لرقة في الدين” وإنما استناداً إلى أصول شرعية كما قال. 

صحيحٌ أن الجولاني كال للبغدادي كلمات إطراء كثيرة، لكنه ختم بشيئ من السخرية وقال: “وإني لأستجيب إذا إلى دعوة البغدادي … بالارتقاء من الأدنى إلى الأعلى وأقول هذه بيعة من أبناء جبهة النصرة ومسؤولهم العام، نجددها … للشيخ أيمن الظواهري.” 

الظواهري لم يكن قد بتّ بعد في المسألة. ولو أن الجولاني ترك الأمر له ولم ينبرِ ندّاً للبغدادي، لربما شاهدنا وضعاً مختلفاً اليوم على الساحة الجهادية. فالظواهري لم يكن غريباً على الخلافات مع فرع العراق. كانت له تجربة سابقة مع أبي مصعب الزرقاوي بسب دمويّته. في كل حال، لاحقاً حكم الظواهري للجولاني وخاطبه والبغدادي بأن يبقي كل منهما على ما له. وهو ما رفضه البغدادي. وسرعان ما تحولت القطيعة من جولاني – بغدادي إلى بغدادي – ظواهري. 

لم تخلُ التنظيمات التابعة للقاعدة من مشاكل داخلية على مستوى الأفراد أو القيادة والأفراد – كما حدث في الصومال، والمغرب الإسلامي مثلاً؛ الفرع الوحيد الذي كان مستقراً هو القاعدة في شبه جزيرة العرب. 

لكن ما حدث في أبريل ٢٠١٣، تسبب في تآكل غير مسبوق للقاعدة على مستوى القيادة. حتى إنّ منظري السلفية الجهادية حاولوا الإفتاء في الأمر، وجرّ مسوّغات فقهية لمسألة تتعلق في واقع الأمر بالسلطة والنفوذ والطمع بما تحقق للحراك السوري لا أكثر. فانبرى لكل منهم جمهور: ذهب أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني في اتجاه، وذهب أبو المنذر الشنقيطي وأبو الهدى السوداني في اتجاه آخر. 

في ٢٠١٣، تمزق الجهاديون بين قاعدة وداعش. واليوم، هم مترنحون بين قاعدة وداعش والجسم الجديد الذي ابتدعه الجولاني في مواجهة الظواهري تحت اسم “هيئة تحرير الشام.” ولو تتبعنا ما فعله الجولاني لرأينا تكراراً لسيناريو البغدادي قبل سبع سنوات بالنظر إلى كيف أعلن عن الهيئة، وكيف انبرى وشرعيوه للردّ على الظواهري، وكيف لاحقوا جماعة الظواهري في الشام – حرّاس الدين – بالحبس والاغتيال. ومرة أخرى، ذهب المقدسي في اتجاه وأبو قتادة في اتجاه آخر. 

مصدر الصورة AFP

للمزيد:

البيعة الخرسانية تقلب الموازين لصالح البغدادي