منشور على فيسبوك ينشر المبادرة عبر الجزائر

أطلق ثلاثة أصدقاء شباب جزائريين مبادرة “برّد يا عطشان”، تطوعًا لتوزيع المياه الباردة بالمصحات التي تستقبل مرضى فيروس كوفيد 19 في ولاية وهران بالجزائر. بدأ الأصدقاء سيد أحمد وياسين ومحمد فكرتهم الخيرية بمنشور عبر منصة فيسبوك للتواصل الاجتماعي، وسرعان ما لاقت انتشارًا في عدد من الولايات.

قد تبدو المبادرة هذه سهلة، لكن في ظل الأوضاع الصحية بالجزائر وارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا والسلالات المتحورة منه، فهي لها أثر في نفوس أهالي المرضى والعمال والمرضى أنفسهم، الذين تصلهم المياه الشرب الباردة لتروي عطشهم في مراكز معالجة المصابين بفيروس كورونا المستجد المنتشرة عبر تراب ولاية وهران ( حوالي 400 كلم غرب الجزائر العاصمة).

 

عقب صلاة العشاء، يبدأ نشاط أصحاب مبادرة “برد يا عطشان”، وتحديدًا في حدود الساعة العاشرة مساء حين يملؤون سيارة أحدهم بقارورات المياه المعدنية الباردة التي كانت في غرفة من غرف التبريد التي وضعها أحد المحسنين تحت تصرفهم.

ثم يتنقل الشباب المتطوع إلى أحد مراكز العلاج حيث يرتدون الألبسة الواقية ويجمعون قوارير المياه فوق عربة تجر باليد، تجوب كل الطوابق التي يرقد فيها مرضى فيروس كورونا وينتظر فيها أهاليهم، بنظام لا يعيق الحركة داخل المركز الصحي.
3 شباب جزائريون الذين زطلقوا مبادرة تطوعية في وهران

بدأ الأصدقاء الثلاثة مبادرتهم بمنشور عبر فيسبوك

ولعل من أجمل ما ابتكره الشباب المتطوع هو فكرة العمل بشعار الماء البارد، “برّد يا عطشان”، وهي العبارة التي يرددها الأصدقاء حتى صاروا يعرفون بها، ويدفعون كل من هو داخل الغرف الطبية إلى الخروج لملاقاتهم والحصول على قارورة ماء بارد، قد تطفئ و لو للحظات عطش يوم كامل.
وحسب ما صرح به سيد أحمد فلاحي، صاحب الفكرة، لمراسل “تطبيق خبّر” الميداني بالجزائر محمد الأمين بلحية، فإن المبادرة تمخضت من رحم المعاناة التي تم الوقوف عليها داخل المصحات.
فمن جهة، هناك بُعد المراكز الصحية عن النسيج الحضري، ومن جهة هناك تطبيق مواقيت الحجر الصحي، وكلها معطيات زادت من معاناة نزلاء المؤسسات الاستشفائية الذين يقضون ساعات من الزمن بدون شرب مياه باردة، كون المصحات هذه تفتقر لثلاجات يمكن تخزين فيها قوارير المياه.
"برّد يا عطشان" في وهران.. مبادرة تطوعية لتوزيع المياه الباردة بمصحات كورونا

التبرعات تشمل المياه الباردة والألبسة والقفازات والأقنعة الواقية من الفيروس

وأضاف سيد أحمد أن المبادرة بدأت بمنشور بسيط تم نشره بإحدى صفحات الأصدقاء الثلاثة، يُعلن فيها عن انطلاق عملية توزيع المياه الباردة على الطواقم الطبية والمرضى وأهاليهم، فلاقى المنشور تفاعلًا مشجعًا، وتوالت الاتصالات عليهم من طرف محسنين تعهدوا بتوفير المياه كل يوم.
تابع سيد أحمد أنه “من هنا بدأت المغامرة الممزوجة بروح التضامن والتآخي بين الجيش الأبيض وأهالي المرضى المصابين بفيروس كورونا وممثلي المجتمع المدني. الكل يعمل من موقعه وبإمكانياته المتواضعة من أجل إنجاح حملات التضامن، لأن الظرف الصحي صعب ويتطلب من الجميع توحيد الجهود والالتحام”.

دعوة للتحلي بالوعي المجتمعي لوقف انتشار الوباء

 أما الشاب ياسين الذي يملك محلًا للمواد الغذائية، فأجاب عن الإجراءات الوقائية التي يطبقها المتطوعون، قائلًا إنهم يحصلون يوميًا على عتاد ومستلزمات وقائية مثل الألبسة العازلة والقفازات، والأقنعة الطبية والنظارات من طرف محسنين.
وبيّن ياسين لمراسل “تطبيق خبّر” أنه من الضروري ارتداء هذه الألبسة العازلة ليكونوا مستعدين لمواجهة المخاطر المتأتية بأتم الاستعداد لأنهم سيدخلون مراكز صحية لوباء كورونا، ويمشون على بعد أمتار من أسرة المرضى المصابين به.
"برّد يا عطشان" في وهران.. مبادرة تطوعية لتوزيع المياه الباردة بمصحات كورونا

تفتقر المصحات المستحدثة في وهران لمرضى كورونا إلى الثلاجات

وهي، وفق ما تابع متحدثًا، من بين أول الشروط التي يجب توفرها قبل دخول المصالح الاستشفائية ،فالخطأ ممنوع لأنه أي تساهل قد يؤدي إلى نقل العدوى و وقوع الكارثة لا قدر الله.
 من بين الأمور التي أخبرنا سيد أحمد بها أيضًا، ما وصفه بأهم الصور المؤلمة التي صاروا يشاهدونها يوميًا كلما وصلوا المصالح الاستشفائية.
فهناك رجل أربعيني يئن من الآلام، يقابله شيخ تحت رحمة جهاز الأوكسجين، وبين الفينة والأخرى يتم إخراج الضحايا ممن لم يصمدوا أمام الفيروس الخطير، فتسمع عويل أفراد عائلته يبكون ويحاولون توديع عزيزهم لكن من دون أن يقدروا على ملامسته، وفق ما يقتضيه البروتوكول الصحي من باب الوقاية.
قال سيد أحمد، “عليكم تخيل هول الفاجعة ولعلها رسائل يمكن أن تصل سريعًا لعامة الشعب ممن ما يزال يغامر ويتهاون من دون أدنى اهتمام لحجم الفيروس العالمي الذي خلط أوراق دول عظمى، وشتت منظومات صحية، وآن الأوان للتحلي بالوعي الكافي لتفادي انتشار كورونا والعمل على الحد منه”.
وقد عرفت مبادرة ”برّد يا عطشان” انتشارًا كبيرًا عبر مختلف الولايات الجزائرية، مثل تلمسان، وتبسة وسطيف وادرار، حيث حمل شباب متطوع فيها على أنفسهم تقديم يد المساعدة لمختلف مصحات فيروس كوفيد 19 للتخفيف من وطأة المرض.