أخبار الآن | مقال رأي لـ أوليفييه غيتا المدير الإداري لشركة جلوبال سترات

من أفغانستان، حيث وقعت الولايات المتحدة صفقة تاريخية مع طالبان، إلى مالي حيث تواصل الرئيس مع المجموعة الرئيسية المرتبطة بالقاعدة، لا تزال بعض الحكومات تعود مجدداً إلى التفاوض مع الإرهابيين. قد تكون هذه الصفقات وصفة لكارثة محتومة. على مر التاريخ، الاستسلام للإرهابيين لم ينجح البتة، ولكن يبدو أن بعض الدول لا ترى مخرجا آخر.

بعد ثمانية عشر عامًا من حرب دامية – بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر –بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان، قامت الولايات المتحدة بالتخلي عن مساعيها والانسحاب، خاصةً وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد وعد بأن يعيد القوات الأمريكية من أفغانستان قبل انتخابات نوفمبر. في حين أن تفاصيل الصفقة غير واضحة لحد الآن، إلا أن انسحاب القوات الأمريكية كان مشروطاً بأن تتوقف طالبان عن استخدام العنف. بعد يوم واحد فقط من توقيع الاتفاق، استأنفت طالبان هجماتها ضد الجنود واضطرت الولايات المتحدة إلى شن هجوم دفاعي ضد قوات طالبان.لقد فشلت الصفقة بحكم الواقع ويبدو أنها مستحيلة.

على غرار الولايات المتحدة في أفغانستان، في مالي وبعد ثماني سنوات من حرب دموية غير متكافئة، تضمنت جنودًا ماليين وجنودًا فرنسيين (5100 جنديًا) وقوات الأمم المتحدة (14000 جندي) قاتلوا مختلف الجماعات الجهادية، ولكن نهاية هذا النفق المظلم لا تزال غير واضحة، أو حتى غير مرئية.

حققت القوى المناهضة للجهاديين بعض النجاح المبكر بعد التدخل الفرنسي في عام 2013 الذي أطاح بقوات القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والتي كانت على بعد 50 كيلومترًا من العاصمة باماكو، وكانت تهدف إلى أن تسيطر على البلاد بأكملها. منذ ذلك الحين، كان الوضع يتحسن تارة ويسوء تارة عندما يتعلق الأمر بالوضع العسكري، مع تدهور كبير في الأشهر القليلة الماضية.

في ضوء ذلك، نقض الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا سياسة مالي بعدم التفاوض مع الإرهابيين، معلنا أن “عدد القتلى في منطقة الساحل أصبح كبيرًا للغاية وأن الوقت قد حان لاستكشاف مسارات معينة”. ثم تواصل في كانون الأول (ديسمبر) ومرة أخرى في شباط (فبراير) مع الجماعة الجهادية الرئيسية، المجموعة المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تسمى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة إياد أغ غالي أحد قادة الطوارق. لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الرئيس يخطط أيضًا لإجراء محادثات مع تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، التي وصفتها فرنسا مؤخرًا بأنها “عدو ذوأولوية”.

لقد أصبح معروفاً أن مالي تفاوضت سراً مع الإرهابيين في الماضي مثل فبراير 2019 عندما أطلقت الحكومة سراح 18 جهاديًا مقابل رهينتين ماليتين، لكن هذه المبادرة الأخيرة ليست علنية فحسب، بل تستلزم أيضًا مفاوضات سياسية طويلة الأمد.

لا داعي للقول بأن بعض القادة في فرنسا، والذين قدموا الكثير من التضحيات بما في ذلك حياة جنودهم، بالإضافة لأعضاء في المجتمع الدولي يعارضون بشدة قرار الرئيس المالي الأخير. ومن المثير للاهتمام أنه بعد الضغط على الحكومة المالية قالت إن لديها بعض الخطوط الحمراء غير القابلة للتفاوض، بما في ذلك الشريعة الإسلامية، وسلامة أراضي مالي، والمساواة بين الرجال والنساء.

ومن المثير للاهتمام أيضاً أن الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تسمى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قامت قبل أيام قليلة بالرد علناً على اقتراح وانفتاح الرئيس المالي. وقالتجماعة نصرة الإسلام والمسلمين المتحالفة مع القاعدة إنها مستعدة لمناقشة سبل إنهاء الصراع مع الحكومة في باماكو، وأضافت أن هناك شرط مسبق للمحادثات وهو “إنهاء الاحتلال الفرنسي المتغطرس والعنصري والصليبي”. وأضافت أن باماكو “يجب أن تعلن صراحة إنهاء وجود بارخان (العملية العسكرية الفرنسية) و”قوات بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي” على أراضيهم”.

إن هذا أمر غير موضوعي أبداً، لأن مالي لا تستطيع أن تتحمل انسحاب القوات الأجنبية والتي تقارب من 20000 جندي من أراضيها، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى خطر تراجع الوضع في البلاد لعام 2012 عندما كان الجهاديون يسيطرون على معظم أنحاء البلاد. بالإضافة لذلك، هناك جانب مهم يجب أخذه في الاعتبار وهو أن المجموعتين الجهاديتين الرئيسيتين المرتبطتين بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية لا تنحصران في مالي فحسب، بل تنفذان أيضًا هجمات في بوركينا فاسو و النيجر. بالنسبة لمالي، فإن الذهاب بمفردها ومحاولة التفاوض مع جماعة إرهابية لها بصمة إقليمية يقوض بشكل أساسي سلطة جيرانها. وفي الوقت نفسه، من المحتمل أيضًا أن بوركينا فاسو، جارة مالي التي عانت أكثر ما عانته من الإرهاب في السنوات الثلاث الماضية، قد تتبع مبادرة الرئيس المالي إذا نجح الأمر.الإرهابي هو إرهابي في النهاية، إن احتمال قيام الجهاديين بتغيير مخططاتهم وأهدافهم ضئيل للغاية، ومالي تقوم بشكل أساسي بتشجيع الإرهابيين بالاستسلام للمحادثات. لن يساوم الجهاديون المتشددون على قانون الشريعة وعلى أن يحكمواالبلاد بخلافتهم المزعومة. لن يقبلوا بأي شيء أقل من ذلك. لقد رأينا ما فعله تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شمال مالي عام 2012 عندما كان التنظيم يدير المنطقة.

الرئيس المالي والرئيس الأمريكي كذلك واهمان عند التفكير في أن مفاوضاتهما المباشرة مع الجماعات الجهادية ستعني أي نهاية للعنف. كلاهما سيدفع ثمن هذا الحل الكاذب غالياً جداً.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

مقالات اخرى للكاتب:

موزمبيق … ساحة الصراع القادمة

خطر تحالف القاعدة وداعش على الساحل الأفريقي وتداعيات افساح الساحة لهما