أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة (د. هشام الهاشمي – خبير الجماعات المتشددة)

  • – إنهيار تنظيم “داعش” يعتبر مفصلاً أساسياً من مفاصل التاريخ الحديث.
  • – أبو بكر البغدادي اعتمد على 3 تحولات تنظيمية صلبة تحيط به وقريبة منه.
  • – هناك فروقات كبيرة بين البغدادي وأبو مصعب الزرقاوي.
  • – تنظيم “داعش” عمل على تنظيم هيكلية تنظيمية للخلافة. 
  • – اعتمد التنظيم على نشر الخوف والترهيب والتخويف. 
  • – شهد التظيم خلافات عديدة بين قياداته، وساد مبدأ الشك وسوء الظن بينهم.
  • – أكثر قيادات “داعش” هم صنيعة السجون وعلى رأسهم البغدادي.
  • – في العام 2015، بدأ التنظيم يتآكل قيادياً ودلّ ذلك على فقدان قدرته على التمدد والصمود الفاعل.
  • – استغلّت التنظيمات الإرهابية الثورات العربية للتمدد وفرض السيطرة.
  • – كان هناك سعي دولي لإنهاء “داعش” وتنظيم جبهة “النصرة”.
  • – العراق هو الورقة الرابحة في الصراع العالمي ضد الإرهاب، والورقة المعقدة التي لا نهاية معروفة لها، هي ورقة سوريا.

إليكم التفاصيل:

لا يمكن أن يعتبر أحدٌ أنّ مسألة خسارة تنظيم “داعش” الإرهابي لـ”أرض الخلافة” بالأمر العادي المُنتظر. الأمر هذا سيكون مفصلاً أساسياً من مفاصل التاريخ الحديث، وسيكون محطّة تحوّل تربط حقبة بحقبة جديدة. منذ العام 2014، سُلّطت الأضواء على هذا التنظيم المُنهار، وكانت البروباغندا التي رافقته، قد ساهمت في تعزيز فكرة القوة التي كان يزعمها. أمّا عن زعيمه أبو بكر البغدادي، فإنه اعتمد على صناعة 3 تحولات تنظيمية صلبة تحيط به وقريبة منه، وتشاركه بالعقيدة والمنهج والغاية.

داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة شرق سوريا

ما هي هذه التحولات؟

– التحول الأول: بعد انهيار تنظيم القاعدة في العراق عام 2010، عمل البغدادي إلى إعادة هيكلة التنظيم، وجعل في قيادته نواة صلبة وهم من القيادات العراقية، أي “عرقنة القيادة العليا” التي لها تاريخ وتزكية في الحركات السلفية الجهادية ولَم يؤشر عليهم الجدل والفرقة، وأكد على تكفيرهم لأي مسار تفاوضي مع الآخر.

– التحول الثاني: تمثّل في إعطاء البغدادي للضباط البعثيين الذين “تابوا” من فكر البعث ومنهجه، مناصب كبيرة منها النائب وزعامة اللجنة المفوضة وقيادة ديوان الجند ودواوين الأمن والمال والزكاة والركاز. الخطوة هذه لم يعمل بها من سبقه، فـ أبو مصعب الزرقاوي، كان قبِلَ توبة هؤلاء، لكنه منعهم من تولي مسؤوليات كبيرة في التنظيم بل كلفهم بمهام لوجستية وميدانية صغيرة.

– التحوّل الثالث: تمثل بأنّ البغدادي جعل هدفه هو قتال العدو القريب، إذ ترك عمليات الكر والفر أو عمليات “الجهادي الشبح” وذهب الى قتالٍ من أجل كسر الحدود بين العراق وسوريا، والسيطرة على مراكز الثروات والمخازن العسكرية والمعابر الحدودية والطرق الدولية والجسور والسدود، وإدارة أرض التمكين، وفرض البيعة له على جميع المسلمين السنة في تلك الجغرافيا، وإعلان الخلافة وفرض الأحكام الدينية المتشددة، وفتح باب الهجرة الى أرض الخلافة والتمكين.

هذه التحولات الثلاثة هي من أسست “داعش” وجعلته الاقوى والأغنى في تاريخ الجماعات الجهادية.

