أخبار الآن | عمان – الأردن (مقال رأي)

اعتقد النظام الإيراني أن وباء كورونا سيمر مرورا عاديا ولن تصل الأمور إلى هذا السوء فاستهان بالأمر وتساهل وكتم السر وأخفى الحقائق لكن حسابه لم يكن موفقا. فالمرض ترسخ ووضع إيران ضمن الدول العشر الأولى في عدد الإصابات وعدد الوفيات وفي تسارع الانتشار.

ناشطون إيرانيون دعوا الحكومة للتحرك الجدي بدلا من استغلال الظروف لأهداف أيديولوجية مؤكدين أن الحكومة اخفت الحقائق وفشلت في إدارة الأزمة. نقد كثير تم توجيهه للرئيس روحاني واتهم بالتقاعس عن الإجراءات التي كان يجب اتخاذها في وقت مبكر. كما أن وزارة الصحة الإيرانية بحسب ناشطين إيرانيين وكذلك نواب اخفت الأرقام الحقيقية للضحايا.

ومثل كل نظام شمولي أيديولوجي يلتزم النظام الإيراني مصلحته أولا ويسعى للحفاظ على بقائه حتى لو كان ذلك على حساب حياة الناس. هناك حالات سابقة لم تكن فيها حياة الناس تساوي شيئا أمام مصلحة النظام وأقربها تظاهرات نوفمبر الماضي التي قتل فيها الحرس الثوري المئات من المتظاهرين.

الأنظمة الدكتاتورية في العادة تتكتم على الأحداث الكبرى ولا تكسر حاجز الصمت بشأنها إلا إذا أجبرت على ذلك. حتى بعد أول وفاتين بالمرض ظلت السلطات الإيرانية الرسمية تنفي وجوده واعتبرت أي أخبار بهذا الخصوص مجرد شائعات. سعت السلطات إلى احتواء المرض لكنها لم تستطع، ففي العشرين من فبراير تفشى المرض بإعداد كبيرة في مدينة قم فاضطرت السلطات إلى كشف الحقيقة بعد أن كشفت منظمة الصحة العالمية أن الوضع في إيران مثير للقلق وبعد أن كشفت عدة دول عن وقوع إصابات مصدرها مسافرون قدموا من إيران.

لأجل الحفاظ على صورتها أرادت السلطات إنجاح ثلاث مناسبات قبل أن تكشف الحقيقة فآثرت التكتم والتعتيم حتى لا يكون للإعلان عن المرض أثار سلبية على هذه المناسبات. المناسبة الأولى كانت ذكرى الثورة ثم الانتخابات النيابية وثالثا عيد رأس السنة الفارسية.

مصادر طبية إيرانية تؤكد أن العدد الحقيقي للمصابين أكبر بكثير مما هو معلن رسميا. ويبدو أن كشف الأرقام الحقيقية سيضعف الثقة بين الناس والسلطة ويدفع الناس إلى التشكيك بمصداقية الحكومة والنظام وكفاءته بعد أن انخفضت الثقة إلى أدنى مستوى ممكن منذ حادثة الطائرة الأوكرانية.

خمسة أسابيع مرت على أول إصابة بالفايروس المعدي حتى بدأت السلطات تطبق إجراءات الحماية. وينسب للريس الإيراني قوله “إن الوقت لا يسمح بالصراع السياسي” مما يعني وجود مثل هذا الصراع بين القيادات الإيرانية، بين من يريد حماية صحة الناس وبين من يريد حماية النظام أولا.

من الواضح أن السلطات الإيرانية تعمل ببطء شديد والإجراءات التي تتخذ لا تتم من جهة واحدة وربما احتاج الرئيس الإيراني إلى مشورة الحرس الثوري أو مكتب المرشد لكي يعلن أي قرار يتعلق الكورونا. فلم يستطع الرئيس أن يلغي عطلة واحتفالات عيد النيروز مكتفيا بنصح الناس بعدم زيارة الأضرحة. كما رفض اقتراحا بفرض الإغلاق الكامل على طهران وإغلاق المصالح التجارية.

