أخبار الآن | مقال رأي لـ أوليفييه غويتا المدير الإداري لشركة جلوبال سترات

عندما يتحدث أحدنا عن الإرهاب في أفريقيا، عادة ما يتبادر إلى الذهن نيجيريا والصومال مباشرةً. في الآونة الأخيرة، بدأ الناس بالإستيقاظ أخيراً وإدراك التهديد المتزايد في منطقة الساحل. ومع ذلك، هناك دولة واحدة يجب أن يلتفت انتباهك إليها، وهي موزمبيق.

 

الوضع في موزمبيق مروع للغاية، لدرجة أن حزبًا معارضة كبيراً دعا الحكومة إلى إعلان حالة الحرب في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية، حيث استمرت الهجمات الجهادية لعدة سنوات، بما في ذلك بعض الهجمات التي يدَعيها تنظيم داعش. منذ عام وحتى الآن، تم تنفيذ ما لا يقل عن 28 هجومًا في هذه الدولة، معظمها من قبل جماعة جهادية تسمى جماعة الشباب، و هي جماعة أخرى مختلفة عن الجماعة الإرهابية في الصومال.

 

في البداية كان لدى هذه الجماعة ما يقارب 50 جهادياً، لكن عددهم ارتفع إلى قوة مسلحة تزيد عن 300 جهادياً. واليوم يقدر أن الجماعة قد يكون لديها ما يصل إلى 1500 مقاتل قادرين على مهاجمة الدولة. وحتى الآن، شنت الجماعة حوالي 370 هجومًا منذ هجومها الأول على مركز للشرطة في عام 2017، ما أدى إلى 909 حالة وفاة تم تسجيلها حتى الآن. يوجد لدى جماعة الشباب مجلس أعلى يجلس فيه بعض المقاتلين الأجانب والشيوخ التنزانيين. وعلى الرغم من التمرد الجهادي المحلي، تمكنت جماعة الشباب من إقامة روابط مع الميليشيات الإسلامية في الصومال وتنزانيا وكينيا. وساعد القادة الروحانيون الراديكاليون في تنزانيا وكينيا والصومال في التدريب الديني وحتى العسكري للشباب في شمال موزمبيق. ويرتبط هذا بالمتطرفين الدينيين من الدول المجاورة، الذين تأثروا بعلماء إسلاميين من الشرق الأوسط و تزوجوا من عائلات في كابو ديلغادو، و من ثم حصلوا على الأرض ونشروا أيديولوجيتهم العنيفة والمتطرفة داخل المجتمعات المحلية.

 

عندما تسيطر جماعة الشباب على منطقة ما، يضطر الناس لحضور محاضرات ومشاهدة مقاطع فيديو لخطب المتطرف الإسلامي الراحل الكيني الشيخ عبود روغو محمد، الذي قام بتدبير الهجمات على السفارات الأمريكية في نيروبي ودار السلام في عام 1998.

 

ورداً على ذلك، وقعت الدولة اتفاقيات أمنية مع تنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، من أجل إنشاء قيادة عسكرية إقليمية ونقل المزيد من القوات إلى الشمال. على سبيل المثال، تمنع الشرطة التنزانية الجهاديين المشتبه بهم من العبور إلى أي منطقة غنية بالغاز في موزمبيق. ويُزعم أن 132 شخصًا تم اعتقالهم في تنزانيا في هذه الحملة المستمرة على مدار الساعة لمنع الجهاديين من العبور بحرية إلى موزمبيق.

 

في الوقت الذي تشهد فيه موزمبيق موجة ثابتة من الهجمات الجهادية في كابو ديلغادو، شهدت تلك المنطقة بالتحديد اكتشافات ضخمة للغاز الطبيعي، ما يجعل من الدولة عملاق للطاقة في المستقبل. ولفهم التأثير الهائل للإيرادات القادمة، فإن الأرباح المفاجئة تقدر بنحو 50 مليار دولار، أي ما يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي الحالي لموزمبيق. ولذلك إستقرت شركات الطاقة العملاقة في مشاريعها على موزمبيق: فهانك مشروع بقيمة 25 مليار دولار للغاز الطبيعي المسال برئاسة شركة توتال الفرنسية قيد العمل للعام المقبل. في حين تسعى أناداركو بتروليوم لجمع 14-15 مليار دولار لمشروع غاز طبيعي مسال. ومنطقيا، طلبت شركتا الطاقة العملاقتان، إكسون موبيل وتوتال، من موزمبيق إرسال المزيد من القوات لحراسة عملياتها في أقصى شمال كابو ديلغادو بعد تصاعد هجمات الجهاديين. ومع ارتفاع المخاطر، سيستمر الجهاديون في ضرب شركات الطاقة الأجنبية في المستقبل المنظور. إن عائدات الغاز الطبيعي الهائلة تجعل موزمبيق من الدول المحتمل أن تصبح غنية للغاية ومصدرًا للكثير من الحسد.

 

روسيا الانتهازية حاولت في الآونة الأخيرة استغلال فرصتها في القارة الأفريقية. ففي أغسطس 2019، نظمت موسكو أول زيارة لزعيم موزمبيق لروسيا منذ عام 1987 لتوقيع اتفاقيات ثنائية للأمن والطاقة. وبعد شهر، وصل إلى كابو ديلغادو ما يقارب 200 – 300 مقاول عسكري من مجموعة الفاغنر لمحاربة المتمردين المحليين; و تعتبر القاغنر مجموعة شبه عسكرية مقربة من الرئيس بوتين. وأحضر هؤلاء المقاولين العسكريين معهم مجموعة معقدة من الأدوات العسكرية عالية التقنية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار وأدوات تحليل البيانات، ولكن الأمور لم تمضي كما توقعوا. لم تكن الأسلحة الروسية الحديثة وخبرتهم في مناطق الحرب مثل سوريا وليبيا كافية للبدء في هزيمة المتمردين. ولكن لم يقتصر ذلك على دور المعارضة الجهادية العنيدة، بل وأيضًا على دور جيش موزمبيق. بالتأكيد لم يكن الجيش منتشياً لكي يسمح للمرتزقة الروس بوضع أنوفهم في تعاملاته. ولكن على أي حال، بعد تعرضهم لسلسلة من الكمائن وقرابة 12 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها في عدة معارك داخل مناطق كثيفة بالغابات في كابو ديلغادو، بدأ المقاولون العسكريون الروس في التراجع الاستراتيجي.

 

المعركة من أجل موزمبيق بدأت للتو. ولن يدع الجهاديون والمتمردون والجيش والمرتزقة الروس هذه الفرصة تضيع من بين أيديهم بسهولة، ومن المحتمل أن يبدأوا القتال من أجل هذه الثروة الجديدة في السنوات القليلة المقبلة.

جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

المزيد:

هكذا علقت ورقة تركيا في سوريا في عنق الزجاجة الاوروبية