بين البغدادي والزرقاوي.. فروقات كبيرة

رغم أنهما من نسيجٍ واحد، غير أنّ هناك الكثير من الفروقات بين البغدادي والرزقاوي.

البغدادي شديد الحياء!

يؤمن البغدادي باللا مركزية وتوزيع الصلاحيات على قيادات الدواوين ومجلس الشورى واللجنة المفوّضة. فبحسب السجناء من قيادات “داعش”، فإن البغدادي لا يتدخل الا في تعيين الولاة وقادة الدواوين وإعلان الحرب أو قرار الانسحاب، وهو في الغالب يريد أن يحافظ على رمزية الخليفة والخلافة.

إلى جانب ذلك، فإنّ البغدادي لا يمتلك كاريزما القيادة، بل إنه شديد الحياء وقليل الظهور الاعلامي ويثق كثيراً بالعناصر العراقية ويقسم صلاحياته عليهم، كما أنه ليس حازماً بالتعامل مع أخطاء قياداته. فعند هزيمة الفلوجة، فإنّ البغدادي لم يأمر بإعدام قائد الفلوجة، وإنما بجلده وحوّله إلى مستوى آخر من القيادة. كذلك، فإنّ البغدادي عمل لمشروع دولة خلافة تنتشر في 3 قارات.

الزرقاوي شديد الشك

في المقلب الآخر، فإنّ الزرقاوي هو زعيم منظمة محلية تجمع الثروات وتوسع السلطات، والفرق بينه وبين البغدادي أن حلم الأخير كان لحكم قارة، بينما حلمه هو كان حكم قرية.

إلى ذلك، فإنّ الزرقاوي كان يمتلك كاريزما خطابية، ويتميز بالشدة والحزم في التعامل مع مساعديه ومستشاريه، كما أنه كان شديد الشك بالعناصر العراقية، ويعطي المناصب للاجانب وقلّما يعطيها للعراقيين. هو ديكتاتور يتدخل في أدق التفاصيل التنظيمية، يبحث عن العمليات الكمية وليست النوعية، يعشق الإثارة الإعلامية ولديه تمرد وتعالي على قيادة القاعدة المركزية، باستثناء أسامة بن لادن.

“داعش” جماعة مارقة على علماء الجهاد

ومع هذا، فإنّ إحدى أبرز مشاكل تنظيم “داعش”، أنه تمرد على القاعدة، وبالتالي فإنه لا يملك شخصيات بدرجة مفكر أو عالم إسلامي، ولا شخصيات بدرجة منظر وكاتب اسلامي او فَقِيه إسلامي أو مفتي إسلامي معتمد. فأكثر ما تملكه “داعش” في هيئاتها الشرعية، هم الدعاة والناشرين من الأئمة والخطباء ومجموعة من طلبة العلم المبتدئين. ما يمكن قوله، هو أنّ داعش لم تؤمن بنخبة من علماء السلفية الجهادية، فهي “جماعة مارقة” على علماء الجهاد وغير معترف بها، وتم تصنيفها بأنها جماعة باغية او خارجة على مناهج الجماعات الجهادية والاحيائية التصحيحية.

نساء داعش الأجنبيات يطالبن بلادهن بالعودة وبمحاكمة عادلة

التصور الواقعي للهيكل التنظيمي الوظيفي لتنظيم “داعش”

عرض تنظيم “داعش” للمرة الأولى، شرحاً مفصلاً لهيكلته وأدوار مسؤوليه ودور الولايات والدواوين وغيرها عبر إصدار جديد بعنوان “صرح الخلافة”، ونوه التنظيم إلى أهمية “مجلس الشورى” الذي يقوم بعمل أمير داعش.

ونوّه “داعش” إلى أن “دور أبي بكر البغدادي هو أن يحمل الناس على الالتزام بأحكام الشرع، ويطبق الحدود، ويقيم الدين وينشره، ويجهز الجيوش، ويحصن الثغور، ويحمي البيضة”.

ولفت التنظيم إلى أنّ “دور مجلس الشورى هو مساعدة الخليفة، وأعضاء هذا المجلس يتّسمون بالدراية، وحسن التدبير، والعلم، والصلاح”.

