الحرب في سوريا خلفت أوضاعاً اجتماعية واقتصادية صعبة

الوضع الاقتصادي المتدهور والحرب والصراع في سوريا بات ينعكس على مختلف جوانب حياة السوريين ما دفعهم للتفكير وفق منطق الأولويات، وأولها الاستمرار في العيش أما بقية تفاصيل الحياة فأصبح معظمها بمثابة رفاهية يبتعد عنها الكثيرون، وفي سياق هذه التأثيرات يعاني الجيل السوري الشاب من عوائق كثيرة، أبرزها البطالة وقلة فرص العمل والدخل المنخفض

وهذا أثر بشكل سلبي على قراراتهم في الإقدام على الزواج كخطوة أساسية في الحياة لتكوين أسرهم الخاصة وأصبح الزواج بالنسبة للكثير منهم مجرد حلم لن يتحقق ووفقاً لإحصائية الوزارة، فإن نحو 3 ملايين فتاة سورية عازبة تجاوزن سن الثلاثين عاماً، ونسبة العنوسة في سورية تقترب من 70%، وفق المعايير الاجتماعية المحلية، بحسب ما نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية وتتصاعد نسبة العنوسة في سورية لتقترب من 70%، بحسب آخر بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة النظام السوري. والأسباب متعددة، في مقدمتها الحرب، والهجرة، والفقر، وعزوف الشباب عن الزواج في عموم المناطق السورية.

راما العبدلله طالبة الحقوق والتي تبلغ 32 عام تقول في حديث خاص لأخبار الآن وهي تضحك بعد سؤالها عن الزواج لتجيب باللغة العامية مين بده يزوج طالبة حقوق عمرها 32 سنة وانا بعتبر حالي صرت ست وكل شباب اليوم متل ولادي

خلال سنوات الحرب كانت راما تعمل في النقاط الطبية لمساعدة الجرحى في مدينة دوما في النقطة الطبية التي تدعى النقطة واحد والتي اشتهرت باستقبال الجرحى بشكل كبير في المدينة كانت تعمل داخل الطابق الثاني تحت الأرض راما في قسم الإسعاف الأولي رغم ان دراستها بعيدة جدا عن عملها خلال سنوات الحرب ولكن كما تقول “كنت أحب أن يكون لي دور في مساعدة الناس وتواصل حديثها تعرفت حينها على الطبيب نور في عام 2017 داخل النقطة الطبية وهو أكبر مني بعام واحد وهو طبيب جراح في النقطة كنا دائما نتشارك الأحداث سويتا بينما الغارات خارج تتوالى على المدنيين في المدينة وفي كل ساعة يدخل الدفاع المدني إلى النقطة وهم يصرخون حالة خطرة منشآن الله حالة خطرة وكان نور من أكثر الأشخاص الفاعلين في النقطة الطبية”

وتضيف:” كنت استمد الطاقة الإيجابية منه في وقت يكون الدم قد ملئ النقطة وعجزت عن المساعدة تقول بعد عام تقريبا كنا نتبادل أنا و نور النظرات الخاطفة كوننا نعيش في مجتمع محافظ جدا وبعد عام تقريبا وخلال الحملة الأخيرة على مدينة دوما عام 2018 عندما كانت تحاول قوات النظام السوري استعادة المدينة عرض لي نور الزواج ولم يكن الوقت مناسب إطلاقا وشعرت بعجز وافقت ذلك اليوم ولكن أخبرني أنه يجب أن اخرج معه كونه يريد ان يكون ضمن قوافل المهاجرين الذين سيخرجون من المدينة وعندها لم استطيع ان اترك مدينتي ورحل نور ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم أخرجت فكرة الزواج من بالي تماما حيث اليوم أنا اعمل لكي أعين عائلتي في مطعم في داخل دمشق وكل الشباب التي تأتي للمطعم هم من أجيال 2002 وما فوق حسب وصفها و أعتبرهم مثل أولادي”.

وكما تصف في موقف صدمت فيه طوال حياتها من قبل صديقتها إخلاص والتي تبلغ من العمر 35 والتي قامت بعرض الزواج على شاب أصغر منها وكما تصف راما أنه في كل مرة أتذكر الموقف أضحك من كل قلبي كيف عرضت عليه الزواج في وسط شوارع العاصمة السورية دمشق كونها أصبحت تعلم أن الشباب في سوريا عملة نادرة حسب وصفها

الزواج.. آخر ما يمكن أن يفكر فيه الجيل الشاب في سوريا

وتكمل أنه هناك خطأ كبير من الأهالي حتى اليوم حيث الكثير من العوائل ما زالت تعيش في دائرة العادات والتقاليد كما كان قبل الحرب من طلب البنت من بين عائلتها ودفع النقد ومن ثم أن يكون هناك ( شوفة شرعية ) وفي حال اعجب الشاب يقوم بطلب يد البنت وهذه العادات كانت السبب لكثير من الشباب خاصة الذين عاشوا الحرب ليفكروا بالهجرة والزواج من خارج بلدهم كونه رسم في خيالهم أن البنت الأوربية لا تشترط مثل الفتاة العربية وهذه الفكرة سمعتها كثير خلال الفترة الأخيرة حسب راما وتكمل أنه أنصح جميع الأهالي بأن تكون أكثر ليونة مع شباب اليوم من حيث المهر – والشروط والابتعاد عن العادات والتقاليد والتي لم تعد صالحة في يومنا هذا.