التقصير الحكومي كان واضحا بصورة جلية في مدينة قم مركز انتشار المرض. فجهاز فحص المسافرين في مطار قم حسبما يقول عاملون في المطار غير فعال وغير دقيق ولذلك مر مئات القادمين من الصين الذين كانوا في

إجازة في بلادهم بمناسبة رأس السنة الصينية. فهذه المدينة يعمل فيها آلاف الصينيين بينهم سبعمئة طالب صيني يدرسون في جامعتها وحوزاتها.

كشفت الصحف الإيرانية أنه في الوقت الذي أوقفت فيه شركات الطيران رحلاتها من الصين واليها سيرت شركة طيران ماهان والمملوكة بالكامل للحرس الثوري خمسا وخمسين رحلة إلى المدن الصينية برغم انتشار المرض، ولم يستطع الرئيس أن يفرض منعا لهذه الرحلات.

لإخفاء تقصيرها ما زالت السلطات الإيرانية تتهم جهات خارجية بأنها وراء إرسال الفايروس إلى إيران. في خطابه بمناسبة عيد النيروز والذي كان عبر الراديو اتهم الخامنئي من يسميهم أعداء إيران بنشر المرض فيها لمنع الإيرانيين من المشاركة في الانتخابات النيابية الأخيرة. وقد ردت على ذلك عضو مجلس مدينة طهران شهربانو أماني من حركة الإصلاح بالقول انه لو قيلت الحقيقة من أول يوم وتم تأجيل الانتخابات لكان الوضع أفضل وتحت السيطرة.

البطء والتردد في إجراءات مواجهة الكورونا يشيران إلى أن مراكز قوى عديدة تتصارع فيما بينها وكل واحدة منها تسعى لمصلحتها. فهناك الحرس الثوري وهناك الجيش وهناك رجال الدين وهناك الرئاسة وكل منها يسعى بطريقته.

خامنئي حسم الأمر وكلف الجيش والحرس الثوري إدارة أزمة الكورونا وكأنها أزمة أمنية فانشغلوا باعتقال كل من انتقد سوء الإدارة وبطء التعاطي مع الأزمة. ويتصرف الجيش والحرس الآن بدون الرجوع للرئيس وهذا قد يؤدي إلى بداية انشقاق بين مراكز القوى المختلفة.

حتى النواب تعرضوا لانتقادات حادة من الصحف واتهموا بأنهم يهملون صحة الشعب وينشغلون لمصلحتهم بإجراء المقابلات التلفزيونية وقالت الصحف انه كان على النواب بدلا من ذلك أن يعملوا مع الحكومة لإنقاذ البلاد.

وعلى ما يبدو فان جهود الحكومة الإيرانية في التقليل من خطر الكورونا يهدف إلى تخفيف حجم الانتقاد لتقصيرها في مواجهته. ويتضح من ذلك أن مصلحة النظام أولوية تسبق مصلحة الناس وحماية حياتهم.

إذا استمر انتشار المرض بهذه السرعة وهذه الأرقام المقلقة من حيث الوفيات فقد يؤدي إلى أن يفقد النظام شرعيته بعد أن فقد مصداقيته لدى مواطنيه. فالتهديدات الأمنية التي خلفها انتشار المرض والضائقة المالية الشديدة التي يعاني منها الإيرانيون وخواء خزينة الدولة وانهيار سعر العملة الوطنية مع تواصل العقوبات كل ذلك عوامل قوية تضعف النظام وتهيئ تربة خصبة للانقلاب عليه.

ولسان حال الإيرانيين يقول نريد قادة يعلمون ما يفعلون!

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

مقالات أخرى للكاتب:

بعد إخفاقات الإسلام السياسي: مسار علماني يحمي الجميع