الهيئات الأساسية والقيادية
مجلس الشورى
اللجنة المفوضة المشرفة على مفاصل الدولة

 

ولايات “داعش” عددها 35 – في الشام والعراق: 19 ولاية – في دول أخرى 16 ولاية
ولايات داعش في الشام والعراق (19):
بغداد
الأنبار
صلاح الدين
الفلوجة
ديالى
الجنوب
نينوى
كركوك
دجلة
الجزيرة
البركة
الخير
الرقة
دمشق
حلب
حمص
حماة
الفرات

 

الدواوين
ديوان القضاء والمظالم
ديوان الحسبة
ديوان الدعوة والمساجد
ديوان الزكاة
ديوان الجند
ديوان الأمن العام
ديوان بيت المال
ديوان الإعلام المركزي
ديوان التعليم
ديوان الصحة
ديوان الزراعة
ديوان الركاز
ديوان الغنائم
ديوان الخدمات

 

المكاتب والهيئات
هيئة الهجرة
هيئة شؤون الأسرى والشهداء
مكتب البحوث والدراسات
إدارة الولايات البعيدة
مكتب العلاقات العامة والعشائر

خلاف بين القيادات

وبحسب السجال والمجادلة والتعليقات والردود بين البغدادي وأيمن الظواهري وبين أبو علي الانباري نائب البغدادي والجولاني “أمير تنظيم القاعدة” في الشام، وبحسب شهادة “الوسيط” أو “ميسر الحوار” أبو عبدالعزيز القطري، أمير جماعة جند الأقصى، فإنّ الخلاف كان لسببين: فصل قيادة العراق عن قيادة الشام. يرى البغدادي أنّ “بيعة القاعدة للظواهري غير ملزمة له، فهو لم يبايعهم، والظواهري شخصية مجروحة في عقيدتها وعدالتها، وهو يتعامل مع الآخر الكافر ويعتقد جواز التعامل مع الاخوان والمبتدعة”.

قيادات “داعش”.. صنيعة السجون

إن وحشية تنظيم “داعش” هي ردة فعل انتقامية واسعة على البيئة السنية التي هزمته مرتين في فترة الصحوات العشائرية السنية، وفِي فترة العمل بالوسائل الديمقراطية والانخراط بالعمل السياسي. ولذلك، فهم يَرَوْن أن السني المرتد أو العامل بالسياسية او الموظف الحكومي أشد خطراً من الآخر العراقي. فالبغدادي ليس وحده من تخرّج من إهمال السجون للمراقبة والمتابعة للامن الفكري، والقيام بواجبات تلك الدوائر من التأهيل والإرشاد. فأمثال حجّي بكر العقيد سمير الخليفاوي، وهو بعثي سابق، دخل السجن بفكر علماني وانتهى به الأمر الى مهندس تنظيم “داعش”، وكذلك نائب البغدادي ومساعده الأهم ابو مسلم التركماني المقدم فاضل الحيالي حيث دخل السجن وهو بتهمة المقاومة المنطوية تحت حزب البعث المنحل والنتيجة أن أصبح من أهم رجالات داعش.

وهناك العشرات بل المئات ممن دخلوا السجون بسبب الطائفة او القومية او الاشتباه او لأسباب اجرامية جنائية، وبسبب اختلاطهم مع ناشرين ودعاة الفكر المتطرّف، خرجوا الى المجتمع وهم أكثر كراهية وحقداً وأصبحت لديهم قضية وعقيدة تكفيرية ومنهجاً أرهابياً، وصاروا نواة لتلك التنظيمات.

داعش يحاصر 200 أسرة سورية.. ونداء دولي للتحرك

أهم أسلحة “داعش”

تعدّ عملية نشر الرعب والترهيب بالتوحّش إحدى أهم أسلحة “داعش”. في المعارك، يدرك ذلك جميع الضباط والجنود حينما يبدأ التنظيم بالهجوم والعمليات العسكرية. ما يأتي الى خيالهم هي تلك الصور المرعبة التي تدفع الكثير من الجنود الى الفرار وترك أسلحتهم.