الزواج.. آخر ما يمكن أن يفكر فيه الجيل الشاب في سوريا

وبحسب الخبراء، فإن الزواج أصبح حلما نظرا لارتفاع التكاليف ما يؤدي إلى اتجاه الفرد لخيارات غير عقلانية، وهذا ما رفع نسبة العنوسة إلى 70 بالمئة، معتبرين أن أقل تكلفة زواج ضمن أقل التكاليف تصل لنحو 17 مليون ليرة، وضمن متوسط الأجور للشريحة الأكبر من السوريين فالأمر مستحيل.

الناشطة الحقوقية ريم الإبراهيم العاملة في المنظمات الحقوقية في سرمدا إدلب تقول إن “المجتمعات في إدلب وريفها لا زالت تنتظر إلى الفتاة التي أصبحت بعمر السابعة عشر على عنها عانس وهي نظرة تقليدية جدا منتشرة بين العوائل وخاصة أن الحرب أثرت بشكل كبير على العوائل والتي أصبح همها فقط تزويج بناتهم من أجل أن لا تصبح عانس دون النظر لها من قبل العوائل الأخرى أو حتى لا تتعرض للتحرش في المنطقة وتضيف أنه اليوم معظم الفتيات المتخرجات من الجامعات أصبحت غير مطلب للزواج كونها تخطت عمر العشرين عام وبمجرد أن تصبح أكثر من عشرين عام فلن يتقدم أي شاب للزواج منها حسب النظرة المنتشرة بين المجتمع في إدلب وريفها أو حتى المناطق الأخرى إلا في حال تم الزواج منها على أنها ضرة أي زوجة ثانية حسب ما تصف الناشطة.

الزواج.. آخر ما يمكن أن يفكر فيه الجيل الشاب في سوريا

 

وتضيف: “الزواج بسن مبكر ظاهرة ما زالت منتشرة بكثير في مناطق إدلب وريفها وهي ظاهرة أدت لمشاكل كثيرة وكانت النهاية بالطلاق خاصة كونه يحمل الشاب وهو في عمر مبكر ضغوط نفسية كونه أصبح لديه عائلة وزوجة وعدم الوعي من قبل الطرف الاخر ويكون النهاية بالطلاق حسب ما تصف وهذا ما يجب أن يتم توعية المجتمع من خلاله”

وتشير إلى أن هناك عزوف كبير أصبح من قبل الشباب سواء في مناطق النظام السوري أو مناطق المعارضة عن الزواج كون الهاجس الذي يسيطر في الوقت الحالي على الشاب السوري هو الهجرة نحو أوروبا وليس الزواج واستخدام المبلغ في هجرته بطريقة غير شرعية إلى أوربا أولى من زواجه كون عدد كبير من الزواج متخوف من الدخول في غمار الزواج

وتشير إلى أنه هناك نسبة كبيرة من الأرامل سواء في المخيمات أو في المناطق الأخرى بنسبة كبيرة والتي معظم تملك أطفال وهذا ما يكون خيار صعب أمام أي شاب للزواج من امرأة أرملة كونه سيكون المصروف المادي كبير عليه بشكل مرتفع

الشاب بلال نعمان من ريف دمشق في حديث خاص لأخبار الآن يقول إنه بعد أن خطط للزواج كونه أصبح أبن الثلاثين وكونه أنهى خدمته العسكرية ولديه مبلغ كان قد جمعه خلال أعمال حرة عملها في ريف دمشق وخطط لوضع مخطط لزواجه كي لا يغامر بالزوجة المستقبلية معه كما يصف ليجد أنه المبلغ الذي لديه لا يكفي حتى لليلة الزفاف فقط حيث كما يصف وبعد بحثه بشكل مكثف في دمشق أنه أجرة منزل التي فاقت الـ 100 ألف شهرياً اليوم دون تأمينه بالسعر نفسه ودون فرش المنزل بضعفين هذا أجار المنزل أيضا أجار صالة الأفراح اليوم بين 150 ألف ليرة سورية، و350 ألف ليرة أو أكثر حسب منطقة الصالة واتساعها ونوعية ما تقدمه من خدمات وضيافة وأغلب الأعراس لا تستمر أكثر من 5 ساعات، وعلى ذلك تكون أجرة الساعة الواحدة في صالات الأعراس بين 35 ألف ليرة و70 ألف ليرة، وهذه الصالات للنساء،