وفعلياً، فإنّ الفساد الذي ضرب البنية التحتية العسكرية العراقية، وقلة المراقبة والانضباط والتدريب، كما أن الجندي لم يكن لديه عقيدة عسكرية وقتالية عن سبب قتاله من أجل حكومة وقادة فاسدين، بالاضافة إلى أن الحاضنة السنية كانت ضد قوى الأمن لأسباب التهميش والاقصاء والاستبداد الطائفي والحكومي. كانت تلك الحاضنة منقسمة على “داعش” بين حيادي ضعيف، وبين من يرغب بانتقام “داعش” له من تصرفات القوات الحكومية.

شخصيات “داعش”.. على ماذا اعتمدت؟

يشير الخبراء إلى أن داعش اعتمد إلى حد بعيد على الشخصيات من أصول بعثية على قيادة أهم ملفات الهيكل التنظيمي . وبالتالي فإن شخصياتهم، أخذت في الاعتبار دراسة الفكر التكفيري الجهادي حتى يكون لها ثقلها الآيديولوجي والعسكري والأمني في داعش، لكي لا يمكن استبدالهم. ولكن المسار الذي اتخذه هؤلاء القادة، حتى أصبحوا ما عليه، ويقتضي الحذر في الحديث عن أن قتلهم يمثل ضربة قاضية ونهاية داعش. فربما لا يكون هناك مثل حجّي بكر والبيلاوي والعلواني والسويداوي والتركماني والحمدوني، شخصية ملهمة لداعش ومؤسسة لها، ولكن قصة إيجاد البديل ولو بقيمة دون المثل ليست صعبة. فـ التحالف الدولي والأجهزة المختصة العراقية قتلت 32 قائداً لداعش من الصف الأولى من أصل 43 وقتلت 98 آخرين من القيادات الميدانية والوسطى.

لكن هل يستطيع داعش تعويض كل ذلك، وهو يعيش أزمة الهزيمة في الجبهة العراقية والسورية. عملياً، فإن التعويض يحتاج الى التزكية والمعرفة بشخصية القائد الجديد وتجربته والتأكد من اعتناقه للفكر التكفيري.

العام 2015.. عام “التآكل القيادي”

في العام 2015، بدأ التنظيم يتآكل قيادياً، وهذا يعني فقدان قدرته على التمدد والصمود الفاعل، كما أنه فقد قدرته الإجرائية والتنفيذية، من جهة، وفقد قدرته كهيكل تنظيمي يعمل بروح الجماعة من جهة ثانية. كذلك، فقد داعش قدرته على إيجاد نموذجاً مقبولاً في تمثل الخلافة الإسلامية.

إعلان النصر على داعش مؤجل… لماذا؟

في العام نفسه، تحول “داعش” من اللامركزية الى المركزية الشديدة والسلطة المطلقة، وهي أداة سوف تزيد من تآكله، لذلك فهي “غير شورية”، وهذا ما يفسر خطاب البغدادي الأخير، وتشبهه بالزرقاوي الذي اشتهر بإدارة تنظيمه بالاستبداد مع وجود المركزية مُرَاكمةً للسلطة.

كذلك، فقد بدّل “داعش” صور القيادات وظهرت صور جديدة، كما تمرّد على شبكة العلاقات القديمة. لذلك، فقد بدأ البغدادي بتوصيف القاعدة وفروعها، وبتصنيف الصحوات والمرتدين، وأوجب على اتباعه ألا يستمعون لأعدائه، وحاول تشديد التخوّف من أنصار القاعدة وفروعها، بتخوين من لديه علاقة بهم، وتحدث عن الظواهري كفزاعة. كذلك، فقد ساد مبدأ العقاب والتخويف حتى في العلاقات التّنظِيمية الداخلية بين الملفات المتعددة، كما سيطرت عادات تقبيل الأيادي والرؤوس، وضعف احترام فكرة التاريخ الجهادي او ما يعرف بجيل الزرقاوي، وتفشي مجتمعات النميمة والشك وسوء الظن.

لا علاقة إيجابية داخل التنظيم

ومن خلال عملية رصد للتقارير من داخل التنظيم، يمكن القول أن هناك غياب تام للعلاقة الإيجابية بين المهاجرين والمحليين. وعليه، فقد اتجه المهاجرون إلى الجبهة السورية وابتعادوا عن الجبهة العراقية، وفشلت الهيئات الشرعية من إقامة المصالحة التي جرت بين كتيبة طارق بن زياد وكتيبة الزرقاوي، بعد جدل وقع بينهم على آثر تحرير بيجي وسنجار، وأصبح مشروع “داعش” الحفاظ على خطوط دفاعاته في الشرقاط والحويجة وهيت والفلوجة. كذلك، فقد سيطر الجدل داخل التنظيم حول مدى تمثيل القيادات من أصول بعثية لمنهج بن لادن والزرقاوي، وهل ذلك أمر صحيح ان يتم تقديمهم للقيادة.

الأسرى والفارون والنازحون.. 3 هواجس لما بعد انهيار داعش

وفي ذلك، فقد إنقسم “الدواعش” إلى ثلاث فئات يمكن جملها في الآتي:

1- الدواعش الذين يقال عنهم جيل الزرقاوي لا يرون جواز أن يكلف هؤلاء بمناصب قيادية، أو أن يدّعي أحد منهم تمثيله للمنهج الجهادي، وأن جميع التائبين من البعثية مهما كان ولائهم العسكري والأمني فهم ينبغي استعمالهم في الطبقات الميدانية، وليس لأحد منهم خصوصية في تمثيل داعش أو التحدث باسمها.

2- دواعش يرون أن الحركات والجماعات غير السلفية الجهادية، بكل ما تمثله من برامج ومشاريع وأفكار ومناهج، إنما هي خادمة للجيل المؤسس وهو جيل الزرقاوي الذي يتمتع عندهم بعصمته وقداسته وقطعيته، وأن كل من يختلف معه إنما هو يرد ويرفض الجهاد والخلافة، سواءاً كان يقر بخلافة البغدادي أو يرفض ذلك.

3- الفئة الثالثة من الدواعش وهم من انتمى لداعش بعد نيسان 2013، وهم الغالية الذين لايفرقون بين جيل الزرقاوي المعصوم وبين جيل البغدادي البعثي المعرّض للخطأ في فهمه أو منهجه. وفي الوقت نفسه لايفرقون بين من يؤمن بمنهج بن لادن في حركة التنظيم ومرجعيته، وبين من يؤمن بمرجعية الظواهري في حركة التنظيم أو يفهم الإسلام بأدوات غير داعشية.

لقد باتت الحاجة ملحة لاستذكار معالم الطريق ومواقف أطراف الصراع والدول، العامل الرابع لإعلان توحيد فرعي القاعدة في العراق والشام وتمرد البغدادي على تنظيم القاعدة الأم في نيسان 2013، الذي مهد لتمدد احتلالهم في حزيران 2014 وتبدل طبيعة التوازنات السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية، وبداية ظهور الفصائل المسلحة السنية في سوريا سواء المصنفة على أنها متمردة على القرارات الدولية والأقليمية او الفصائل التي صنفت إرهابية، التي تميزت بعدم الاتفاق والتقاتل من اجل تعزيز السلطات وجمع الثروات. وعلى العكس في الجغرافية العراقيّة، فقد توحدت الفصائل الشيعية المسلحة تحت موالاة حكومة بغداد والقرارات الدولية رغم اختلاف مرجعياتها الدينية والسياسية والإقتصادية.

ألف داعشي يفرون من سوريا وبحوزتهم 200 مليون دولار

استغلال الثورات العربية

انطلق الدعاة والناشرون المبشريون بإمارة البغدادي على رأس تنظيم ” دولة العراق الإسلامية”، وهو فرع القاعدة الذي أسسه الزرقاوي وابو محمد اللبناني وابو انس الشامي، ومن ثم أكده حامد الزاوي ابوعمر البغدادي وابوحمزة المهاجر.