بينما يضطر الرجال لإقامة أعراسهم في الطرقات ولم يتطرق الشاب بلال إلى تكاليف الزواج الأخرى حيث كما صف أنه سعر غرفة النوم المستعملة في دمشق اليوم بين 150 و 400 ألف ليرة سورية وحتى هناك أكثر وسعر غرفة النوم الجديدة في دمشق تصل اليوم إلى أكثر من مليون ليرة سورية حسب الجودة وأما بالنسبة لأسعار مستلزمات المطبخ من براد أكثر من 150 ألف ليرة مستعمل طبعا كما يصف و غسالة 200 ألف ليرة سورية وفرن غاز رغم عدم تواجد الغاز إطلاقا يصل إلى 100 ألف ليرة سورية وغرفة جلوس بين 400 و مليون ليرة سورية حسب الجودة كما يقول الشاب بلال هذه الأرقام الخيالية التي جعلتني أبتعد عن فكرة الزواج ابتعاد تام كونه من سابع المستحيلات بالنسبة لي

الزواج.. آخر ما يمكن أن يفكر فيه الجيل الشاب في سوريا

و بحسب تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية في سوريا، فقد بات الزواج مغامرة وتسرع، فحتى لو لم يقم أهل الفتاة بفرض أي تكاليف على الشباب، فإنه لم يعد بمقدور أي شاب في سن الزواج تحمل تكاليفه؛ ففرش المنزل وحده يكلف بالملايين هذا من غير المنزل، الذي بات حلما دفع إيجاره، ويحتاج إلى ثلاثة رواتب دفعة واحدة، أي ما يقدر بحوالي 350 ألف ليرة سورية، وأكبر راتب في القطاع الحكومي يصل لحوالي 180 ألف ليرة فمن أين بقية التكاليف التي تتراوح ما بين 15 – 20 مليون ليرة، بحسب الصحيفة.

الاستشارية الأسرية والنفسية، هبة العرنوس، أن أسبابا مختلفة تقف خلف العزوف عن الزواج من الشباب أو الفتيات، فبالإضافة إلى موضوع فرض المهور المرتفعة من الأهل، كذلك فإن الأسباب المادية هي إحدى المعضلات التي ترفع نسبة العزوبية بين الفتيات، وتؤدي بالشباب إلى استبعاد فكرة الزواج حسب ما نقلت الصحيفة

الزواج.. آخر ما يمكن أن يفكر فيه الجيل الشاب في سوريا

وأضافت العرنوس، أنه بالإضافة إلى ذلك فهناك الأسباب النفسية التي تلعب دورا كبيرا بالنسبة للأشخاص الذين يخافون من تجربة الإخفاق في الزواج والمبالغة في التوقعات، فعندما يرتفع سقف المبالغة لدى الشباب بطريقة إنجاب الأولاد بعد الزواج، وتكلفة تربيتهم وتدريسهم وغير ذلك مما يمكن تسميته التوقعات السلبية، فذلك يجعل جزءا كبيرا من الشباب يعزف عن الخوض في هذه المغامرة، بحسب وصفها.

وأشارت العرنوس هناك فئة من الشباب لا تقدم على الزواج من باب حب العزلة والروتين، وهؤلاء الأشخاص يرفضون الزواج لعدم الرغبة بفقدان حريتهم التي تفرض عليهم التزامات وتقييدات عائلية.

وبحسب العرنوس، فإن أسباب غلاء المهور في المجتمع الشرقي حسب دراسة تعود لسببين، الأول هم الأهل، والثاني هو رأي الناس، فباعتقاد الأهل أنهم عندما يطلبون مهرا مرتفعا، فهم بذلك يضمنون حياة مرفهة لبناتهم في حال تعرضن لأي مشكلة، إضافة إلى رأي الناس الذين يتباهون بالحديث عن رقم المهر الذي طلبوه لبناتهم، متناسين أن الحياة الزوجية هي استقرار وليست بيعا وشراء.

ووفقاً لإحصائية الوزارة السورية فإن نحو 3 ملايين فتاة سورية عازبة تجاوزن س ّن الثلاثين عاماً، ونسبة العنوسة في سورية تقترب من 70%، وفق المعايير الاجتماعية المحلية، بحسب ما نقلت وكالة “سبوتنيك” الروسية.

وبالطبع التغيير الذي وقع على المجتمع السوري بشكل عام من حرب وهجرة ونزوح كان أيضاً مؤثراً بشكل كبير في تأخير الزواج، وعدم الاستقرار وغياب الأمان يجعل الشخص يفكر كثيراً قبل أن يقدم على الزواج حتى لا يكون مسؤولا عن أمان واستقرار شريك او شريكة وأطفال لا يضمن لهم حياة كريمة آمنة.