في أواخر العام 2010، انتهت عملية صناعة اتباع جدد للبغدادي في المنطقة الغربية والشمالية من العراق، واصبحت الحدود شبه ساقطة عسكرياً بيد أقل من 350 مقاتل بقيادة نعمان الزيدي ويساعده حجي بكر العقيد سمير الخليفاوي وعشرات من ضباط الامن والمخابرات والعسكر والشرطة من محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين وشمال بغداد وجنوب غرب كركوك، ولحق بهم العديد من السوريين عام 2011.

لقد أجبرت جذور الثورات في تونس ومصر وسوريا واليمن، الحركات المسلحة الإسلامية على التربص واخذ حصتها من غنيمة الفوضى، واقوى فصيل تكفيري في المنطقة آنذاك كان فرع قاعدة العراق بقيادة البغدادي الذي لديه الخبرة المؤسساتية البعثية والتاريخ التنظيمي.

وفي الثورات العربية، كان لأمريكا واوروبا دوراً أساسياً في الضغط على الأنظمة الحاكمة من أجل التنحي، وفي كل تلك الثورات كان هناك تواطؤ بقصد أو من غير قصد بين الفصائل المسلحة التكفيرية والدول الإقليمية التي ترعى بالوكالة مصالح المحاور الكبيرة لفرض هذا الأمر.

إنهاء “داعش” و”النصرة”: إنه الهدف الأول

انتقل البغدادي فوراً إلى سوريا وأرسل مساعديه للبحث عن السلاح والأفراد والثروات، ولذلك تواجدوا في المنطقة الشرقية والشمالية السورية والغربية والشمالية العراقية، وهنا اختلفت عمليات التخابر الدولي مع الفصائل التكفيرية وخاصة فصيل البغدادي. كانت النتيجة ليس كما أرادوا: فوضى مؤقتة واعادة التوازن السني الشيعي في العراق وسوريا وفرض الديمقراطية على الحكومات البديلة. إن تنظيمي البغدادي والظواهري والفصائل القريبة منهما عقيدة ومنهجاً، جابهوا فرصة الفوضى بإعادة تنظيم الهياكل والملفات وترسيخ البناء ولجأت إلى الهوية السنية كمادة للغواية والدعاية وصناعة الأكثرية.

وبسبب الموقع الحساس على كردستان الحليف الموثوق به للغرب، أعلن الغرب والعرب تحالفاً دولياً لـ مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا في أيلول 2014. ومن 80 فصيل، تم تحديد العدو” داعش والنصرة”، والهدف هو انهاء او انهاك هذه الفصائل بقتال بري تقوده القوات الموالية لبغداد وكردستان في العراق، وفصائل مسلحة موالية للتحالف الدولي صنفت انها معتدلة في سوريا، وبسقف زمني 3 سنوات من المفترض أن ينتهي في 21 ايلول 2017. قرابة 3 سنوات من التحالف الدولي، ولا تزال استراتيجيته غامضة وغير مطمئنة لحلفائهم في المنطقة، والتي تركز على قتل قيادات الفصائل السلفية التكفيرية وتعطيل منافذ نشر غوايتهم العقائدية والإعلامية وتجفيف منابع التجنييد والتمويل والتسليح، وربما بعد ذلك تنتهي هذه الفصائل بلا قيادات ملهمة فتنقسم على نفسها ويأكل بعضها بعضا كما يحدث في أدلب السورية، وبالتالي يمكن القضاء عليها بواسطة الصحوات، او بصفقة مخابراتية بواسطة إسلامية، ويبقى إدعاء الخلافة من قبل داعش قنبلة او لغم لم يتم التحضير له مخابراتياً ولا عسكرياً.

التحالف الدولي والمحور الروسي: تقارب لقمع “داعش”

كذلك، فقد قرر التحالف الدولي التقارب مع المحور الروسي نهاية العام 2016، وقمع هذه الفصائل بكل ما أوتي من قوة استناداً إلى سوابق تأريخية مشتركة بينهم منها قمع الروس للشيشان وبذريعة مكافحة الإرهاب التكفيري. لكن هذه الرؤية كانت تعتمد على إدامة زخم الانتصارات في العراق وسوريت وليبيا، وهي رؤية متفائلة جداً في غير العراق، بل سطحية إلى حد كبير. فلا السيناريو الروسي التركي الأمريكي سهل التحقيق بسبب التداخلات والتقاطعات بين المسلحين في شمال سوريا، ولا الخيار الايراني الروسي السوري يعتبر حلاً متاحاً في سوريا بعد 6 سنوات من القتال، ولا حتى خيار التحالف الدولي العراقي سهل خاصة بعد تعثر معركة الساحل الأيمن لأسباب إنسانية.

رغم الانتصار.. هذا ما ينتظر العراق

ورغم حتمية انتصار العراق على “داعش”، فإن هناك ملفات عديدة تنتظره قد تعرقل فرحة النصر ملفات الثأر والجلوة والديات والإعمار ومسك الارض المحررة والتدقيق الأمني وعودة النازحين وصراع بغداد وكردستان، وهو ما يتردد كثيراً في الجلسات النقاشية والبحثية. إن مشكلة بغداد وكردستان المزمنة هي تقاسم الثروات والتنازع على جغرافية الأقليات الدينية والعرقية، أُضيف إليها أجندات إيران وتركيا والخليج التي تنفذها الأحزاب المسيطرة على الحكم والسياسي في بغداد وكردستان.

ماذا عن أمريكا؟

أما موقف الإدارة الأمريكية الجديدة فلم يتطور كثيراً رغم تفاؤل الكثير بحرصها على استخدام القوة المفرطة كحل أخير رغم تعدد تبعاتها واثارها، وعلى أن يكون التغيير محصوراً في استهداف الفصائل التكفيرية والضغط على إيران وحلفائها في سوريا والعراق وإعادة ترتيب مؤسسات الدولة في البلدين من جديد وفق قواعد العدالة الإنتقالية وفرض الإستقرار واستدامته ولو بالقوة المفرطة .

رسائل ترامب

وكانت رسائل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وفريق عمله، إشارة واضحة إلى الاتجاه الدولي والإقليمي القادم. فالغالبية الساحقة من حلفاء ترامب لم تكن تؤمن بالصبر على تقدم ايران في المنطقة على منافسيها، فيما دول الخليج عامة تريد وأد هذا التقدم عبر واشنطن.

وفي الأشهر الأولى من عام 2017، كان الرهان الأمريكي على ادارة العبادي لأزمات العراق بـ”الاحتواء والإهمال”، وعلى روسيا وتركيا في صناعة المناطق الآمنة في الشمال السوري. لقد زادت أمريكا من دعمها للعراق وحلفائها في سوريا لتحقيق هدفين: الأول بناء قواعد سياسية وعسكرية قوية وجديدة لها داخل المنطقة وحتى تتمكن من توجيهها، والثاني الضغط على العراق وسوريا كي ينفكان عن إيران ولو بالتدريج.

العراق ورقة رابحة.. ماذا عن سوريا؟

وكانت الواجهة السياسية للسنة في العراق، قرأت المشهد بشكل صحيح بداية 2017، فراهنت على بيت سياسي سني برعاية 5 دول سنية اقليمية وبإشراف امريكي اوربي كما حدث في جبهة التوافق والقائمة العراقية عامي 2006 و2010، والاعتماد على دول مضادة لتوسع نفوذ إيران بعد تجميد دور الكويت وسلطنة عمان.

ومع هذا، فإن العراق هو الورقة الرابحة في الصراع العالمي ضد الإرهاب، والورقة المعقدة التي لا نهاية معروفة لها، هي ورقة سوريا ويختصرها تناقض المحاور والإدارات في تصنيف حكومة بشار الأسد ومستقبلها. فالفصائل المسلحة السورية لا تمتلك رؤية سياسية واضحة، فهي تعمل في حلقة مفرغة ولا بد من كسر الحلقة من أحد جوانبها كي يعاد ترتيب الأوراق كما حدث عام 1996 حين اعلنت كردستان العراق منطقة مُؤمنة عسكرياً وأمنياً وتم جمع الاحزاب الكردية وتقسيم السلطة والادوار فيما بينهم.

مصدر الصورة: lesmauritanies

للمزيد:

“الأمير المتوّج” يعود بلباس والده.. للإنتقام

أبرز انتهاكات داعش ضد الأطفال

بريطانيا تُسقط الجنسية عن فتاة قاتلت مع داعش